الوقت - نشرت صحيفة الإيكونوميست (The Economist) البريطانية تقريراً حول القمع في البحرين جاء فيه: سحبت السلطات البحرينية الجنسية من أكثر من 300 مواطن منذ عام 2014 بذرائع مختلفة، كان آخرهم المرجع الديني والزعيم الروحي للغالبية الشيعية في البحرين آية الله الشيخ عيسى قاسم.
وزعمت سلطات المنامة في 20 حزيران/يونيو بأن آية الله قاسم يُرَوّج للتطرف والطائفية، ويحرض على إسقاط النظام في البلاد.
وأشارت الإيكونوميست إلى أن آية الله الشيخ عيسى قاسم كان ناقداً صريحاً لنظام آل خليفة الذي يزداد قسوة يوماً بعد آخر.
وأضافت الصحيفة: إن سحب الجنسية عن آية الله عيسى قاسم ليس سوى مثال واضح على حملة القمع المستمرة التي تنتهجها السلطات البحرينية ضد المعارضة السلمية التي تطالب بالإصلاح السياسي. ففي 14 حزيران/يونيو، حظرت السلطات "جمعية الوفاق الوطني الإسلامية" وهي الجمعية الأكبر للمعارضة في البحرين، وكانت قد زادت فترة السجن بحق زعيمها الشيخ علي سلمان من أربع إلى تسع سنوات. وقبل يوم من ذلك كانت قد إعتقلت الناشط في مجال حقوق الإنسان "نبيل رجب"، فيما غادرت المعارِضة البارزة "زينب الخواجة" البحرين في مطلع حزيران/يونيو بعد أن تم إبلاغها بأنّها سيتم إعتقالها من جديد من قبل السلطات.
وتدّعي الحكومة البحرينية التي تهيمن عليها أسرة آل خليفة إن المعارضة تزرع الفتنة، لكنّ المعارضون يلقون باللوم على هذه السلطات نفسها.
وخلال تطورات الصحوة الإسلامية أو ما سمي بـ "الربيع العربي" في عام 2011، تظاهرت حشود غفيرة من الشعب البحريني للمطالبة بإصلاحات سياسية واسعة النطاق. وردّت سلطات المنامة المدعومة من قبل السعودية ودولة الإمارات، بعنف وقسوة على هذه التظاهرات.
ووسط الدعوات المطالبة بالإطاحة بنظامه أنشأ "الملك حمد بن عيسى آل خليفة" لجنة وثّقت إنتهاكات حقوق الإنسان. وأجرى بعض التغييرات، بمساعدة بريطانيا، بينها إنشاء مفتشية للسجون. ومع ذلك إستمر القمع في البحرين أكثر من ذي قبل.
وتُمنع التظاهرات والإحتجاجات السلمية في العاصمة البحرينية "المنامة" وفي غيرها من المناطق في الوقت الحاضر، في حين صدرت قوانين جديدة من شأنها أن ترفع من مستوى القمع وتزيد من حالات سحب جنسيات المعارضين.
وأعتُقِلت المعارضة البحرينية "زينب الخواجة" من قبل السلطات 11 مرة، إحداها على خلفية تمزيق صورة "الملك حمد بن عيسى آل خليفة". كما أعتُقِل والدها الناشط في مجال حقوق الإنسان "عبد الهادي الخواجة" عام 2011 وحُكِم عليه بالسجن مدى الحياة على خلفية إتهامه بالسعي لإسقاط الحكومة، في حين تؤكد جميع الشواهد على أنه كان يطالب فقط بتطبيق الديمقراطية.
و كتب عبد الهادي الخواجة العام الماضي بأن المبنى رقم 10 في سجن (جو) المركزي في البحرين قد أصبح معروفاً لدى الجميع بأنه مركزاً للتعذيب، وقد سمع بنفسه أصوات الضحايا أثناء التعذيب.
وتتهم السلطات البحرينية آية الله عيسى قاسم وجمعية الوفاق - التي أغضبت النظام بمقاطعتها الإنتخابات البرلمانية في عام 2014- بالسعي لإسقاط النظام، في حين تؤكد كافة الأدلة والقرائن بأنهم يسعون فقط لإقامة مملكة دستورية.
وتدفع سلطات المنامة ملايين الدولارات سنوياً لشركات العلاقات العامة في عدد من الدول الغربية لتلميع صورتها منذ عام 2011. ولكنها باتت اليوم تعاني من الإزدراء لدى الرأي العام العالمي.
وبعد منع سلطات آل خليفة لأعضاء في المعارضة من حضور إجتماع في الأمم المتحدة خلال الشهر الجاري، أكد المفوض السّامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة إنّ "القمع لن يمحو مظالم الناس، بل سيزيدها". وردّ وزير الخارجية البحريني على حسابه في "تويتر" بالقول "لن نضيع وقتنا بالإستماع لكلمات مفوض سام لا حول له ولا قوة".
من جانبه قال المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بشؤون التعذيب "خوان مانديز" بإنّ سلطات البحرين ترى نفسها مُحَصّنة من الرقابة، بسبب علاقاتها القويّة مع بريطانيا، التي تبني قاعدة عسكرية في البحرين، وكذلك علاقاتها مع أمريكا التي تحتفظ بأسطولها البحري الخامس هناك.
وفي العام الماضي رفعت أمريكا حظراً كانت قد فرضته في عام 2011 عن مبيعات الأسلحة إلى البحرين، زاعمة بأن تقدماً قد حصل في مجال حقوق الإنسان في هذا البلد، لكنّها مع ذلك أدانت الإجراءات القمعية الأخيرة ضد الشعب البحريني.
وتعتبر أمريكا وبريطانيا من الحلفاء الثابتين والتقليديين للسلطات البحرينية وشخص "الملك حمد بن عيسى آل خليفة" رغم الإنتقادات الواسعة التي توجه لهم بسبب القمع الشديد للشعب البحريني، لكن مع ذلك يبدو إستقرار البحرين هشّاً ووهمياً، خصوصاً بعد أن أثارت تصرفات سلطات آل خليفة قوى المعارضة في البلاد، لاسيّما المعارضة الشيعية التي طالما إشتكت من التمييز، وإنسداد جميع الخيارات أمامها من أجل مواصلة التظاهرات السلمية للمطالبة بالديمقراطية والإصلاح السياسي، ما قد يجبر البعض إلى التوجه لسلوك طرق عنيفة للتعبير عن غضبه، وبذلك تكون البحرين قد وضعت نفسها في موقف لطالما إدّعت إنّها تتجنبه.