الوقت - لكل زمان دولة ورجال.. وسياسة خارجية، مقولة تؤكدها القرارات التي اتخذها الملك سلمان، بعد ساعات من وفاة الملك عبدالله، وكل الشواهد توحي بأن السعودية في عهد ملكها الجديد صارت على أعتاب عهد مغاير فيما يخص تحالفاتها الإقليمية وسياستها الخارجية.
تعيين سلمان ملكاً للبلاد مثّل عودة لحكم السدايرة، لا بل يعتبر إصدار سبعة وثلاثين أمرًا ملكيًا، شملت تعديلات وزارية أساسية وتغييرات جذرية في مفاصل الدولة السعودية، ليس مجرد عودة للسدايرة وإنما انقلابًا على سياسات سلفه عبدالله.
صمت من الملك سلمان ومنظومة الحكم السديرية الصاعدة من جديد في السعودية له ما يبرره، تجاه ما يتعلق بسياسات الرياض الخارجية، لكن وقائع اتفاق ثنائي سديري- سروري سُمع صداه في البلاط الملكي، اتفاق يوجّه أو يعلل كافة التغييرات التي طرأت على سياسة المملكة الخارجية، أمام هذا الواقع يطرح السؤال عن فحوى هذا الإتفاق الذي سيرسم مستقبل المملكة وسياستها الخارجية، وما هي التغييرات التي طرأت اثر هذا الإتفاق؟
للإجابة على الأسئلة المطروحة أعلاه وتحليل التغييرات التي برزت مؤخراً تجاه مصر، الإمارات، تركيا، قطر والإخوان، لا بد من سرد نبذة عن السديرية وشخص الملك سلمان، كما لا بد من شرح مفهوم السرويرية وتأثيرها على القرار السعودي.
السديرية..وعلاقات سلمان
شهدت عملية انتقال الحكم في السعودية، عودة الحكم إلى أحد أبناء الأميرة حصة السديري، إحدى زوجات الملك عبد العزيز، مؤسس المملكة، بعد غياب 10 سنوات، بتولي الحكم العاهل السعودي الجديد الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود (79 عاما)، وهو ثاني ملك سديري يتولى الحكم .
و"السديريون" الذين يمثلون أهم فصيل في الأسرة الحاكمة، حيث أنتج هذا الفرع ملكين هما الملك فهد والملك سلمان، فضلًا عن وزير الداخلية الراحل الأمير نايف، ووزير الدفاع الراحل الأمير سلطان، هو مسمى يطلق على سبعة من أبناء الملك عبد العزيز آل سعود من زوجته الأميرة حصة السديري، التي تنتمي إلى هذه القبيلة.
سلمان زعيم السديريين حالياً، تربطه علاقات وثيقة بـ"الإسلاميين المتشدّدين"وله باع طويل في دعم المقاتلين الإسلاميين، وقد اعتبرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية الملك سلمان داعمًا لما أسمته "الإرهاب"، وذكرت الصحيفة أن "سلمان كان المسؤول الرئيسي في النظام عن جمع التبرعات لـ"المجاهدين" في أفغانستان خلال الثمانينات، وكذلك لمسلمي البوسنة خلال صراعات البلقان في التسعينات.
وتابعت الصحيفة: "عندما كان حاكمًا للرياض لفترة طويلة، غالبًا ما وُكِل إلى سلمان الحفاظ على النظام والتوافق بين أفراد أسرته. لذلك تطلع إليه أخوه غير الشقيق الملك خالد (الذي حكم ما بين 1975 إلى 1982) في وقت مبكر من النزاع الأفغاني من أجل استخدام هذه العلاقات العائلية لأهداف دولية، ومن ثمَّ عَيّن سلمان لإدارة لجنة جمع التبرعات لحشد الدعم من العائلة المالكة والسعوديين الآخرين للمقاتلين ضد السوفييت. كما نشرت راشيل برونسون تفاصيل أكثر في كتابها "أكثر سمكًا من النفط"، حول مساعدة سلمان أيضًا في تجنيد مقاتلين لعبد الرسول سياف، المقاتل السلفي الأفغاني الذي كان مرشدًا لكل من أسامة بن لادن و خالد شيخ محمد.
السرورية والإخوان
السرورية أو "مصاهرة بين الإخوان والسلفية" هي تيار ديني سعودي واسع الانتشار ينتسب الى محمد سرور زين العابدين وقد يكون هو التيار الديني المعارض الاكبر في السعودية وهو عبارة عن مزج بين السلفية و الاخوانية او مزج بين افكار ابن تيمية و افكار سيد قطب. يصفهم القاعديون بأنهم القواعد نظراً لتخليهم عن الجهاد و تخليهم عن نصرتهم ايام حرب تنظيم القاعدة مع الحكومة السعودية بل شجعوا الدولة على قتلهم وسموهم خوارج.
تتقاطع اهداف التيار السروري بشكل كبير مع اهداف الاخوان المسلمين، وظلت السعودية عقودا طويلة حاضنة للتيارات الإسلامية رغم صدامات وقعت مع بعض القوى الموجودة على أطراف التيار الإسلامي، لكن هذه الصورة اهتزت بشدة في أعقاب استلام السيسي في مصر. يمكن القول أن الدعم السعودي لمصر عقب الثلاثين من يونيو، وتوجه المملكة المعادي للإخوان كان يستند بشكل رئيسي على شخص الملك عبد الله ومحوره(متعب- بندر- التويجري)، لكن هل تغيّرت سياسة السعودية في ظل موت عبدالله وانهيار معسكره، واستلام السديريين برئاسة سلمان الذي يملك تاريخ في دعم التيارات الإسلامية؟
الامارات ومصر
حضور أردوغان في تشييع عبدالله والتسريبات حول بناء علاقات جيّدة مع قطر( قطر وتركيا أبرز حلفاء الإخوان) تؤكد وجود تغيرات جديدة في السعودية، في المقابل تعيش الإمارات العدو الأول للإخوان "حالة غضب" من ملك السعودية الجديد، ويجمع المحللون أن الأمور سارت في الرياض بعكس ما خطط له محمد بن زايد، حيث شكل انهيار محور عبدالله أمام السديريين، ضربة بالعمق للقيادة الإماراتية.
مصرياً، ورغم تأكيد بعض المحللين على أن العلاقات المصرية السعودية في ظل الملك الجديد، ستسير كما جرت على نهج سابقيه من الملوك السعوديين، فمباشرة بعد مبايعة الملك سلمان ألمحت مصادر إعلامية مصرية مقربة من المؤسسة العسكرية إلى عدم الارتياح لوصول الملك سلمان إلى الحكم في السعودية، خاصة أن الأمير سلمان في ذلك الوقت – وقت أن كان وزيرًا للدفاع – قال: "السعودية مع الحاكم الشرعي في مصر أيًا كان".
وأضاف في تصريحاته التي جاءت بتاريخ أبريل 2013: "أن السعودية تساند الحاكم الشرعي في مصر أيا كان، ويجب إعطاء الرئيس محمد مرسي فرصة كاملة في الحكم".
في السياق نفسه نشرت مراكز أبحاث سياسة وأمنية أميركية، مرتبطة بمراكز اتخاذ القرار وأجهزة الاستخبارات، كمركزي "ستراتفور" و "سي آس أي آس"، دراسات وأوراق بحثية تتناول في مجملها الاستراتيجيات الجديدة للدول المحورية في المنطقة وعلى رأسها السعودية، والتي تطرقت إلى حتمية تحول السعودية إلى التعاطي مع تيارات الإسلام السياسي المعتدل في المنطقة، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين.
فتح قنوات اتصال مع الإخوان
سربت بعض الدوائر السياسية المقربة من السعودية في لبنان، معلومات حول لقاء عقده مسؤولين سعوديين نافذين، مع معارض ليبرالي مصري مقرب من جماعة الإخوان وكان من ضمن إدارة الرئيس السابق محمد مرسي، يقيم في بيروت منذ ما يربو عن العام، وأن هذه اللقاءات تمت بناء على طلب الأخير. مؤشر آخر على أن السياسة السعودية تجاه الجماعة توشك أن تتغير، هو استقبال سلمان بنفسه الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الذي جاء معزيًا بوفاة الملك عبدالله، كما أن إقالة سليمان أبا الخيل، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، العدو اللدود لجماعة الإخوان المسلمين ليس عن هذا ببعيد.
اذاً، يرسم اتفاق السديرية-السروية مستقبلاً جديداً للسعودية، ربما تتبادل كل من قطر والإمارات مواقفها تجاه المملكة، ولا نستبعد تحسين العلاقات السعودية-التركية من جهة، و انخفاض مستوى العلاقات السعودية –المصريةمن جهة أخری، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو هل تغيير سياسة سلمان تجاه الإخوان تكتيكية أم استراتيجية؟ ما صحة ما يتم تداوله حول ضغوط أمريكية على سلمان لتغيير سياسة السعودية تجاه الإخوان بغية إخضاع السيسي؟ نترك الإجابة على هذه الأسئلة برسم المستقبل
