الوقت - مع حلول ساعة الصفر، وانطلاق العمليات العسكرية العراقية ضد داعش في الفلوجة بهدف تطهيرها من الارهاب، كثر القيل والقال وبدأت الدول عالمياً وإقليمياً بالتهافت لوضع قدم ولو بموقف في هذه العمليات بعد رؤية اندفاعة القوات العراقية المشاركة في العملية وتأكد انهيار خطوط الإرهابيين أمامهم سريعاً، وذلك لاستثمارات لاحقة تسعى هذه الدول في تحقيقها من أجل تحسين صورتها باعتبارها جزءًا من مشروع محاربة الإرهاب عالمياً، هذه المواضيع ومستجدات عدة حول معركة الفلوجة هي محور حديثنا مع الكاتب والمحلل السياسي العراقي "فاضل أبو رغيف" والذي جاء فيه:
الوقت: ما هي الأهمية الإستراتيجية لمعركة الفلوجة؟
الأستاذ فاضل: "للمعركة أهميات عديدة وليس واحدة فقط، أولاً يعتقد البعض أن العراق سيكون المستفيد الوحيد من القضاء على داعش في مدينة الفلوجة، إلا ان هذا الرأي مخطئ، فبتطهير الفلوجة سيرتاح العالم برمته اذ انها تعد العاصمة العسكرية الوهمية لداعش، وهي تعد الترسانة الأكبر لإنتحاريي داعش، وفيها ولايات عديدة، منها ولاية جنوب بغداد، ولاية شمال بغداد، وولاية الفلوجة، لذلك هناك قيادات وجنود يتراوح عددهم ما بين 1800 إلى 2400 مقاتل مرتزق من المهاجرين من العرب والأجانب وهم برمتهم قد يكونون من الإنغماسيين والإنتحاريين ومن الذين قنطوا ويئسوا من الحياة لذلك تجمهروا في الفلوجة، والآن تدور معارك شديدة جداً للقضاء عليهم."
وتابع قائلاً: "أما من الناحية الجغرافية واهميتها، فهي تقع في الجانب الغربي لبغداد وتبعد حوالي 60 كلم عن العاصمة، وهذا الموقع ليس الأهمية الجغرافية الوحيدة، إذ انها ستؤمن خطوط الإمداد والنقل بالنسبة لسائر الأطراف الغربية لمحافظة الانبار، فضلاً عن كونها تمد بغداد بالكثير من السيارات المفخخة والإنتحاريين لقربها منها، كما انها تمثل الخط السريع الدولي القادم من منطقة قرابيل إلى الرطبة الى الكيلو مية وستين انتهاءاً وقدوماً الى بغداد فهي تمثل عقدة في مجال التجارة والاقتصاد وعصب الاقتصاد في العراق، فضلاً عن انه وحال انكسار داعش في الفلوجة سنشهد انكسار داعش في كل العالم بدءاً من منطقة القائم وانتهاءاً بمنطقة الموصل."
الوقت: البعض تحدث عن تململ أمريكي قبل بدء معركة الفلوجة باعتبارها ليست أولوية بالنسبة لهم، فكيف استطاع العراق تجاوز الرأي الأمريكي واتخاذ هكذا قرار ببدء العمليات العسكرية فيها؟
الاستاذ فاضل: "الرأي الأمريكي لم يكن رأياً متطابقاً مئة بالمئة مع القيادات العسكرية العراقية، لا سيما قيادة القوات المشتركة العراقية، لذلك اتخذ القرار ليس على حين غرّة بل اتخذ القرار قبل حوالي ثلاثة أسابيع من الآن حين شرعت قوات عراقية من النخبة ومدعومة من الحشد العشائري السنّي من أهل عامرية الفلوجة جنوب قضاء الفلوجة بتطهير ثلاث مناطق أدت الى تطهير تقاطع السلام الذي يطل على منطقة مركز الفلوجة ومن هناك بدأت الاستعدادات وقبل حوالي ثلاثة أيام من الآن أعلن البدء بتطهير هذه المدينة التي لن تكون ملاذاً آمناً للدواعش بعد الآن."
الوقت: تحدثت تقارير صحفية عن استخدام داعش للمدنيين كدروع بشرية، كيف ستتعامل القوات العراقية مع صعوبة هذا الموقف؟
الاستاذ فاضل: "هناك قاعدة بيانات لدى الأجهزة الاستخباراتية العراقية وداعش بالفعل احتجز بعض المدنيين هناك واختطفهم وأجبرهم على البقاء، ولكن اكثر من 40 ألف مختطف تم توفير ملاذات آمنة لهم من قبل قيادة العمليات المشتركة، ووفرت أهم ملاذ وهو ملاذ تقاطع السلام وهو باتجاه جنوب الفلوجة والذي كان ممراً أمنياً فضلاً عن ممرات اثنين في شرق الفلوجة وممرات اخرى أعلنتها قيادة العمليات المشتركة للحؤول دون اصابتهم جرّاء أي أعمال عنف نتيجة الأعمال العسكرية الجارية هناك، لا يخاف على المدنيين من القوات الأمنية ولا من قوات الحشد الشعبي العراقي، إنما يُخاف عليهم من قبل قطعان داعش الإرهابية."
الوقت: هل برأيكم تحقيق الانتصار في الفلوجة سينعكس إيجاباً على المشاكل السياسية في البلاد ونشهد حلحلة في هذه الأزمة أيضاً؟
الاستاذ فاصل: "الوطنيون من السياسيين سينعكس عليهم إيجاباً، والبعض ممن لم يحل له ولم يغمض له جفن من انتهاء داعش، سيبدأ بالتعريض بعديد قواتنا ويبدأ بتقويض العملية السياسية أملاً بإفساد حلاوة النصر وطعمه في أفواه العراقيين."
الوقت: ما رأيكم بدعوة المرجعية للقوات العراقية المشاركة في الفلوجة بالإلتزام بآداب الجهاد وما الى ذلك؟ وهل هي دعوة استباقية لقطع الطريق على أية حملات إعلامية مغرضة ستحاول تشويه النصر وتبديد جهد العراقيين؟
الاستاذ فاضل: "المرجعية الشيعية تهتدي بهدي إمامها ومرجعها الأكبر الإمام علي (ع)، وهي منضوية تحت لوائه وأخلاقه وأدبياته لذلك المذهب الشيعي لا يؤمن بالإنتحار والتفخيخ والقتل العشوائي، ويؤمن بمبدأ المراحمة والعطف على الصغير واحترام الكبير وتوقير النساء وعدم العبث بممتلكات الآخرين والإهتداء بهدي آل البيت، ومن هنا تنبع الأخلاق التي تحبط أي محاولة لتشويه صورة الحشد أو القوات الأمنية العراقية، وقد اعتاد العراقيون على حملات تهويل مسبقة تارة انقذوا الفلوجة، تارة انقذوا السنّة، تارة الفلوجة تحتضر جوعاً وهذه الحملات كلها ذهبت سدى، واليوم نشهد تغيراً حتى في الموقف الخليجي بعد ان رأوا الحقائق واضحة فعرفوا أن هذه الممارسات والأكاذيب والخرافات والشبهات لن تنطلي على احد اذ ان الواقع والمعطيات اوضحت الحقيقة للجميع."
الوقت: على ذكر الموقف الخليجي، ما هي كواليس اتفاق السعودية مع الرئيس "العبادي" حول معركة الفلوجة وطرد الإرهابيين منها؟
الاستاذ فاضل: "أولاً الكواليس قد تكون ضعيفة نوعاً ما، لأن هناك لاعباً أكبر من الحكومة العراقية وهو اللاعب الأمريكي، فقد يكون هناك دور أمريكي واضح ومعلوم خلف هذه التصريحات، لذا اعتقد ان الدور الأمريكي هو الدور الضاغط باتجاه تغيير سياسات هذه البلدان التي كانت وحتى يوم أمس تسمي تحرير الفلوجة بعبارات طائفية مقيتة جداً."
أخيراً سؤالنا حول خلفيات التزامن بين اعلان الأمريكي دعمه لعمليات تحرير شمال الرّقة من داعش مع انطلاق عمليات الفلوجة؟ وإن كان هذا التوقيت بهدف قطف السمعة والإنتصار واستثماره لاحقاً على حساب الجهود العراقية والسورية؟
الاستاذ فاضل: "من المعلوم أن الانتخابات الأمريكية باتت قريبة هذه السنة، ولا بد للديمقراطيين قبل أن يغادروا الحكم أن يتركوا بصمة في نفوس الشعب والمواطن الأمريكي، بأنهم قد حققوا انجازاً في العراق او في سوريا، لذا أي استثمار في المعارك الحاصلة اليوم ضد داعش والارهاب ككل هي بهدف الاستثمار الانتخابي وتحسين سمعتهم أمام الرأي العام الأمريكي."