الوقت- لم تستطع كل محاولات أمريكا ومن يدور في فلكها, الحد من تأثير الوجود الروسي والإيراني في منطقة الشرق الأوسط, رغم كل المشاريع التي حيكت في الغرف السوداء من العقوبات الإقتصادية الى اللعب بأوراق الإرهاب عبر الجماعات التكفيرية, او التسلل الى روسيا من الباب الأوكراني , رغم ذلك فالنفوذ الروسي ـ الإيراني يتقدم بإضطراد، تجلى ذلك بصمود النظام السوري بوجه محاولات الإسقاط، وبتحقيق إنجازات سياسية وميدانية، والنجاح في إعادة صياغة الواقع السياسي في اليمن والسيطرة على باب المندب، ومنع سقوط بغداد ولبنان بيد الإرهابيين، لذا قررت امريكا اللجوء الى ورقة اسعار النفط والغاز باعتبارهما مصدرين رئيسيين من مصادر الدخل المالي لكليهما، كورقة ضغط يمكن اللجوء اليها للحد من القدرات والتأثير على الإقتصاد .
فسعت كل من روسيا وإيران الى تخطي تلك الضغوط, بل والإنتقال من مرحلة مواجهة الأزمات الى مرحلة صناعة واقع جديد أو اذا صح التعبير صناعة حلف جديد يضم اليهما العراق وسوريا بشكل أساسي .
فالزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الدفاع الروسي "ایغور کوروتجنکو" الى طهران مؤخرا" في 19 يناير/ كانون الثاني من الشهر الجاري ماهي الا صورة جديدة من المشهد القادم لمسلسل التعاون الروسي الايراني على الصعد كافة الاقتصادية او العسكرية التي ستأخذ المنحى العملي بحسب الوزير الروسي, التي تساعد على رفع الجاهزية القتالية للقوات المسلحة في البلدين .
ولكل من إيران وروسيا غايته من توسيع التعاون بينهما, ذلك من أجل قطع الطريق أمام محاولة إخضاعهما للنفوذ الأمريكي أو وضعهما أمام الأمر الواقع عبر شرق اوسط جديد .
الإستراتيجية الروسية الإيرانية المشتركة
إن القواسم المشتركة في الرؤى الاستراتيجية لما يدور في المنطقة ساهم في التقارب الروسي الإيراني وإنشاء سد سياسي أمام مشاريع الهيمنة خاصة في سوريا, و محاولة الالتفاف على الحرب الإقتصادية المعلنة عليهما عبر :
محاولة إيجاد سوق تجاري مشترك تستغني به روسيا عن الإتحاد الاوروبي ويفتح أمام إيران فرص جديدة للتصدير مقابل الحظر المفروض دوليا", فلقد شكلت الإتفاقات الروسية الإيرانية بالتبادل السلعي ضربة كبرى لإقتصادات أوروبا الغربية التي حرمت بذلك من حصة الإستيراد الروسي لمنتجاتها، وضربة للولايات المتحدة بتخفيض معدل التداول بالدولار الأميركي .
محاولة مواجهة الحرب الإقتصادية التي تشنها كل من امريكا ودول الخليج الفارسي عليهما بعد تدني اسعار النفط عالميا "مواجهة قد لا تكون سهلة ولكن ممكنة بحسب الخبيرة الإقتصادية سلام سميسم عبر قيام إيران وروسيا بضرب مضيق هرمز الذي يعد منفذ للشركات النفطية العالمية إذا ما استمرت أوضاع اسعار النفط على ماهو عليه .
أما سياسيا" تسعى روسيا من خلال دعم الدولة السورية الى الحفاظ على اخر موطئ قدم لها في الشرق الأوسط فدعمت الأخيرة بالسلاح, والموقف السياسي المتجلي في مجلس الأمن عبر استخدام الفيتو, ضد قرارات كانت موجهة ضد سوريا, هذا الدعم تلاقى مع الرؤية الإيرانية لمسار المعركة على الساحة السورية محاولة الدعم بكافة الأشكال ليبقى محور المقاومة متماسكا" من طهران الى بيروت .
رفض إنشاء أي قواعد امريكية جديدة بالمنطقة وخاصة في الدول القريبة من إيران مثل العراق التي سعت أمريكا جاهدة" إنشاء قواعدعسكرية جديدة تحت مايسمى محاربة الارهاب .
تتطابق رؤى روسيا وإيران في قضية الإرهاب إلى حد بعيد، وتختلف جذريا عن نظيرتها الأمريكية أو حتى الأوروبية فتدرك روسيا أن القضاء على الإرهاب لن يكون "بالحرب"، ولكن بالتعاون الجاد بين أجهزة الاستخبارات واكتشاف مصادر تمويله وقطع دابرها، وأن الإرهاب تهديد عالمي يجب أن تتضافر لمقاومته والقضاء عليه كل دول العالم، وفي مقدمتها إيران .
إن الزيارة الأخيرة لوزير الدفاع الروسي "ایغور کوروتجنکو" لطهران والتي تعد الأولى منذ 14 عاما" ما هي إلا خطوة تتلوها خطوات تعاون في مجالات كثيرة خاصة العسكرية, بحيث وقع الطرفان بروتوكول إتفاق لتعزيز «تعاونهما العسكري الثنائي خدمة للمصالح المشتركة» ، كما قرّرا تسوية مشكلة «اس-300» التي كانت قد ألغيت في عام 2010، بسبب الأزمة الدبلوماسية الدولية حول البرنامج النووي الإيراني، وفرض العقوبات على طهران .
هذا الإتفاق الذي يرمي إلى تعزيز «التعاون من أجل الحفاظ على السلام وتوفير الأمن والإستقرار الإقليمي والدولي والتصدي للميول الإنفصالية والتطرف», ماهو إلا جزء من مواجهة القوى الدولية, أو محاولة الإنتقال الى مرحلة " ايجاد البديل" او "التحصين" , وربما يكون بعدها الخطو نحو إنشاء حلف أوسع يكون قادرا" على إمتلاك زمام الأمور السياسية وكسر القطبية الأحادية التي تمثله أمريكا .