الوقت- اعترفت الولايات المتحدة الامريكية علی لسان العديد من قادتها بان السعودية تعتبر حليفا استراتيجيا لامريكا لايمكن التخلي عنها تحت اي ظرف من الظروف، حيث انه لا يمكن لاي حليف في المنطقة ان يلعب دور الرياض لیكون بدیلا لواشنطن. وخلال العقود السبعة الماضية لعبت الرياض دورا حيويا في تنمية الاقتصاد الامريكي وتنفيذ سياسات واشنطن في المنطقة علی حساب الشعوب الاسلامية. مما ادت هذه الاهمية الكبيرة التي حظیت بها السعودية عند الامريكيين بحيث اعتبر العدید أن السعودية تعتبر الولاية الـ 52 لامريكا. ضخ الملايين من براميل النفط بشكل يومي من قبل الرياض في الاسواق العالمية، اكثر من الطلب العالمي، ساهم بشكل مباشر في خفض اسعار النفط الذي تحتاجه امريكا لتغذية شركاتها واستمرار حركة عجلات اقتصادها خلال العقود الماضية. حيث نفذت الرياض هذه السياسة او بعبارة اخری امنت امدادات النفط في الاسواق العالمية وفقا للمخطط الذي يخدم المشروع الامريكي.
دعونا نسأل كم كلفت هذه السياسة السعودية سائر شعوب العالم الاسلامي خاصة في الشرق الاوسط؟ ونعني بالضبط ضخ مقادير كبيرة من البترول في الاسواق العالمية لكسر اسعار النفط لصالح واشنطن؟
لاشك أن هذه السياسة ادت الی انهيار اسواق النفط اكثر من مرة، كان آخرها الهبوط الاخير لاسعار النفط الذي ادی الی انخفاض الاسعار لما دون الاربعين دولارا للبرميل الواحد اثر اشباع الاسواق العالمية بكميات اكبر من الطلب العالمي من قبل السعودية. لا شك أن قيام السعودية بهذه السياسة منذ اكثر من نصف قرن، ادی الی الحاق خسائر كبيرة بالدول المنتجة للنفط تقدر هذه الخسائر علی أقل تقدير بعشرات الترليونات من الدولارات.
الدول الاسلامية المنتجة للنفط كانت الخاسر الاكبر اثر هذه السياسات من قبل السعودية خلال العقود الماضية، فضلا عن الخسائر التي تحملتها دول اعضاء منظمة اوبك المنتجة للنفط جراء هذه السياسة السعودية. بحيث يمكن القول في حال عدم اصرار السعودية علی انتاج كميات اكثر من الطلب العالمي في مجال النفط، لكانت الاسعار العالمية قد شهدت ارتفاعا كبيرا لهذه المادة الحيوية، وكان من الممكن ان تستفيد الدول الاسلامية من اموال النفط لتنمية اقتصادها والتخلص من الفقر والتخلف التي تشهده هذه الدول في الكثير من المجالات. اضافة الی جميع هذه الخدمات الاقتصادية فقد كانت السعودية دولة منفعة في المجال السياسي والامني للولايات المتحدة خاصة في مجال مواجهة أعداء واشنطن في العالم الاسلامي خاصة خلال العقود الاربعة الماضية. لكن وبالرغم من جميع هذه الخدمات المهمة التي تنفذها الرياض لواشنطن فان القادة الامريكيين كثيرا ما ينظرون الی ملوك السعودية بنظرة مليئة بالحقارة والاستخفاف تجاههم. بحيث اتضح ذلك بشكل جلي من خلال ماصرح به هنري كيسنجر وزير خارجية امريكا الاسبق حين قال أن «آل سعود ليسوا اصحاب السعودية الحقيقيين، بل هم مسؤلوا خزائننا في هذا البلد ويتقاضون حقهم قبال العمل الذي يقدمونه لنا». لكن وبالرغم من ادارة جزء كبير من سياسة السعودية من قبل الامريكيين او علی الاقل يمكن القول ان السعودية ترسم سياستها في الكثير من الاحيان وفقا للمخطط الامريكي وبناءا علی ضمان المصالح الامريكية، فانه من الوارد جدا ان تفلت الامور من يد الامريكيين واسرة آل اسعود ويصبح كل شئ بيد الشعب السعودي، كما حصل هذا قبل اكثر من ثلاثة عقود في إيران. بحيث كانت تسير اسرة بهلوي وفقا لما ترسم الیها واشنطن من سياسات كما هو حاصل الیوم تجاه اسرة آل سعود، لكن تمكن الشعب الايراني عبر قيادته الحكيمة ان يطيح بنظام الشاه ويخرج إيران من دائرة التبعية الامريكية.
كما ان اشتداد الخلافات داخل الاسرة الحاكمة في السعودية والتي من المعتقد أنها ستنفجر بشكل خطير بعد رحيل سلمان بن عبد العزیز الملك السعودي الجديد، من الممكن ان تؤدي بانهيار النظام السعودي بشكل كامل، مما يؤدي ذلك في حال حصول هذا الانهيار الی نهاية الائتلاف الامريكي السعودي دون رجعة. كما يجب أن لاننسی أن للسعودية دورا هاما في خلق الازمة الجارية في سوريا وكذلك في الصراع الدائر في الیمن ولبنان ومصر واماكن اخری فی العالم الاسلامي. وبالطبع فان سياسة السعودية في هذه الدول تاتي وفقا لمصالح واشنطن في الدرجة الاولی. وفي هذا السياق توجد ادلة كثيرة تثبت تعاون السعودية مع واشنطن لانقاذ الكيان الاسرائيلي في المنطقة، حيث تعتبر المبادرة العربية التي قدمتها السعودية في زمن الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، هي بمثابة مسعی كبير من قبل الرياض لتصالح العالم العربي مع الكيان الاسرائيلي.
وفي النهاية يمكن استنتاج هذه القضية أن شؤون السعودية تدار من قبل الامريكيين اكثر مما تدار من قبل السعوديين انفسهم، وفي المقابل يقوم السعوديون بادارة الامور في الدول الرجعية التي تدور في فلك السعودية وهي معروفة للجميع، منها التي تستجدي المساعدات السعودیة ومنها دول اخری يعتبر بقائها مرهونا بالدعم الامني من قبل الریاض. كما یجب أن لاننسی أن امریكا تعتبر اللاعب الرئیسي في تعیین الملك السعودي الجدید، بالرغم من كبر سنه ومعاناته من امراض عدیدة، بحیث لا یعتقد أنه سیبقی كثیرا فی سدة الحكم. لكن وبالرغم من جمیع هذه الاشكالیات، فانه یبدو لا یوجد طریق افضل امام الامریكیین لانتخاب شخص آخر مكان سلمان بن عبدالعزیز بسبب مخاوف واشنطن من انفجار الاوضاع بین افراد الاسرة المالکة فی السعودیة كما اشرنا قبل هذا.