الوقت- في خضام الحرب التي تعصف في كل من العراق وسوريا على التوالي، أصبحت تركيا والسعودية طرفي صراع ذات طابع ايدولوجي يرقى لأن يكون حربًا داخل حرب. الخلاف الأيديولوجي بين أكبر قوتين سنيتين في المنطقة بدأ يطفو على السطح مع تحول الربيع العربي إلى شتاء بارد، وبرز بشكل واضح على الساحة السورية أولاُ من خلال السيطرة على الجماعات المسلحة وتوجهاتها وليس آخراً في الائتلاف السوري المعارض.
تتشارك الرياض وأنقرة في هذه الحرب ذات الطابع الأيديولوجي بعض الأهداف الاستراتيجية مثل اسقاط الرئيس الأسد والحد من قدرات محور المقاومة؛ إلا أنهما أيضًا، أصبحتا متباعدتين في الروئ بما يخص بعض التطورات الإقليمية الرئيسية، مثل احتواء داعش، دعم المعارضة المسلحة، والتصدي لجماعة الإخوان المسلمين.
آخر فصول هذا الصراع برزت مؤخراً في انتخاب الهيئة العامة "للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة في سوريا" رئيساً لها، حيث تم انتخاب خالد خوجا رئيسا للائتلاف خلفاً لهادي البحرة، حيث حصل خوجا على 56 صوتا من أعضاء الهيئة البالغة 109 أعضاء، بينما حصل منافسه نصر الحريري على خمسين صوتا.
خوجا الذي يحمل الجنسية التركية، ويملك مشفى في مدينة كونيا التركية، يعتبر من رجال تركيا في "الإئتلاف"، ويتصدر العلم التركي حسابه على موقع "تويتر"، على عكس خلفه البحرة، الذي يعتبر رجل السعودية، الأمر الذي اعتبره معارضون "انتصاراً لتركيا وحليفتها قطر على السعودية" ضمن جولات الصراع السلفي - الإخواني على الكعكة السورية.
مع كل يوم يمرّ، تبدو المعارضات السورية في وادٍ، والتطورات في وادٍ آخر، بحيث بدأ الجميع يعرف أن لا همّ لـ"قادتها" سوى المال، وبالتالي فإنها لا تملك الحول ولا القوة، سوى الإقامة في فنادق "5 نجوم"، وتطويل الأزمة إلى أبعد مدى، ولا شك ان توفر الرئيس الجديد على الجنسية التركية لن يكون في مصلحته، فمن يريد أن يصبح رئيساً لائتلاف يمثل شعباً على حد وصفهم لا بد أن يكون "وطنياً بامتياز"، وبالاضافة الى “الخوجا” يبرز اسم نائبه “هشام مروة” الذي يحمل هو الاخر الجنسية الامريكية ليزيد الموقف اشتعالا لدى الكثير من السوريين الذين حولوا صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي الى منابر احتجاجية ضد هؤلاء وتعزيز موقفهم بانهم لا يمثلون الشعب السوري.
عوداً على بدء، يعتبر الصراع السعودي التركي ايدولوجيا بامتياز، فتركيا تطمح لعودة امبراطوريتها السابقة تحت مسمى "العثمانيين الجدد"، في حين تعتبر السعودية نفسها زعيمةً للعالم الاسلامي، وبين هذا وذاك اتخذ الصراع بين الرياض وأنقرة شكلاً جديداً تحت عنوان الصراع السلفي – الإخواني في المنطقة، فما هي أسباب هذا الصراع؟
معروفة هي الخلافات الفقهية وما وراءها بين جماعة الإخوان والقوى السلفية المتنوعة والمتعددة الاتجاهات، وفي حين تتبنى السعودية الفكر السلفي المقابل للاخوان، تحتضن تركيا حالياً الفكر الاخواني في المنطقة بغية تحقيق مآرب جيوسياسية.
اذاً تعتبر جماعة الاخوان المسلمين من أهم نقاط الخلاف بين تركيا والسعودية، وتتعامل الأخيرة مع جماعة الاخوان بازدراء تام، ولم تكن على وفاق مع ميل أردوغان لصالح الإخوان، ودعمه للفريق أثناء وبعد ثورات الربيع العربي على حد سواء. وتعتبر القيادة السعودية القيم التعددية والمدنية لجماعة الإخوان تهديدًا للقيم القبلية والعرقية للوهابية. وهي تعتقد أيضًا أن الإخوان ثوريون بطبيعتهم، وأنهم يطمحون إلى إحداث التغيير الاجتماعي في المجتمعات الإسلامية بطريقة تتعارض مع وجهات النظر السعودية.
يعتقد السعوديون الراعي الرئيسي للسفلية في المنطقة والعالم في مقابل الحركة الاخوانية أن التنمية الثقافية الاجتماعية ينبغي أن تقوم على الولاءات العائلية، بينما يعتقد الإخوان المسلمون بإدراج ما يقرب من جميع شرائح المجتمع؛ ولذلك، فإن أيديولوجية الإخوان تتناسب مع معتقدات أولئك الذين لا علاقة لهم بالأسر الحاكمة، والذين يسعون للتغيير وتحسين وضعهم الاجتماعي والسياسي في مجتمعاتهم.
في السياق نفسه يعتبر تسليح وتدريب الجماعات المسلحة نقطة خلاف رئيسية بين الرياض وأنقرة، لذلك اقترحت كل من تركيا والسعودية تدريب المتمردين السوريين في أراضيها، لأن القوات المدربة تحت وصاية أي من الدولتين سوف تكون تابعة لهذه الدولة فكريًا. هنا تجدر الاشارة الا أن واقع الميدان على الساحة السورية يؤكد أن السعودية لم تعد تمتلك قدرة التأثير الفعلي على أي من الجماعات المسلحة وهذا ما أكده الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله خلال المقابلة التي أجراها مؤخراً مع قناة الميادين، في حين أن تركيا تمضي قدماً في دعم تنظيم داعش الارهابي.
"داعش" فصل آخر في فصول الخلاف السعودي التركي، ويتعامل الطرفان مع التنظيم الارهابي من خلال رؤى مختلفة، فالسعودية ترى بأن داعش تشكل تهديدًا وجوديًا بالنسبة لمستقبل النظام الملكي السعودي والخطاب الإسلامي في العالم السني، في حين أن تركيا تستخدم داعش كأداة جيوسياسية مفيدة، وقد أثار هذا الدعم حفيظة العديد من المحللين وصانعي السياسات الغربيين.
داعش لم تمثل حتى الآن تهديدًا مباشرًا لمصالح تركيا الوطنية؛ بل انها خدمت تركيا جيدًا من خلال تقسيمها الأكراد، وتعطيل ظهور المنطقة الكردية السيادية في الفناء الخلفي لتركيا.
في الخلاصة، ان العلاقات السعودية - التركية التي بنيت على الشك وعدم الثقة المتبادل في الماضي، كان الخلاف الآيديولوجي والثقافي والمصلحي يقف حاجزا أمام تحقيق التقارب بينهما، فتعددت الأسباب والنتيجة واحدة خلاف سياسي" سعودي- تركي" بطعم عقائدي "سلفي-اخواني".