الوقت - يبدو أن السنة الحالية يمكن اطلاق تسمية "سنة الفضائح" عليها. فمنذ أشهر تنهمر الفضائح السياسية والمالية على الرأي العام العالمي. ولعل مسألة الترويج أو الإعلان عن الفضائح تتم عبر وسائل الإعلام، فإن العديد من الخبراء ينحازون للرأي القائل بأن فضح الدول أو سياساتها، يطرح العديد من التساؤلات بشكلٍ أكبر من الفضيحة. وهو الأمر الذي يُدخله المحللون في خانة التساؤل عن التوقيت والمغزى. لكن حجم الفضيحة التي حملتها صحيفة الغارديان البريطانية، تبقى مهمةً لأسبابٍ عديدة سنشير إليها في مقالنا. فماذا في فضيحة الدور الخفي لحكومة لندن في سوريا؟ وما هي دلالات ذلك؟
ما فضحته الغارديان
كشف تقريرٌ نشرته صحيفة "الغارديان" أن الحكومة البريطانية تُدير مكتباً إعلامياً لما تعتبره المعارضة السورية، من خلال متعاقدين معها يخفون صلة الحكومة بها في حرب دعائية ضد تنظيم داعش الإرهابي. المكتب الصحفي لمقاتلي المعارضة، يقوم بمساعدة الحكومة البريطانية بحسب الصحيفة، على شن حرب معلومات في سوريا، من خلال تمويل الحملات الإعلامية لبعض مجموعات الثوار بحسب ما يزعم البريطانيون. وتظهر وثائق التعاقد التي اطلعت عليها صحيفة "الغارديان" أن الحكومة عرضت المشروع باعتباره وسيلة للحفاظ على موطئ قدمٍ لها في سوريا، إلى أن يكون هناك تدخل عسكري بريطاني. وقد أنفقت الحكومة البريطانية على هؤلاء المتعاقدين من خلال ما سُمي "صندوق الصراع للإستقرار" حوالي 2.4 مليون جنية استرليني. كما يعملون بمساعدة شبكةٍ في اسطنبول، على تقديم الإتصالات الإستراتيجية والحملات الإعلامية لدعم ما يُسمى بالمعارضة السورية المسلحة المعتدلة. وقال مصدر بريطاني مطلع على ملف التعاقد إن الحكومة تدير أساسا ما يُعرف بـ "المكتب الصحفي للجيش السوري الحر". وقد تولى، لفترة وجيزة، متابعة مشروع التعاقد لدعم المعارضة المسلحة المعتدلة، "ريجستر لاركن"، وهو مستشار في الإتصالات الدولية، وكان يُشرف عليه عقيدٌ سابقٌ في الجيش البريطاني، والذي كان يعمل أيضاً كخبيرٍ في الإتصالات الإستراتيجية في وزارة الدفاع.
وحول الهدف من الحملة، أشارت الصحيفة الى أنها تهدف إلى تعزيز سمعة ما تسميه الحكومة "المعارضة المسلحة المعتدلة"، والذي تصف علاقتها به، بأنه تحالف معقد ومُتغير من الفصائل المسلحة. وأفاد التقرير بأن البت في أي الفصائل تستحق الدعم أمرٌ محفوفٌ بالمخاطر بالنسبة للحكومة البريطانية، لأن جماعات كثيرة أصبحت تميل، وعلى نحو متزايد، إلى التطرف خلال سنوات الحرب الخمس. وينتج المتعاقدون المستأجرون من وزارة الخارجية، ولكن تحت إشراف وزارة الدفاع، أشرطة الفيديو والصور والتقارير العسكرية والبث الإذاعي، ويطبعون المشاركات في وسائل الإعلام الإجتماعية بشعارات تحت مُسمى مجموعات الثوار، ويديرون بشكل فعَّال المكتب الصحفي لمقاتلي المعارضة. وتعمم المواد في الإعلام العربي المرئي والمسموع وتنشر على الإنترنت مع إخفاء أي دليل على تورط الحكومة البريطانية.
ثم تستدرك الصحيفة قائلة إن أساليب "وحدة البحث والمعلومات والإتصال"، التي تخفي دور مشاركة الحكومة في هذه الحملة، قد تصيب بعض المسلمين بالصدمة وقد تقوِّض الثقة في برنامج مكافحة التشدد أو التطرف، الذي يواجه بالفعل انتقادات واسعة. وتهتم بمسألة الدعاية السياسية شركة اتصالات غير حكومية تُدعى "بريك ثرو ميديا نتوورك" (breakthroughmedia)، التي أنتجت عشرات المواقع على الإنترنت والمنشورات وتسجيلات الفيديو وصفحات الفيسبوك والتويتر. وكشفت الصحيفة أن جهود الدعاية في بريطانيا لمصلحة المعارضة السورية المسلحة، بدأت بعد فشل الحكومة في إقناع البرلمان بدعم العمل العسكري ضد الرئيس السوري بشار الأسد. حيث أنه في خريف عام 2013، شرَعت بريطانيا سراً في العمل على التأثير في مسار الحرب من خلال وضع تصورات لمقاتلي المعارضة.
دلالاتٌ وتحليل
في وقتٍ يجب فيه الوقوف عند الفضيحة كحدث، لا يمكن التغاضي عن الدلائل الهامة لها وهنا يمكن ذكر التالي:
- تُشكِّل الفضيحة دليلاً يُدين الحكومة البريطانية، لا سيما في ظل إدعائها مكافحة الإرهاب والتطرف في التعاطي مع الملف السوري. وهنا فإن الإنتقادات التي تطالها (كما أشارت الصحيفة أيضاً)، تأتي لتُثبت أحقيتها فضيحة الغارديان. ولأننا لسنا في وارد الحكم، يكفي أن نقول بأن الأطراف البريطانية المعنية مُطالبة بتقديم توضيحٍ حول الإدعاءات، والتي لا تُعتبر بعيدةً عن الممارسات الغربية تجاه دول المنطقة، لكنها تتناقض مع السياسة التي تروِّج لها بريطانيا.
- ولأن الخلاف بين الأطراف في بريطانيا يأخذ مرحلةً كبيرة من الشرخ، فيمكن وضع ما يجري في خانة الفضائح التي أنتجتها الخلافات بين المحافظين واليساريين في بريطانيا، لا سيما بعد أن سارعت أطرافٌ محافظة ومؤيدة لكاميرون، وتتناغم مع المصلحة الأمريكية، الى التخطيط لحملةٍ تطال اليساريين لا سيما حزب العمال البريطاني. الأمر الذي يوضح أيضاً بأن الأزمة السورية أصبحت محلَّ خلافٍ داخليٍ بريطاني.
- ومن بين الأمور التي يجب الوقوف عندها، هو العمل على تبيين حجم زيف الإدعاءات الرسمية البريطانية خصوصاً والغربية الأمريكية عموماً، لما يخدم في ذلك مصلحة الشعوب الغربية وليس فقط شعوب المنطقة. فالإرهاب الذي يضرب العواصم الغربية، ليس إلا صنيعة هذه الشركات المُتعددة الجنسيات، والتي يعمل فيها مأجورون يخدمون الأهداف الإرهابية، على قياس المجموعات الإرهابية، ويحملون نفس أهدافهم.
- من هنا، يمكن القول بأن الغرب يُثبت مرةً أخرى، أنه ليس سوى أداةٍ رخيصة تعمل لصالح السياسة الأمريكية، ولو تعارض ذلك مع مصالح الشعوب الأوروبية، ناهيك عن الإمعان في ضرب مصالح العالم الإسلامي والعربي. وهو ما يطرح الكثير من التساؤلات، حول الكثير من الخطوات الغامضة، الحالية والمستقبلية والتي تتخذها هذه الدول تجاه الشعوب.
أصبحت بريطانيا مثالاً للحاضر الداعم للإرهاب، بعد أن دخلت التاريخ من بوابة دعمها للإرهاب وصوغها لسبل صناعته. فيما يشهد العالم بأسره، حالةً من الوعي يمكن الرهان عليها، في تحديد الشعوب لمصالحها. لتكون الفضيحة الجديدة، داعمةً لكل ما صاغه الغرب لمنطقتنا ولشعوبه على مرِّ السنين الطوال. فيما يمكن اختصار الإرهاب الغربي بالفضيحة التي نقلتها الغارديان وهزَّت بريطانيا والعالم، والتي تتمحور حول قصة إدارة الحكومة مكتباً لمسلحي المعارضة في سوريا.