الوقت- أعاد مشهد تعليق المفاضات في الكويت من قبل رئيس وفد الرياض، "عبد الملك المخلافي"، المحادثات إلى نقطة الصفر، تعليق قد يستدركه المبعوث الأممي "إسماعيل ولد الشيخ" عبر بوابة الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي لإجبار الوفد على العودة إلى طاولة المفاوضات المباشرة.
يأتي تعليق وفد الرياض للمشاركة في المفاوضات بعد يوم واحد على تقديم وفد القوى الوطنية لرؤيته حول الحل السياسي في اليمن بناءاً على طلب المبعوث الأممي، الذي اقترح على الأطراف تقديم مقترحات كل طرف كل على حدة فيما يتعلق بالإطار العام للمفاوضات، مقابل غياب أي رؤية واضحة لوفد الرياض حول الحل السياسي للأزمة.
القراءة السريعة لرؤية وفد صنعاء التي تضمّنت نقاط عدّة أبرزها: تثبيت وقف اطلاق النار بشكل شامل وكامل، رفع الحصار بكافة اشكاله ورفع كافة القيود على حركة المواطنين داخليا وخارجيا من والى اليمن، التوافق على سلطة تنفيذية توافقية جديدة تمثل القالب السياسي لتنفيذ كافة الاجراءات الامنية وغير الأمنية المتعلقة بالسلطة التنفيذية، انسحاب كافة القوات الخارجية دون استثناء من اليمن، رفع الحصار بكل اشكاله، التعويضات واعادة الاعمار، رفع اليمن من تحت البند السابع، تؤكد أنه هدف الوفد الرئيسي من القدوم إلى الكويت يكمن في إنهاء الأزمة خاصّة عندما تطرّقت الرؤية إلى المراحل التنفيذية لكافة القضايا المطروحة للنقاش، والتعامل مع مختلف مرجعيات العملية السياسية دون انتقاء كـ" الدستور، ومخرجات الحوار الوطني المتوافق عليها، والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، واتفاق السلم والشراكة، وقرارات مجلس الامن ذات الصلة، بخلاف وفد الرياض الذي يسعى لتطبيق قرار مجلس الأمن حصراً.
مقابل رؤية الوفد الوطني اليمني، لم يقدّم وفد الرياض أي رؤية واضحة بل أعاد تكرار مطالبه التي طرحها منذ اليوم الأول للعدوان على اليمن قبل سنة والمتمثلة بسحب السلاح والإنسحاب من صنعاء حتّى قبل التطرّق إلى جدول المفاوضات، ولعل غياب الرؤية الواضحة التي لم تتطرق إلى هموم الشعب اليمني والأوضاع الإنسانية والعسكرية، تقف وراء نسف هذه المفاوضات تحت ذريعة إقتحام الجيش واللجان الشعبية للواء 29 ميكا عمالقة في حرف سفيان بمحافظة عمران شمالي صنعاء، الأمر الذي وجدت فيه وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان العامة حرباً إعلامية، موضحةً أن ما تم تسريبه وتداوله من أخبار مغلوطة ولا أساس لها من الصحة يأتي في إطار الحرب الإعلامية والاستهداف الممنهج لقوى العدوان ومرتزقتهم ومحاولاتهم اليائسة لشق وحدة الصف وزعزعة الجبهة الداخلية عبر ممارسة أقبح الأساليب والطرق. وأضاف مصدر عسكري في وزارة الدفاع: أن أبطال القوات المسلحة ومنهم مقاتلو اللواء 29 ميكا عمالقة يؤدون مهامهم العسكرية وبمساندة قوية من اللجان الشعبية وأبناء الشعب اليمني في معركة المواجهة والصمود ضد العدوان ولن تؤثر أو تنطلي عليهم مثل هذه التسريبات.
إذاً، السعودي تدّعي سقوط معسكر لم يكن في حوزتها لنسف المفاوضات والعودة إلى الميدان بصورة رسمية بإعتبار أن وفدها لطالما رفض في السابق أي قرار حول وقف إطلاق النار، ما يعني خلق المبررات والأعذار الواهية لتعطيل المفاوضات ونسف السلام والإستمرار بالحرب على الشعب اليمين.
لا ريب أن هذه الخطوة لم تكن عبثية بل تسعى لتحقيق جملة من الأهداف، لاسيّما إنهاك الجيش اليمني واللجان الشعبية ميدانياً عبر "الإستفار الشامل"، إلا أنها تتزامن مع ما كشفته مصادر إعلامية أمريكية عن وصول فريق من القوات الخاصة الأمريكية والاستخبارت إلى اليمن بحجة مساعدة المرتزقة ودولة الإمارات العربية في ملاحقة تنظيم القاعدة، فهل ترى الرياض في هذا التورّط الأمريكي ضوءاً أخضر للعودة إلى الحقبة العسكرية التي فشلت خلال أكثر من سنة ونيّف؟
وفد الرياض علّق مشاركته في المحادثات المباشرة تحت ذريعة القاعدة العسكرية، "إلا أن ممثليه سيبقون في الكويت حيث سيواصلون المشاركة في المحادثات غير المباشرة من خلال وسيط الأمم المتّحدة، إسماعيل ولد الشّيخ أحمد"، وفق مصدر يمني، ما يؤكد فرضية الذريعة العسكرية التي جاءت لإستهداف الرؤية الوطنية التي كانت محط أنظار وموضع رضى الشعب اليمني والعديد من الأطراف الخارجية من ناحية، وضرب الرؤية الجديدة والواقعية التي قدّمها الوفد الوطني اليمني للعالم في سلسلة اللقاء الإيجابية التي بدأت مع الأمير الكويتي "صباح الأحمد الجابر الصباح"، ولم تنتهي بسلسلة من اللقاءات الدبلوماسيّة مع سفراء الدول الثماني عشرة في اليمن وضمنهم سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وسفراء الدول الخليجية والاتحاد الاوروبي والمانيا، والسفير الصيني ومسؤول دائرة الشرق الأوسط في وزراة الخارجية الألمانية بحضور سفير بلاده.
لم يلجأ وفد الرياض لتعليق المفاوضات غير المباشرة، لأن ذلك سيعكس صورته الواقعية على الصعيد الدولي، بل عمد إلى تشويه صورة الجيش اليمني واللجان الشعبية عبر ذريعة إنتهاك وقف إطلاق النّار الذي بدأ سريانه في 11 نيسان/أبريل الماضي، علّه ينجح في تحقيق أهداف المفاوضات عبر الطاولة بعدما فشل في تحقيقها عبر الميدان.
في الخلاصة، يبدو أن الهدف الرئيسي يكمن في تشويه الصورة الناصعة التي قدّمها الوفد الوطني اليمني في الكويت، إلا أن التدقيق في مسير الأيام السابقة للمفاوضات يكشف أنها كانت في حكم المعلّقة سواءً بسبب رفض وفد الرياض لوقف إطلاق النار، حتى اليومين الأخيرين، أو بسبب الشروط التي يفرضها أو تُفرض عليه من الخارج، وما فعله المخلافي بالأمس هو إخراج هذا التليق من الخفاء إلى العلن.