الوقت- مع ازدياد القتوحات الداعشية بموازاة الاعلام الداعم , تنامت داعش على حساب الحركات الاخرى التي بدأت تنحسر وتختفي كامثال النصرة والصحوة وكتائب اخرى متفرقة والجيش الحر , وأخذ التنظيم يزداد حجما وعتادا معتمدا على العديد الضخم الذي يرفده من بحر سني وافر في العالم اجمع , ويظهر نفسه محقق حلم السنة ومحصل كراماتهم.
نهاية العصر الذهبي وبداية المحاكمة الأمر الواقع:
شيئا فشيئا, مع الوقت, تخضع الشعارات لامتحان جدي, حيث بدأ الناس الذين دعموا التنظيم, يستشعرون ان طموحات التنظيم وبنيته العقائدية, لا تمت اليهم بصلة, وان داعش بفكره تيار أصولي متشدد أكثر من أي حركة أخرى خبروها, وبدأت سلوكيات داعش وحكمهم الاسلامي واعداماتهم وهتك الاعراض وبيع النساء ومحاكمهم العرفية باسم الدين, والجلد والضرب والحرق , تظهر سطوتهم وقسوتهم ومدى خشبية وجاهلية هذا التنظيم, بأمرائه الذين يأخذون ظاهر القرآن وينشرون الدين بقطع رؤوس الناس.. وبدأت المناطق التي يسيطر عليها داعش تشعر بأن ما ينتظرهم تجربة أسوء من طالبان وغيرها.
داعش تيار يفتقد الى أدنى مقومات الاستمرارية, فلا رابطة له بالاقتصاد ومبادئ تحقيق وتامين الكسب لمناطقه, ولا دراية له بالحكم واصوله وكيفية فهم السلوكيات الاجتماعية والنفسية للمحيط, ولا علاقات دولية ولا أقليمية حتى تعطيه مددا وتفاعلا مطلوبا مع المحيط والعالم, ولا حتى بتركيبته , يمتلك الثبات والبينة المتماسكة إنما هو حركة من أفراد همجيين لم يجتمعوا الا وراء خطابات تحريض مذهبي حاكت غرائزهم , وحين يصل الأمر الى الرؤية والمبادئ والأفكار, وتوضع داعش أمام تجربة الحكم كما حال المناطق التي تسيطر عليها اليوم, سيظهر هذا التشرذم والضعف الذي ينتاب أفرادها وجماعاتها وسيخرج التنظيم كما الحال بصورة افراد يعيشون الجاهلية يحملون السيف ويصرخون بلا عقل ولا دراية, وسيرجعون المناطق التي يحكمونها الى القرون الوسطى, وسط هذا التطور الهائل الذي يسير فيه المجتمع البشري.
هذه التجربة التي نحكيها ليست قصة خيالية, هي واقع بالأرقام والتحاليل المنتشرة, يعبر عن أن امكانية استمرارية هذا التنظيم هي معدومة, وأن أمد حياته قصير جدا, فهو لا يمتلك أدنى مقومات الاستمرار وسط هذا المجتمع البشري الحالي, وهو كحال كل تنظيم يمر بمرحلة ذهبية, حين يرفع شعاراته الثورية يستقطب في موجة ايجابية جاذبة العديد, لكن بعد مضي فترة على سلوكه وممارساته, تبدأ صورة حقيقة هذه الطروحات وخلفياتها بالظهور ويبدأ المحيط المتعاون بتقييم تجربته, ليحاكم أوضاعه التي سبقت وتلت هذه المتغيرات.
وهذا ما يحصل فعلا, حيث بدأت مناطق كثيرة لا يتسع البحث لسردها بالتفصيل, بالتواصل مع الجيش السوري والعراقي تدعوه للدخول الى مناطقها وازالة حكم سطوة داعش, وايضا بدأت تجمعات سنية تطرح جديا فكرة حمل السلاح لتطهير مناطقها ومواجهة هذا المد الرجعي لداعش, وكذلك بدأت في العالم حالة ارتدادية لمواجهة افكار عقائدية مشوهة يسوق اليها امراء التنظيم وشيوخه في دول عربية راعية, والتي تشكل برأي هؤلاء خطرا كبيرا على المعتقدات الاسلامية الأصيلة, وتحتاج الى تجمع من علماء متنورين لمواجهته وهذا ما يحصل اليوم حول العالم.
هي حركة ارتدادية بدأت تولد في العالم السني , تعبر عنها وسائط التواصل الاجتماعي والمقالات, حيث يخشى تيار فكري واسع من العلماء السنة من موجة انتشار الدعاة والامراء الذين تساهم داعش في تزايدهم بغية الاستقطاب, وما ينتج عن هذا التزايد من فتاوى خطيرة جدا تمس التعاليم الاسلامية بشكل مباشر, وتحرف أسس الاستنباط القرآني وتؤسس لمذهب منحرف من الفكر الاستنباطي وهذا سيؤدي الى ظهور تيار اسلامي له وزنه يحرف التعاليم التي يتبناها الأزهر الشريف وقديم عقلاء وعلماء الطائفة السنية, وبدات هذه الاصوات تدعوا لمواجهة هذا التيار الديني المشوه.
ومن ناحية أخرى فإن ازدياد الاستقطاب من قبل داعش لشباب الطائفة السنية وتزايد الموت بشكل خيالي في صفوف الشباب السني في الدول العربية وحتى العالم أجمع, نتيجة المعارك التعسفية والعداء الكلي للتنظيم الذي يواجه فيه كل من لا يحمل ويتبنى فكره, فضلا عن المضايقات التي يتعرض لها الناس الذين لا يقبلون التطوع في صفوف داعش ويتم اعدامهم في حال الفرار , يزيد هذا التراجع الكبير للمستوى التعليمي في البلدان العربية لفئة الشباب, كل هذا يسبب مشاكل تزيد من نقمة المجتمع على داعش وتضع التنظيم امام مواجهة محتومة من بيئته التي يستقطب منها وستشكل في قادم الأيام مشكلة خطيرة جدا أمام التنظيم , ويضاف الى هذا المشكلة الاقتصادية التي بدأت تتسبب بها داعش والدمار وانعجام الامن وهذا ما ترك اثارا واضحة على الاقتصاد العالمي عموما والشرق الاوسط بالخصوص.
عامل ايجابي رغم كل الكوارث التي اتى بها التنظيم بحملته التكفيرية, جعلت من الطائفة السنية أن تعيد حساباتها, وتعيد مراقبة وتقييم وضعها على كل المستويات, امنيا وفكريا وسياسيا واجتماعيا, وبدأت تدرك أن المخطط الأمريكي والاسرائيلي والسعودي يريد منها ان تقاتل بدلا عنه في قضايا ليست من أولياته, وانه يراد للشباب السني ان يقتل كل تطلعاته المستقبلية واهدافه الحياتية ويكون وقودا لفتنة لا تخدم الا محور الشر, ويقاتل في اراض قد ملأتها داعش فسادا واعدمت فيها الامن والاستقرار, وبدأت حالة طاردة سالبة تنتاب الوسط السني, الذي شعر أنه الضحية التي يقاتل بها محور الشر ليقطف بالسياسة غدا ما يريد, ويعيد الاطباق حين تنتهي صلاحية داعش وينهيها هو كحال البعث العراقي وطالبان.
خلال سنوات, هذا الفراغ والضياع والتعب وهذه الخيبة التي أصابت شرائح واعية من الطائفة السنية الكريمة, بالتوازي مع غياب الطرف الصادق الراعي لحقيقة ما تريده الطائفة السنية وما يخدم بقاءها بأصالتها من دون تشوهات , حيث تنخرط قطر والسعودية وامريكا وتركيا واسرائيل في هذا المشروع الذي يضع السنة مقابل الشيعة فيكونون بفكرهم وابنائهم وأمنهم ومقدراتهم واراضيهم وقودا حارقا بوجه المشروع الشيعي الذي يؤذي اسرائيل ويتبنى القضية الفلسطينية.
من ناحية اخرى فإن الاصوات المنادية لانشاء قوات سنية تواجه داعش في العراق, بدأت تدرك بعد مفاوضاتها مع الامريكي لطلب السلاح, أن الاخير يبتزها لمدها بالسلاح ويريدها ان تكون جيشا سنيا مقابل الحركة الشعبية الشيعية التي ظهرت مؤخرا بما يلوح الى تأسيس مشروع فدرالي على ارض العراق يبدأ بالسلاح والجيشين. هذا ما أوقعهم باليأس والاحباط وأكد منطق تعامل الدول الكبرى الابتزازي, وجعلهم في فراغ حول من يدعمهم وسط ارادة الجميع ليكون السنة وقودا يحرق ويحترق في مقابل الشيعة.
هذا الفراغ برأيي هو فرصة استثنائية, تتيح لدولة صادقة الانتماء للقضيا المحقة, الجمهورية الاسلامية, بانشاء علاقات وتطوير هذه الرؤية الارتدادية السنية الآملة بتصحيح ومواجهة هذا الحرف المتعمد لحقيقتها, عبر التواصل مع التيارات السنية الوطنية الصادقة ومد يد الدعم لها وتأسيس حركة سنية تحفظ هذه الطائفة المسلمة مما يكاد له من قبل دول الشر وهذا ما يحصل اليوم بالعراق, حيث بدات اوساط داعش تتهم طائفة سنية بأنها مع ايران وتسعى للتحالف مع ايران. وبهذا اننا امام فرصة حقيقية لتشكل قوة شيعية سنية متينة تعيد لحمة شعوب المنطقة وتواجه خطر داعش وتشكل تجربة موحدة تقضي على امال الحكام العرب واسيادهم وتعيد بريق العيش المشترك المحصن الى المنطقة.
بداية النهاية المبكرة :
داعش أنتهت مدة تصاعد حركته وامجاده, وهو سيتحول في الزمن القريب شيئا فشيئا الى حركة منبوذة حتى من المحيط السني الذي دعمه يوما, وستخرج ممارساته وسلوكياته الى العلن لتفضح كذب ونفاق شعاراته ويعرف الجميع أن العيش تحت ظل حكم داعش مستحيلا لانه يعدم أي فرصة للعيش والاستمرارية في ظل المجتمع العالمي المتحضر ونهضة علمية تنسفها داعش بكل أفكارها ومعتقداتها المشوهة.
سنة سيشهد فيها التنظيم بداية تسافل حركته وانتشاره وستفتح في وجهه مشاكل كبرى لن يكون أقلها مع البيئة المتواجدة في مناطق سيطرته وما يحمله هذا المؤشر من نتائج خطيرة جدا على التنظيم, وستشكل هذه السنة فرصة التأسيس للمشروع السني الشيعي لمواجهة الخطر الداعشي ومن يقف وراءه من دول الحقد. ايران امام فرصة لقلب الطاولة وقتل المشروع الحاقد في مهد ولادته اذا ما أدرك عقلاء العراق مصلحتهم بعيدا عن شبح الطائفية الواهم .. فهل تستثمر الفرصة وتنطلق من العراق حوارات جدية لتأسيس قوة مشتركة تنعكس بتجربتها على دول المنطقة ؟؟