تواصل جبهة النصرة جرائمها بحق مخيم اليرموك وأهله من اللاجئين الفلسطينين، في الوقت الذي تشهد علاقتها مع الكيان الاسرائيلي مزيداً من التنسيق والتعاون على الصعيد الأمني واللوجستي. مما يسلط الضوء على طبيعة العلاقة التي تجمع النصرة مع الكيان الاسرائيلي، والدور المطلوب من جبهة النصرة مقابل الدعم الذي تتلقاه من الكيان الصهيوني على جبهة الجنوب في القنيطرة ودرعا.
ننوه هنا أن مخيم اليرموك ليس المخيم الوحيد لللاجئين الفلسطينيين الذي يعاني من التدمير الممنهج في ظل الأزمة السورية، فهناك مخيمات أخرى محاصرة، ومخيمات شُرّد أهلها، ولكن اليرموك هو العنوان الأبرز لعدد سكانه الكبير ولدوره في الثورة الفلسطينية المعاصرة، فهو رمز لحق العودة وعاصمة الشتات الفلسطيني.
معاناة المخيم مع الجماعات الارهابية المسلحة
مازال مسلسل القتل والتجويع الذي تمارسه جبهة النصرة بحق الفلسطينيين في سوريا مستمراً، كان آخر فصوله عملية الاغتيال التي نفذتها "جبهة النصرة" منذ أيام بحق عضو لجنة إقليم "حركة فتح" في سوريا محمد طرويه "أبو أحمد" أمام منزله في مخيم اليرموك جنوب دمشق، ويذكر أن الشهيد "أبو احمد طيروية" هو مسؤول حركة فتح في مخيم اليرموك ومن الموكلين من قبل الحركة بمتابعة ملف التحييد والمصالحة داخل المخيم.
لا توجد في مخيم اليرموك مواقع عسكرية للنظام، ولم يتحرك أحد من المخيم للدفاع عن النظام، فكل أهل المخيم التزموا بعدم التدخل، والبقاء على الحياد، احتراما لسورية الوطن الذي احتضنهم، وللشعب الذي عاملهم بأخوة عربية منذ نكبة 1948. إلا أن الجماعات المسلحة سعت جاهدة لإقحام هذه المخيمات في الأزمة السورية، لعدة أسباب من بينها المتاجرة بالدم الفلسطيني واستخدام هذه الدم للتشهير بالنظام السوري.
بالعودة إلى بداية الأزمة السورية نجد أن الهجمة على الفلسطينيين، لا على اليرموك وحده، بدأت بسلسلة عمليات اغتيال للمجندين الفلسطينيين، ولضباط جيش التحرير الفلسطيني، بمن فيهم أطباء أخصائيون نادرو الاختصاصات.
في 18 كانون الأول/ ديسمبر 2012 وبعد ثلاثة أيام من القصف المتواصل على المخيم، بالترافق مع محاولات الاقتحام، مرة من جهة حي التضامن، ومرة عبر الحجر الأسود، اندفع آلاف المسلحين من "جبهة النصرة" و"كتائب ابن تيميمة" عبر حي العروبة، والتضامن، ويلدا، والحجر الأسود، وبدأوا محاصرة بعض بيوت القادة الفلسطينيين، واقتحام المنازل، ومحاصرة مجمع الخالصة، حيث مقرات الفصائل الفلسطينية، وقتلوا العديد من قادة هذه الفصائل، وهام المدنييون على وجوههم في الشوارع يجرون أبنائهم وأمتعتهم بحثاً عن ملجأ يأويهم في مشهد يعيد إلى الأذهان ذكرى النكبة الفلسطينية عام 1948.
دخلت بعد ذلك عدة جهات على خط الأزمة من أجل ايجاد تسوية لتحييد المخيم عن الصراع الدائر بين الدولة السورية والجماعات المسلحة، إلا أن هذه الجماعات وخاصة جبهة النصرة رفضت تطبيق وثيقة التفاهم. وقاموا أكثر من ذلك باحتجاز واعتقال قادة المجموعات الأخرى التي وقعت على الاتفاقية ووافقت عليها، فاستمرت مأساة المخيم وصارع سكانه الجوع والعطش نتيجة الحصار الذي فرض عليهم، ومنع جبهة النصرة لقوافل المساعدات من الدخول للمخيم.
وعملت جبهة النصرة على بث الخوف والهلع داخل المخيم ونفذت اعدامات ميدانية بحق أبناء المخيم، وعلقتهم على أعمدة الكهرباء وشنقوهم أمام أعين الكبار والصغار. وفي موازاة هذه الممارسات برر قادة مايسمى الائتلاف السوري المعارض آنذاك ممارسات جبهة النصرة في المخيم بقولهم أن المخيم أرض سورية ولهم الحق في دخوله واحتلاله.
هذه الممارسات دفعت أهل المخيم وسكانه من الفلسطينيين والسوريين للانتفاض وعدم السكوت عما يجري، ففي أواخر العام 2013 نظم اهالي مخيم اليرموك تظاهرة حاشدة طالبوا فيها بخروج المسلحين من مخيمهم واخلاء المخيم من كافة العناصر المسلحة ورفعوا الاعلام السورية والفلسطينية وهتفوا هتافات تطالب المسلحين بالالتزام بالاتفاق الذي وقعوه مع الفصائل الفلسطينية وباركته الدولة السورية. كما هاجم المتظاهرين اصحاب البسطات المحمية من العصابات المسلحة في المخيم التي تبيع السلع باسعار خيالية لاهالي المخيم وتتاجر بمعاناتهم ولقمة خبزهم منذ بداية الازمة . فقام قناصة الجماعات المسلحة باطلاق النار علي المتظاهرين مما أدى إلى استشهاد ثلاثة من المتظاهرين.
وكانت منظمة التحرير الفلسطينية قد أوفدت وزير عملها الدكتور أحمد مجدلاني إلى دمشق للاشراف على عملية التسوية وتحييد المخيم، إلا أن مجدلاني وبعد استطلاعه للوضع عن كثب عقد مؤتمرا صحفيا اتهم فيه بوضوح، وبلا غمغمة، محتلي المخيم بأنهم يختطفونه، وأنهم تكفيريون وإرهابيون!
ثم عقد مؤتمرا صحفيا في رام الله أكد فيه نفس الكلام المستند على المعاينة المباشرة، وعلى محاولات فشلت مع المسلحين للخروج من المخيم وترك أهله ليعيشوا بسلام، وقد شارف كثير منهم حد الموت جوعا، وتفشت فيهم الأمراض. مشيرا إلى ان هذه الميليشيات وبدعم من جهات اقليمية معروفة تستغل أحداث المخيم لغايات سياسية.
واستمرت بعد ذلك مساعي التسوية والتحييد وتم ابرام اتفاق يقضي بمغادرة جميع الجماعات المسلحة لمخيم اليرموك، ونشر قوات من الفصائل الفلسطينية في محيط المخيم، فغادر المسلحون، وقبل أن تبدأ دورة الحياة في الدوران، فجأة اندفعت أرتال "مجاهدي" النصرة في آذار/مارس 2014، واقتحمت المخيم بالسيارات المدججة، وبمئات المسلحين، لتعيد احتلال اليرموك من جديد، ولتجهز على تفاؤل سکانه الذين كان الألوف منهم يستعدون للعودة إلى بيوتهم لإعمارها من جديد.
وقد جاءت عودة جبهة النصرة إلى مخيم اليرموك بالتزامن مع تصاعد وتيرة التنسيق بينها وبين الكيان الاسرائيلي ومعالجة جرحى النصرة في مستشفيات الكيان الاسرائيلي.
لم تتوقف ممارسات جبهة النصرة بحق مخيم اليرموك عند هذا الحد بل عملت النصرة على عرقلة وصول قوافل المساعدات الانسانية إلى الأهالي المحاصرين داخل المخيم. وأكد مدير الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب علي مصطفى في تصريح له أن الجماعات المسلحة قاموا بإطلاق النار الكثيف ورصاص القنص المتفجر على موقع توزيع المساعدات في شارع “راما”. حيث اضطرت قوافل المساعدة وأطباء وممرضات النقطة التابعة لوكالة الغوث لمغادرة المكان.
التنسيق و التعاون بين النصرة والكيان الاسرائيلي
لا أحد يعلم بالضبط متى بدأت العلاقة بين جبهة النصرة والكيان الاسرائيلي، لكن خرجت هذه العلاقة أول مرة إلى العلن مع قيام الكيان الصهيوني بتقديم العلاج لجرحى النصرة في مستشفيات الكيان الصهيوني حيث تشير مصادر إلى وجود 106 جرحى من جبهة النصرة يخضعون للعلاج في مشفى نهاريا الإسرائيلي.. ثم بعد ذلك بدأت العلاقة بين الجانبين تتجه إلى المزيد من العلنية، حيث يشير مراقبون أن الكيان الصهويني يقدم الدعم الاستخباراتي واللوجستي لهذه الجماعات، الأمر الذي بدا ملحوظاً في التغيير الذي شهده أداء جبهة النصرة على جبهة القنيطرة ضد الجيش السوري.
وكان موقع الوقت الأخباري قد أشار في وقت سابق نقلاً عن الخبير في أمور الشرق الأوسط سعد الله زارعي أن قيام اسرائيل بقصف بطاريتين للدفاعات الجوية في محيط دمشق في السابع من كانون الأول/ ديسامبر كانت خطوة غير معتادة من ناحية علانية الدعم الذي تقدمه اسرائيل للمعارضة المسلحة.
وكانت صحيفة هآرتس الصهيونية قد نقلت في وقت سابق عن مسؤولين في جهاز الأمن الإسرائيلي إقرارهم بأن "إسرائيل" لا تنظر إلى تنظيم "جبهة النصرة" الإرهابي كمصدر خطر عليها، رغم وجود عناصر هذا التنظيم في مناطق متاخمة للأراضي التي تحتلها في الجولان السوري المحتل، مؤكدين اطمئنانهم لمسلحي مايسمى "الجيش الحر" التي تنظر لكيان الاحتلال بإيجابية حسب قولهم.
أهداف النصرة في مخيم اليرموك
يرى مراقبون أن إعادة احتلال مخيم اليرموك في آذار/مارس 2014 من قبل جبهة النصرة جاء بالتزامن مع انفتاح جبهة النصرة على الكيان الصهوني وزيادة التنسيق والتعاون بينهما. ويتسائل البعض هل هذا الأمر كان الثمن الذي قبضته اسرائيل من جبهة النصرة في مقابل الدعم الذي تقدمه لها على جبهة الجنوب في القنيطرة ودرعا؟ خاصة وأنعودة سكان المخيم، واستئناف دورة الحياة فيه، كانت تعني نهوض روح الكفاح الوطني في عاصمة الشتات (مخيم اليرموك)، ورفع راية (حق العودة) في وجه المشروع الصهيوني.
لاشك أن الكيان الاسرائيلي هو الأكثر سروراً بما حل بمخيمات اللجوء الفلسطيني بشكل عام ومخيم اليرموك بشكل خاص، يكفي أن نعلم أن هذا المخيم الذي كان يقيم فيه 170 ألف شخص قبل اندلاع الأزمة السورية، لا يأوي اليوم سوى 40 ألف شخص، بينهم 18 ألف فلسطيني فقط، فيما يبدو أنه استكمال لعملية تهجير الشعب الفلسطيني وإنهاء لحق العودة، لكن أدواته هذه المرة ليست عصابات الهاجانا الصهيونية، بل "مجاهدي" جبهة النصرة.
كما أن ادخال مخيم اليرموك في اتون الحرب الدائرة على سوريا يشكل مصلحة لدى أعداء سوريا من خلال استخدام دم المخيم للتشهير بالنظام السوري.
ويبدو أن جبهة النصرة بدأت تقبض ثمن خدماتها التي تؤديها في هذا المجال، حيث أعلنت مصادر دبلوماسية أوروبية وأمريكية تأييدها لحذف جبهة النصرة من قائمة الارهاب، فيما يبدو أنه تمهيد لإيكال دور أكثر أهمية لجبهة النصرة في المستقبل القريب.