الوقت - يبدو أن القرار بمتابعة التحقيقات في تفاصيل ملف شبكة الانترنت غير الشرعية المكتشفة في لبنان لا يزال ساريا. فرغم مرور ما يزيد عن أسبوعين على الموضوع وهي فترة كافية في لبنان من أجل لفلفة أكبر الفضائح إلا أن التحقيقات لا تزال جارية في مؤشر جيد على أن الحراك السياسي والقضائي جدي هذه المرة. حيث أن الظاهر أن الحكومة قد اتخذت القرار باستعادة جزء من الحقوق المهدورة من قبل مافيات المال والسلطة إضافة إلى احتواء الخرق الأمني غير المسبوق حيث تبين خلال التحقيقات الجارية أن الكثير من مؤسسات الدولة بينها وزارات كانت تستعمل الشبكة الرديفة للشبكة الوطنية ومن بينها وزارة الدفاع.
وفي مستجدات هذا الملف تؤكد مصادر مقربة من التحقيقات الجارية أن المسألة تتعدى بعض الشركات التي أشير إليها بالاسم إلى شركات أخرى قد تكون أكبر وأهم. إضافة إلى ذلك وبسبب الفساد الكبير في هذا القطاع فقد نمت خلال السنوات الماضية الكثير من الشركات الفرعية والمناطقية الأقل حجما بموازاة الشركات الكبرى وذلك من قبل بعض المنتفعين. حيث تشير المعلومات إلى وجود ما يزيد عن 112 شركة توزيع انترنت منتشرة على الأراضي اللبنانية قد تكون بمعظمها متورطة بشكل أو بآخر بشراء الانترنت من الشبكة غير الشرعية.
وتعزو بعض هذه الشركات السبب في ذلك إلى الاحتكار والمحسوبيات لدى هيئة "أوجيرو" في توزيع الانترنت بين الشركات. فلذلك تضطر أن تشتري الانترنت من مصادر أخرى غير قانونية لتأمين حاجة زبائنها. يُشار إلى أن بعض المصادر قالت إن وزير الدفاع اللبناني قد أثار هذا الموضوع لدى الجهات المختصة من وزارة الاتصالات وأوجيرو. وبالتدقيق بهذا الأمر تتبين مسألتان، الأولى الفساد المستشري في هيئة "أوجيرو" وهي الهيئة الرسمية المعنية بقطاع الاتصالات في لبنان والثانية النوايا الخبيثة لدى مسؤولي هذه الهيئة حيث يعلمون أن الشركات الصغيرة والكبيرة على حد سواء قد تلجأ إلى الانترنت غير الشرعي في حال عدم تزويدهم باحتياجاتهم الكاملة. في وقت تؤكد مصادر وزير الاتصالات أن هناك فائضاً في المتوافر من الانترنت لدى الوزارة. ومن جهة أخرى فان الدولة اللبنانية كانت قد رصدت مبالغ ضخمة لتجهيز شبكة الاتصالات ضمن مشروع "الفايبر أوبتيك" وذلك لتحسين انتاجية القطاع ولكن العجيب أن هذا المشروع لم يوضع بالخدمة حتى الساعة، إذا وبناء على ما تقدم وهو القليل من كثير فإن المسألة ليست عدم وجود ما يكفي من ساعات الانترنت بل فساد ممنهج ومدروس في قطاع يوصف بأنه نفط لبنان.
أما على صعيد الحراك السياسي فقد استمر النائب حسن فضل الله الذي يرأس لجنة الاتصالات النيابية بحراكه الدافع باتجاه التعمق بالملف أكثر فأكثر. والرئيس بري أيضا أكد وجوب متابعة هذا الملف "متابعة دقيقة وتفصيلية" وفي السرايا الحكومية تم عقد اجتماع برئاسة تمام سلام وحضور وزير الدفاع "سمير مقبل" ووزير الاتصالات "بطرس حرب" ورؤساء الاجهزة الأمنية والقضائية المختصة إضافة إلى مدير عام أوجيرو "عبد المنعم يوسف" وأكد سلام ضرورة متابعة التحقيقات لكشف كل الملابسات المحيطة بالملف لجهة تحديد الظروف التي أُدخلت فيها المنشآت ولماذا دخلت وكيف تم تركيبها؟ واعتبر الوزير حرب أن ما جرى هو انجاز إلا أن ذلك لا يكفي ولا يكتمل الانجاز إلا بالمتابعة الجدية لاقفال الملف على كل الصعد.
أما حول مسار التحقيقات القضائية فوفقا لما قاله المدعي العام التمييزي "سمير حمود" فان التحقيق جار على أربعة مسارات، الأول حول احتجاز موظفين تابعين لهيئة "أوجيرو" وعناصر أمنية اثر محاولة اغلاق المنشآت. والثاني بشأن الاختراق الأمني من قبل الکيان الاسرائيلي للشبكة غير الشرعية. والمسار الثالث التحقيق بالاهمال والتغاضي من قبل الجهات الأمنية والمعنية والذي سمح بتركيب اللواقط والصحون من المقاسات كافة. والمسار الأخير حول الشبكة غير الشرعية التي استوردت الانترنت من تركيا وقبرص دون ترخيص من الحكومة اللبنانية.
ختاما يبقى الرهان أن تصل هذه الجدية المدفوعة بالضغط السياسي إلى الخواتيم المفترضة لها. ويبقى الخوف من أن تكون مافيات السلطة تسعى لتمرير الوقت وإلهاء الشعب والحكومة اللبنانية ببعض النتائج المرحلية، لتعود بعدها بالتسلل خلسة وإعادة تشغيل شبكتها مجددا تحت أعين الدولة والأجهزة المعنية. فما حصل من استعادة التجهيزات التي كانت قد صودرت سابقا اثر اكتشاف شبكة الباروك وإعادة العمل بها من قبل مؤسسات وشركات مرخصة من قبل الحكومة اللبنانية يؤكد أن هذه المافيات لا زالت أقوى من الدولة اللبنانية، ولديها من النفوذ والسلطة داخل المؤسسات ما يكفي لتشغيل شبكات أخرى.