الوقت - تضاربت الآراء بشأن الأسباب الخفيّة وراء إلغاء زيارة رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" التي كانت مقررة إلى واشنطن في الثامن عشر من الشهر الجاري.
وكان البيت الأبيض قد أعلن في وقت سابق أن "نتانياهو" طلب موعداً للقاء الرئيس الأمريكي "باراك أوباما"، وعند صدور الموافقة وتحديد موعد اللقاء كان الجواب من تل أبيب بأن "نتنياهو" ألغى الزيارة، في قرار وصفته واشنطن بالمفاجئ.
وأكد المتحدث بإسم مجلس الأمن القومي الأمريكي "نيد برايس" إن التقارير التي تحدثت عن أن واشنطن لم تتمكن من تحديد موعد وجدول أعمال زيارة "نتنياهو" إلى أمريكا عارية عن الصحة.
وكان يفترض أن تتزامن زيارة "نتنياهو" إلى واشنطن مع المؤتمر السنوي للجنة "أيباك" أكبر لوبي صهيوني مؤيد للكيان الإسرائيلي في أمريكا، وهي مناسبة شارك فيها "نتانياهو" مراراً خلال السنوات الماضية.
وهناك تسريبات يبدو أنها صادرة عن "نتنياهو" نفسه تدّعي أنه ألغى زيارته إلى واشنطن بذريعة أنه لا يريد إقحام نفسه في الإنتخابات الرئاسية التمهيدية التي تشهدها أمريكا، الأمر الذي سخر منه المراقبون بإعتبار أن الإنتخابات الأمريكية محددة منذ سنوات.
مراقبون آخرون ذهبوا إلى أن السبب وراء إلغاء الزيارة يعود إلى الحرج الذي قد يشعر به "نتنياهو" من مواجهة المجتمع الدولي في مؤتمر الأمن النووي وإمكانية مطالبته بالإنضمام إلى معاهدة عدم إنتشار السلاح النووي، فيما أعرب البعض عن إعتقاده بأن سبب إلغاء الزيارة يكمن في خشية رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي من عدم التوصل إلى إتفاق مع "أوباما" حول المساعدات العسكرية الأمريكية الجديدة لكيان الإحتلال.
في هذا السياق قال مسؤولون في البيت الأبيض إن "نتنياهو" لا يريد لقاء "أوباما" قبل التوقيع على شروط إتفاق جديد بشأن المساعدات العسكرية الأمريكية للكيان الإسرائيلي التي تمتد لعشر سنوات ويتم بموجبها قيام واشنطن بتقديم 35 مليار دولار لكيان الإحتلال، في حين تطالب تل أبيب بأن يصل المبلغ لـ 50 مليار دولار حسبما ذكرت صحيفة "يديعوت أحرنوت".
يأتي هذا في وقت كشف فيه وزير الدفاع الأمريكي الأسبق "ليون بانيتا" بأن "أوباما" أجرى مداولات حول ما إذا كان على واشنطن أن تستمر في سياسة الحفاظ على التفوق العسكري النوعي للكيان الإسرائيلي في الشرق الأوسط. وقال "بانيتا" إن السياسة الأمريكية أتاحت لتل أبيب الحصول على منظومات أسلحة أمريكية متطورة أكثر بكثير من تلك التي زودت بها واشنطن دولاً عربية.
ويعتقد الكثير من المراقبين بأن ألغاء "نتنياهو" لزيارته إلى واشنطن بشكل مفاجئ يهدف في الحقيقة إلى إيصال رسالة مفادها بأنه لا يزال غير راضٍ عن موقف "أوباما" إزاء الإتفاق النووي الذي أبرمته إيران مع الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وألمانيا في تموز / يوليو 2015.
وهناك معلومة ربّما تلقي الضوء على خلفية إلغاء زيارة "نتنياهو" إلى واشنطن تتعلق بما أدلى به الرئيس الأمريكي لمجلة "أتلانتيك" حينما قال إن "نتنياهو" حاول التعالي عليه أكثر من مرة. وكشف "أوباما" في هذه المقابلة إن "نتنياهو" حاول في لقاء جمعهما عام 2011 إستعراض "مخاطر الشرق الأوسط" وكأنه لا يفهم ذلك، وعندها قاطعه وقال له "أنا أفريقي الأصل وتربيت بلا أب لكنني اليوم رئيس أمريكا فهل تظن أنني لا أفهمك؟
من جانب آخر رجّح بعض المراقبين أن يكون إلغاء زيارة "نتنياهو" إلى واشنطن قد جاء ضمن حسابات شخصية تغلبت على حسابات الكيان الغاصب، فيما ذكر سفير الكيان الإسرائيلي الأسبق في واشنطن "مايكل أورن" في حديث لصحيفة "يديعوت أحرونوت" بأن سبب إلغاء الزيارة يعود إلى رغبة "نتنياهو" في الإنتقام من "أوباما" الذي رفض إستقباله في واحدة من زياراته إلى نيويورك عام 2012.
إلى جانب ذلك ترددت أنباء بأن هناك سبباً آخر للخلاف بين "نتنياهو" و"أوباما"، يتلخص في أن رئيس حكومة الإحتلال تلقى معلومات تفيد بأن الرئيس الأمريكي يرغب في إطلاق مبادرة جديدة لإستئناف مفاوضات التسوية بين السلطة الفلسطينية والكيان الإسرائيلي التي إنهارت في نيسان / إبريل 2014، في محاولة من "أوباما" لكسب رصيد سياسي خلال الشهور المتبقية من عمر فترته الرئاسية، عبر تفعيل دور اللجنة الدولية الرباعية الخاصة بالشرق الأوسط التي تضم أمريكا وروسيا والإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، مع إحتمال صدور قرار من مجلس الأمن يحدد إطار التسوية والخطوات المطلوبة لإستئنافها ومن بينها وقف الإستيطان في الأراضي المحتلة عام 1967. وبالرغم من أن المبادرة الأمريكية تصب في صالح تل أبيب، إلاّ أن "نتنياهو" لا يريد تقديم أيّ "تنازل" لاسيّما وأن سياسة الإستيطان تسعى لإستقطاع المزيد من الأراضي الفلسطينية، وبالتالي فإنّ أيّ مقترح أمريكي سيتم رفضه من قبل "نتنياهو".
ويرى مراقبون إن التلويح بمفاوضات التسوية لا يرقى لأن يشكل صفعة على وجه "نتنياهو"، خاصة في هذا التوقيت، لسببين؛ الأول أن فترة رئاسة "أوباما" لم يتبق من عمرها إلاّ أشهر معدودة، وبالتالي فإن أيّ توافق قد يحدث في هذا المجال معرض للإنهيار بمجرد تولي الرئيس الجديد لمهامه في أمريكا، والثاني أن أيّ ضغط من قبل "أوباما" على الكيان الإسرائيلي قد يؤثر على حظوظ الحزب الديمقراطي في السباق الرئاسي، الأمر الذي سيرفضه كل من "هيلاري كلينتون" و"بيرني ساندرز"، خاصة وأن اللوبي الصهيوني يمتلك أوراقاً في الداخل الأمريكي يتمكن من خلالها التأثير على نتائج الإنتخابات الرئاسية.