الوقت - انتهت المحطة الانتخابية التمهيدية الأهم داخل الأحزاب الأمريكية لاختيار مرشحيهم لخوض معركة الانتخابات الرئاسية يوم الثلاثاء الفائت والذي يُعرف بالثلاثاء الكبير لدى الأمريكيين. أما سبب تسميته بالكبير فلأنه اليوم الشبه الفاصل والحاسم (اذا صح التعبير) في اختيار مرشحي الحزبين الديمقراطي والجمهوري. وقد تمخض عن تقدم متوقع لـ"دونالد ترامب" على صعيد الحزب الجمهوري وهو رجل الأعمال وصاحب المواقف المثيرة للجدل عالميا وحتى في الداخل الأمريكي، متقدما على منافسيه في 7 ولايات من أصل 12 جرت فيها الانتخابات. أما في المقلب الآخر فقد حافظت هيلاري كلينتون على تقدمها وسط صفوف الديمقراطيين في مقابل منافسها الأهم بيرني ساندرز الذي تقدم في 3 ولايات فقط.
إذاً باتت الأمور شبه واضحة لجهة مرشحي كلا الحزبين، فرغم أن العدد الأكبر من الولايات لم تقم بعد بانتخاب مرشحيها إلا أن الولايات التي انتخبت خلال الثلاثاء الكبير كافية لتحديد وجهة الأمور كما جرت العادة. اذ أنه وحسب محللين أمريكيين فان نتائج الثلاثاء الكبير عادة ما تنعكس على الحالة النفسية للناخبين في الولايات الأخرى فتأتي النتائج متوافقة كما جرت العادة.
وبالعودة إلى العملية الانتخابية لا بد من تسجيل بعض الملاحظات. فعلى الرغم من الشكل الديمقراطي لهذه العملية إلا أنه يمكن القول بأن حوالي 10 ولايات تقرر مصير الولايات الأمريكية الخمسين، فكما أشرنا سابقا أن نتائج الانتخابات الحزبية التمهيدية في هذه الولايات تحدد مصير المرشحين بشكل كبير. وهذا الأمر منافٍ للديمقراطية التي تدعو إليها أمريكا. اذ أنه من الأفضل أن تتم الانتخابات بشكل متزامن في كل الولايات ليتم بعدها تحديد الفائزين.
الملاحظة الثانية والأهم والتي تنسف أصل المساواة بين من يحق لهم التصويت هي أن وزن الأصوات لا يتساوى فهناك نسبة من الأصوات تصل إلى 20 بالمئة من مجموع الأصوات لدى الحزب الديمقراطي هي أصوات مرجحة يتمتع بها قادة الحزب ومسؤوليه. وهؤلاء عادة ما ينتخبون الشخصية المقربة منهم والتي تؤمن مصالحهم ويفوتون الفرص على الشخصيات الحزبية الجديدة الطامحة.
أما على صعيد الحملات الانتخابية للمرشحين فاللافت هو الاهتمام الكبير بمغازلة مجموعات الضغط (اللوبيات) على حساب مخاطبة الشعب. ويعود هذا الأمر إلى الدور الكبير الذي يلعبه أصحاب السلطة ورؤوس الأموال في هذه الانتخابات، لذلك يجد المرشحون أنفسهم مرغمين على مراعاة هذه اللوبيات التي تستطيع رفع وخفض أسهم أي مرشح تريده. وهذه اللوبيات إنما تتشكل من التكتلات الاقتصادية والسياسية المهمة في البلد وتهيمن على الكارتلات الاقتصادية الضخمة وشركات السلاح الكبرى وبعض هذه اللوبيات هي حركات دينية كالحركة الصهيونية والماسونية وغيرها وهي شديدة التأثير على السياسية الأمريكية.
وانطلاقا من هذه المقاربة يُصبح من الجائز القول إن آلية تشكيل الحكم في أمريكا تبدأ من هنا لتصل إلى كل مفاصل الدولة بما فيها رئاسة الجمهورية. حيث تقوم مجموعات الضغط هذه بدعم من يلبي طموحاتها وأحيانا كثيرة يكون لها مرشحيها من داخل منظماتها إقتصادية كانت أو سياسية أو دينية. ولذلك نجد البيت الأبيض والكونغرس عاجزين عن اتخاذ القرارات في أحيان كثيرة. والسبب هو الخشية من اللوبيات التي تمسك بمفاصل القوة الأساسية في أمريكا. وما العجز عن إقرار القوانين اللازمة لمنع استخدام السلاح داخل أمريكا إلا خير دليل على قوة هذه اللوبيات ومقدار تأثيرها على المشرع الأمريكي، حيث وفقا للاحصاءات الأمريكية يسقط يوميا ضحايا أبرياء باطلاق نار يكون بأحيان كثيرة على أيدي طلاب في المدارس والجامعات. وكل ذلك على مرأى ومسمع الرئيس الأمريكي وأعضاء الكونغرس.
ختاما وكما يقول المثل العربي "إذا عُرف السبب بطل العجب"، فإن مجموعات الضغط الأمريكية لا ترحم المجتمع الأمريكي نفسه ولا تعير للانسان الأمريكي أهمية فكيف لها أن تعير لغير الأمريكي أهمية. إنها لغة المصالح والجشع فقط هي التي تحكم هذه اللوبيات التي تحكم بدورها أمريكا. فمن الطبيعي اذا أن تقوم أمريكا بتحويل العالم إلى كتلة مشتعلة من الحروب والدمار. حروب تُدر المليارات على شركات السلاح والكارتلات الاقتصادية وتحول بلادنا إلى أشباه دول وأنظمة متناحرة وكل ذلك خدمة لمشروع هذه اللوبيات التي تتخذ من أمريكا (السلطة والنظام والمؤسسات) مطيتها للوصول إلى أهدافها المشؤومة.