لم يمض على تشكيل الحكومة الـ 33 في كيان العدو، أكثر من عشرين شهراً، بائتلاف خمسة أحزاب سياسية، تتراوح ما بين «اليمين ويسار الوسط». قرارات الإقالة/ الفصل من الوزارة، جاءت محمولة بخطاب هجومي أطلقه نتنياهو على المستهدفين: «في الأسابيع الأخيرة، خصوصاً في اليوم الأخير، حمل الوزيران لابيد وليفني بشدة على الحكومة برئاستي. لن أتحمل بعد الآن معارضة داخل الحكومة، ولن أتحمل وزراء يهاجمون من داخل الحكومة سياسة الحكومة ورئيسها، إنه انقلاب»، داعياً إلى «حل الكنيست بأسرع وقت ممكن للذهاب للشعب والحصول منه على تفويض واضح للقيادة». ليفني سارعت بالرد: «رئيس الوزراء نتنياهو خواف ويجب علينا تغييره... إنها مشكلة اضافية مع نتنياهو الذي لم يتحدث بصدق وأخفى الحقائق، وما تحدث عنه كان المزيد من الكذب». أحد قيادات حزب «يوجد مستقبل»، الوزير المستقيل من الحكومة مئير كوهين قال معقباً على الخطاب: «عندما ألقى نتنياهو خطابه ضحكنا كما فعل كل الاسرائيليين الذين ضحكوا على خطاب كهذا... إنه خطاب خالٍ من الحقيقة». أما لابيد فقد ذهب لأبعد من التوصيف، تحدث عن التخريب الذي أحدثه نتنياهو على أكثر من صعيد: «لقد ألحق ضرراً خطيراً بالحلف الاستراتيجي بين إسرائيل والولايات المتحدة، وضرراً بالغاً بالعلاقات مع البيت الأبيض»، مضيفاً: «لقد فضّل المصالح الشخصية على أي إصلاح في جهاز التعليم والصحة... إن نتنياهو لن يشكل الحكومة المقبلة. لقد ارتكب خطأ والثمن الذي سيدفعه على هذا الخطأ هو أنه لن يكون رئيس حكومة بعد الآن». في جلسة الكنيست المنعقدة يوم الأربعاء 3 ديسمبر/ كانون أول، خاطب زعيم حزب العمل «بوغي/ يتسحاق هرتسوغ « نتنياهو، قائلاً: «هذا هو الفشل الذي جلبته لنفسك بيديك. وهذا هو الثمن الذي تدفعه على خطيئة الغطرسة. هذا هو الثمن الذي يدفعه من يفضل مصلحته الشخصية على مصلحة الدولة»، مضيفاً: «يا نتنياهو أنت لست زعيماً». العديد من قادة وأعضاء الأحزاب والكتل البرلمانية داخل الكنيست، انضموا أيضاً إلى حملة الهجوم على نتنياهو.
حكومة الأزمات والفشل
لم تسقط الحكومة بفعل مماحكات وتعارضات وخلافات أحزاب الائتلاف على قضايا اقتصادية واجتماعية _ رغم أهمية ما أفرزته من تناقضات _ كالموازنة العامة وبشكل أكثر خصوصية، الموازنة المقترحة للجيش، ورسوم الضرائب وقضايا التعليم والصحة والسكن وخصوصية المتدينين/ الحريديم في التعامل مع التجنيد والموازنة العامة. لكن العامل الأهم، كان في كشف عجز الحكومة عن تأمين الأمن للمستعمرين، وما فرضته وقائع ونتائج العدوان العسكري الوحشي الأخير على قطاع غزة.
واحد وخمسون يوماً، صمد الشعب وقاتل أبناؤه دفاعاً عن الوجود وعن المقاومة. لم ترفع غزة الراية البيضاء رغم هول الخسائر البشرية والمادية، بل بقيت صواريخها تدكّ المستعمرات مدناً ومستوطنات، في العمق المحتل وعلى تخوم القطاع. أما هدف الجنرالات المعلن في القضاء على سلاح المقاومة، وتدمير الأنفاق، فكان تحرك المقاتلين داخلها، بل والوصول من خلالها إلى مواقع عسكرية للعدو، ما قدم دليلاً آخر على فشل جديد. هرب مئات الآلاف من مستعمرات غلاف غزة، ونام عدد أكبر داخل الملاجئ في المدن الأخرى، وسقطت أسطورة الجيش الذي لا يقهر، إذ قتل وجرح العشرات، ووقع بالأسر من وقع. لم تنهَر بنى اقتصادية ومالية داخل الكيان فقط، بل سقطت معها وتهاوت أوهام «الأمن والرفاهية» الموعودة، لسكان المستعمرات. ومنذ تموز/ يوليو المنصرم، والمستعمرون على امتداد الوطن المحتل، يقطفون ثمار احتلالهم وعنصريتهم وساديتهم. من كفركنا وعكا وحيفا إلى الخليل وبيت لحم، وصولاً إلى القدس الملتهبة، تعيش قطعان المستعمرين بخوف وقلق دائمين من الفعل الفلسطيني المقاوم الذي يطور أشكال المواجهة مع المحتل بما يتلاءم وظروف كل منطقة، وبما يمتلك الجيل الجديد من أدوات/ وسائل، يبتدعها بشكل خلاق، ليلحق أكبر قدر ممكن من الاصابات في صفوف الغزاة. وكما عجزت قوات الجيش الفاشية في إنهاء المقاومة في غزة، ستكلل بالهزيمة كل أساليب القمع والاعتقال والقتل التي تقوم بها عناصر الشاباك وحرس الحدود وقوات النخبة ضد الهبات الشعبية التي يقودها شباب وشابات الحراك في القدس المحتلة وباقي الأراضي المحتلة. لهذا كان الفشل العسكري والأمني/ الاستخباراتي في رصد المجموعات أو الأفراد التي نفذت عمليات «الدهس والطعن والاختطاف وإطلاق الرصاص»، أحد عوامل تفكك حكومة الائتلاف وانهيارها.
الذهاب لانتخابات مبكرة
كما كان متوقعاً بعد الانقلاب الذي قام به نتنياهو على حلفائه بالحكومة، جاءت جلسة الكنيست «الأربعاء 3/ 12» لمناقشة الأزمة المحتدمة وتحديد موعد الانتخابات المبكرة. وقد صادقت الهيئة العامة للكنيست بالقراءتين التمهيدية والأولى على مشروع قانون حل الكنيست وتقديم موعد الانتخابات المقبلة، والذي أصبح نافذاً (المشروع) بعد القراءتين الثانية والثالثة في جلسة «يوم الاثنين 8 /12». لم ييأس رئيس الحكومة من إمكان تشكيل حكومة ائتلافية جديدة قبل موعد الحسم بالكنيست، لكن جهوده باءت بالفشل. مع انطلاق السباق الحزبي نحو بناء تكتلات وازنة تحوز أكبر نسبة من عدد مقاعد الكنيست العشرين، بدأ نتنياهو حملته الانتخابية المزدوجة: داخل حزب الليكود «بعد أسابيع عدة» لترؤسه من جديد، وانتخابات الكنيست في17 مارس/ آذار، بعدوان جوي استهدف مواقع عدة في ريف مدينة دمشق، في محاولة مكشوفة للتعويض عن فشله في تحقيق أهداف عدوانه الوحشي على غزة، واخفاقاته المتتالية في كبح جماح التحركات الجماهيرية في مدينة القدس والضفة المحتلتين. مع هدف مباشر: توجيه رسالة واضحة لكل المعنيين بتفاعلات الأزمة السورية، بأنه قادر على إعادة اللعب بأوضاع أقطار المشرق العربي، وفي الميدان العملي، خصوصاً سوريا ولبنان، باستهداف قوى المقاومة. الأحزاب المعارضة لرئيس الحكومة، هاجمت إقدام نتنياهو على مهاجمة الأراضي السورية في هذا الوقت. النائبة في الكنيست عن حزب «يوجد مستقبل»، يفعات قريب، قالت للقناة الثانية بتلفزيون العدو «إن نتنياهو لم ينجح في تشكيل ائتلاف بديل من الحكومة التي أعلن حلها الأسبوع الماضي وبذلك قرر الذهاب لطريق إشعال الشرق الأوسط في بداية حملته الانتخابية»، مضيفة: «لن تنطلي علينا هذه اللعبة». كما صرح عضو الكنيست فريج عيساوي عن حزب «ميرتس» قائلاً: «نتنياهو يسعى دائماً إلى تعليق فشله على شماعات خارجية ليعلق عليها فشله، وفي حال السؤال عن أدائه في الحكومة والتسبب في غلاء المعيشة يقول إيران السبب، وفي حال سؤاله عن النظام الصحي يتهم حزب الله». أما حزب العمل فقال أحد قادته موشيه مزراحي: «قبل الانتخابات ستتداخل الأمور ببعضها، لذلك فإن أملي ألا يصاب أحد بالجنون حتى موعد الانتخابات». ومن المتوقع أن يلجأ «المجنون» في ظل حل الكنيست، وقيادته لحكومة تصريف أعمال إلى ممارسات فاشية عدة، تلحق الأذى بشكل أكثر دموية بالبشر، وتدميرية بالحجر.
تحالفات إنقاذية أم ثأرية؟
من الواضح أن ما أفرزته انتخابات الكنيست الـ19 عام 2013، كان في زيادة عدد مندوبي القوى السياسية/ الحزبية التي ذهبت بعيداً في خلق توافقات اجتماعية/ اقتصادية، عمقت النهج الفاشي والعنصري، المغلف بليبرالية شكلية. وقبل الحديث عن طبيعة التحالفات الممكنة التي تستند إلى نقد تجربة الحكومة _الراهنة_ التي ترأسها نتنياهو، فإن ائتلاف الضرورة الذي ينضج على نار هادئة بين حزبي «العمل» و»الحركة»، والذي يتم تسويقه كونه «مركز يسار الوسط» الذي سيحوز على نسبة مقاعد تفوق ما سيحصل عليه الليكود _ بحسب استطلاعات مراكز متخصصة، وبرامج تلفزيونية_ سيجذب إليه قوى أخرى ستنشأ من يمين الوسط («يوجد مستقبل» مثلاً) أو من تشكيلات جديدة (حزب موشيه كحلون المتوقع إعلانه قريباً)، وعن التصدعات المحتملة في بعض الأحزاب. وإذا كان الشعار المركزي «لا لعودة بيبي لمرة رابعة لتشكيل الحكومة» الذي تتوحد حوله القوى الطامحة بإنهاء الحياة السياسية لنتنياهو، الذي يعمل على صوغ شكل جديد من تحالفات قوى اليمين، المدعوم بقوى سياسية/ دينية «الحريديم»، حول برنامج سياسي واقتصادي، موغل في عدائه للفلسطينيين، وفي دعمه لعصابات المستعمرين في الضفة والقدس المحتلتين، وفي إقراره لمزيد من الممارسات «القانونية» العنصرية ضد عرب الـ48.
خاتمة
رغم التبني الواسع في الإعلام ولدى بعض السياسيين، للتوصيفات الجاهزة والمعلبة، عن «يسار ويمين ووسط» في المشهد الحزبي/ الإيديولوجي الصهيوني، فإن أجمل ما سمعته في تفكيك هذه المصطلحات، ما تحدث به الباحث والمختص بالقانون الدولي الدكتور، أنيس فوزي قاسم، قبل أيام على شاشة إحدى الفضائيات: «الفرق بين تلك الأحزاب هو كالفرق في الطعم، بين الكوكا كولا والبيبسي كولا». بانتظار انتهاء المئة يوم المتبقية للوصول إلى انتخابات الكنيست العشرين، يجب على الحركة الوطنية الفلسطينية، الفصائل والأحزاب والكتائب المقاتلة والقوى المجتمعية، أن تطور من استعداداتها لمواجهة ما تحمله المرحلة المقبلة. إنها مدعوة لبناء استراتيجية مقاومة، تعمل على بناء وحدة وطنية حقيقية، تنطلق من برنامج سياسي وكفاحي، يسقط المراهنات على العودة للمفاوضات، ويقطع نهائياً مع السياسة الانتظارية، ومع نهج التنسيق والتفاهم مع أجهزة العدو، ويصوغ أطراً سياسية ومجتمعية وإدارية ملائمة، لمواجهة التغول الاستيطاني/ الاستعماري، والاعتداءات اليومية الفاشية على المواطنين العرب وممتلكاتهم ومقدساتهم.
محمد العبد الله- صحيفة الأخبار