الوقت - في ظل عدم الإستقرار الذي يهيمن على منطقة الشرق الأوسط والتطورات الميدانية المتسارعة لصالح القوات السورية ضد الجماعات الإرهابية بدأت السعودية وبعض الدول الحليفة لها قبل أیام مناورات عسكرية وصفت بالضخمة في منطقة "حفر الباطن" قرب الحدود العراقية وحملت إسم "رعد الشمال".
وتشارك في هذه المناورة قوات تقدر بـ 250 ألف عسكري من باكستان والأردن والسودان والإمارات واليمن ومصر والبحرين وقطر والمغرب والسنغال وتشاد والمالديف ودول أخرى إضافة إلى السعودية، إلى جانب 300 طائرة ومئات الدبابات والقطع البحرية، مع إستخدام أحدث الأسلحة بما فيها "التايفون" و"الأباتشي" و"الأواكس" والمدرعات الفرنسية والبريطانية الحديثة.
وزعمت السعودية إن هذه المناورات التي تستمر 18 يوماً تهدف إلى محاربة الجماعات الإرهابية في إطار ما يسمى "التحالف العسكري الاسلامي" الذي أعلنت عنه الرياض قبل أكثر من شهرين.
ولابد لأي مراقب أن يربط بين المناورات وقرار السعودية بالتدخل البري في سوريا، الأمر الذي رحبت به واشنطن وشجبته موسكو وطهران وبغداد، وهددت دمشق بإعادة المعتدين في "صناديق خشبية".
توقيت هذه المناورات يحمل في طياته جملة من الأهداف والدلالات يمكن الإشارة الى بعضها على النحو التالي:
- التغطية على فشل التحالف السعودي - الأمريكي في تحقيق أهدافه من وراء شن العدوان المتواصل على اليمن منذ نحو 11 شهراً رغم إشتراك الكثير من الأطراف في هذا العدوان بينها الكيان الإسرائيلي، واستخدام مرتزقة من مختلف أنحاء العالم بقيادة شركة "بلاك ووتر" التي إعترفت مؤخراً بهزيمتها على يد قوات الجيش واللجان الشعبية اليمنية ومقتل وجرح الكثير من عناصرها في هذا البلد.
- حرف الأذهان عن الجرائم البشعة التي يرتكبها التحالف السعودي - الأمريكي في اليمن والتي أدت حتى الآن إلى مقتل وجرح الآلاف من الأبرياء معظمهم من الأطفال والنساء، وتدمير البنى التحتية للشعب اليمني بما فيها المستشفيات والمدارس ومستودعات الأغذية والأدوية ومحطات المياه والطاقة الكهربائية وغيرها.
- حرف الرأي العام عن الأزمات الداخلية التي تعاني منها السعودية لاسيّما الصراع القائم بين رموز العائلة الحاكمة وتحديداً بين ولي العهد محمد بن نايف وولي ولي العهد محمد بن سلطان الذي يطمح للإستحواذ على السلطة بعد وفاة أبيه الملك سلمان ( 81 عاماً ) الذي يعاني من أمراض كثيرة بينها الزهايمر، بالإضافة إلى الأزمة الإقتصادية التي نجمت عن تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية بشكل كبير والتكاليف الباهظة التي تتحملها السعودية بسبب عدوانها المتواصل على اليمن.
- حرف الأذهان عن التدخلات السعودية في شؤون دول المنطقة لاسيّما العراق ولبنان والبحرين والتي تسببت بموجة من الاعتراضات، كان آخرها مطالبة العراقيين بطرد السفير السعودي في بغداد "ثامر السبهان" بعد تطاوله على الحشد الشعبي في العراق الذي يتصدى للجماعات الإرهابية في هذا البلد.
- تسعى السعودية من خلال مناوراتها "رعد الشمال" للإيحاء بأنها تملك القدرة على إتخاذ قرارات مستقلة عن الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بقضايا المنطقة، في حين يعلم الجميع أن الرياض لا يمكن أن تتصرف بمعزل عن إملاءات واشنطن ومشروعها المسمى "الشرق الأوسط الكبير أو الجديد".
- بعيداً عن دلالات المكان والزمان تسعى السعودية من خلال المناورات للإيحاء بأنها تمثل قوة يحسب لها حساب في المنطقة مقابل قوة إيران التي تمكنت من إنتزاع حقها في إمتلاك التقنية النووية السلمية ورفع الحظر الإقتصادي المفروض عليها بعد إبرامها الإتفاق النووي مع مجموعة (5+1) والذي سيرفع من قوة تأثيرها في رسم مستقبل المنطقة في كافة المجالات السياسية والعسكرية والإقتصادية.
في غضون ذلك أشارت مصادر غربية إلى أنه يتم التداول حالياً بين الضباط السعوديين بأن مستشاري ولي ولي العهد محمد بن سلمان حذّروه من خطورة إنضمام عدد كبير من جنوده للتنظيمات الإرهابية إذا وصلوا إلى سوريا. كما يتساءل هؤلاء الضباط عن سبب إتخاذ قرار بالتوجه إلى ميدان صعب مثل سوريا رغم إستمرار المواجهة في اليمن والتي لا تجري لصالح الجيش السعودي.
في سياق متصل أكد الرئيس السوري بشار الأسد إن التدخل البري في بلاده لن يكون نزهة للسعودية أو تركيا، موضحاً إن هذا الموضوع ستكون له تداعيات عالمية وليست محلية فقط في حال حصوله.
من جانب آخر أرسل العراق قوات مسلحة كبيرة لمراقبة المناورات العسكرية التي تجريها السعودية قرب حدوده، فيما حذّر عضو لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان العراقي عدنان الأسدي من إختراق الأجواء العراقية من قبل الطائرات السعودية، في حين أكدت فصائل الحشد الشعبي وجود ترتيبات للرد على المناورات السعودية في حال إستهدفت الأراضي العراقية.
من جهتها حذرت روسيا على لسان رئيس وزرائها "دميتري مدفيديف" من إمكانية إندلاع حرب عالمية في حال تدخل قوات أجنبية فى سوريا، مشدداً على أن الخلافات السياسية لا يمكن أن تكون ذريعة للتدخل في شؤون الدول الأخرى، فيما هددت وسائل إعلام روسية بجاهزية المقاتلات الروسية لمواجهة القوات التركية والسعودية في حال دخولها الأراضي السورية.
من جانبها أكدت طهران على لسان مساعد رئيس القيادة العامة للقوات المسلحة الإيرانية العميد مسعود جزائري بأن السعودية ليست قادرة على شن حرب أخرى في المنطقة، خصوصاً وإنها تعاني من تداعيات وتوترات شديدة جراء عدوانها المتواصل على اليمن وتكبدها خسائر جسيمة ومتتالية على يد قوات الجيش واللجان الشعبية في هذا البلد، مشيراً إلى أن إدعاءات الرياض بأنها سترسل قوات برية إلى سوريا تندرج بشكل أساسي في إطار الحرب النفسية والدعائية، مؤكداً في الوقت نفسه إن إيران لن تسمح بأن تسير الأمور في سوريا كما تريدها السعودية أو تركيا أو من يقف وراءهما من الدول الغربية لاسيّما أمريكا.
هذه المعطيات وغيرها جعلت المراقبين يعتقدون، بل يجزمون بأن السعودية العالقة في اليمن أعجز من أن تتدخل برياً في سوريا، واصفين تصريحاتها بهذا الشأن بأنها مجرد صراخ وفقاعات إعلامية لا قيمة لها.