الوقت- لطالما کانت العلاقات الاردنیة الاسرائیلیة محط انظار المجتمع الاسلامي، ولطالما ظهرت المملکة الاردنیة غیر مبالیة بالاوضاع التي تطال هذا المجتمع، والیوم لم یمنع التوتر السائد في المنطقة، المملکة الهاشمیة من ابرام اتفاقية اقتصادية ضخمة لاستیراد الغاز الطبیعي من "اسرائیل". وتعد هذه الصفقة، أولى صفقات استیراد الغاز من الکیان الصهیوني وأضخم معاملة اقتصادية بين الطرفین، واضعة الکیان الصهیوني بین الدول المنتجة والمصدرة للطاقة، مما سيمكنه من استغلالها لتحقيق أهداف استراتيجية. و رغم محاولة الحکومة الاردنیة اعتبار الصفقة ضرورة لتغطیة حاجات المملکة، لم تسلم الاتفاقیة من الاعتراضات الشعبیة والبرلمانیة. فما هي هذه الاتفاقیة؟ وکیف کانت ردة فعل الاردنیین علیها؟
تتلخص الاتفاقیة التي وقعتها شركة الكهرباء الوطنية، المملوكة بالكامل للحكومة الأردنية، بصفقة اقتصادیة لاستيراد كميات ضخمة من الغاز من الحقول الواقعة في شرق البحر المتوسط تحت هيمنة الكيان الصهيوني، وسيتم بموجب هذه الاتفاقية تزويد الشركة بـ300 مليون قدم مكعب من الغاز يوميا، ولمدة 15 سنة، بقیمة 15ملیار دولار من حقل "ليفاياثان" لغايات توليد الكهرباء. ویسدد مبلغ الـ15 ملیار دولار على 15 سنة وهي مدة الاتفاقية، يدفع الأردن 56% منه اي ما یساوي 8.4 مليار دولار الی الكيان الصهيوني على صورة عوائد حقوق ملكية و ضرائب مفروضة على عوائد الأرباح الطارئة وضرائب شركات، و بواقع 559 مليون دولار سنویا. وتوزع بقية الـ15 مليار دولار کأرباح للشركات المالكة لحقوق استخراج الغاز من حقل "ليفاياثان"، منها 2.93 مليار دولار لشركات صهیونیة هي "ديليك" و"آفنير" و"راشيو" والتي تملك 61% من حقوق الاستخراج، و1.93 مليار دولار لشركة "نوبل اينرجي" الأمريكية التي تملك 39% من هذه الحقوق، وما تبقی من المبلغ اي ما یعادل 1.7ملیار دولار تغطي تكالف الحفر والاستخراج والادارة.
لم تلق الاتفاقیة ترحیبا اردنیا، علی الصعید الشعبي، فقد نظمت اعتصامات مناهضة لاستيراد الغاز من "اسرائيل" امام مجلس النواب، قام المشاركون فیها برفع لافتات رافضة لصفقة استيراد الغاز المشؤومة. واعتبر المشاركون ان الاعتصام جاء اعتراضا على صفقة الغاز من اسرائيل بعد ان وقعت شركة الكهرباء الوطنية اتفاقية لاستيراد كميات كبيرة وضخمة من الغاز. وسلم المعتصمون نسخة من العريضة الشعبية، التي ستسلم لرئيس الوزراء في موعد لاحق.
ونظم المعتصمون "لجنة تنسيقية للمجموعات المناهضة لاستيراد الغاز من الكيان الصهيوني"، للوقوف ضد هذه الصفقة الاقتصادیة و قد شارک في هذه اللجنة عدة مجموعات تعمل لمناهضة التطبيع ومقاطعة الكيان الصهيوني منها: الحراك الشبابي الأردني، الجمعية العربية لحماية الطبيعة، طمي للتنمية الشبابية، وتدعم أعمالها مؤسسات أهلية وشعبية ونقابات مهنية وعمالية مختلفة، وقامت بأنشطة مختلفة مناهضة لاستيراد الغاز من العدو.
و تهدف تحرکات اللجنة التنسیقیة إلى إيقاف هذه الصفقة وإبطالها بعد توقيعها، رغم المعارضة الشعبية لها، وابراز الأسباب العديدة الأخلاقية والاستراتيجية التي تجعل من المضي قدما فيها ضربا من الإلحاق غير المسبوق بالكيان الصهيوني ومشروعه الاستعماري الاستيطاني العدواني، وتطبيعا على مستوى لا مثيل له.
و في دراسة تفصيلية أعدتها "اللجنة التنسيقية للمجموعات المناهضة لاستيراد الغاز من الكيان الصهيوني" بالشراكة مع خبراء طاقة من مركز أبحاث "بلاتفورم" في لندن، تبین أن حصة الحكومة الصهيونية من قيمة الصفقة التي ستدفعها الحكومة الأردنية و التي تؤمن من الأموال التي سيسددها دافعو فواتير الكهرباء ستبلغ 8.4 مليار دولار على الأقل، وستذهب هذه بدورها لتمويل آلة الحرب والعدوان الصهيونية، وتمويل بناء المستوطنات، وتعزيز قوة الاقتصاد الصهيوني، هذا بالإضافة الى التبعية الاستراتيجية الطويلة المدى التي ستترتّب على الأردن تجاه “إسرائيل” في مجال الطاقة، والربط الاقتصادي العضوي بينهما، وربط مصالح المواطن المباشرة بالعدو.
وفي السیاق ذاته رفض حزب "اردن اقوی" اتفاقية استيراد الحكومة الاردنية للغاز الطبيعي من اسرائيل. واعتبر الحزب في تصریح لنائب امینه العام "رالي الحروب" ان هذه الاتفاقية تشكل خطرا استراتيجيا يهدد امن الاردن ويضع اقتصاده رهينة بيد دولة لا يمكن ان تكون صديقة للملكة الاردنية، ولم تظهر افعالها يوما انها صديقة للاردن. وحذرت "الحروب" من عمليات تخريب خط الغاز المصري معتبرة انها اعمال مبرمجة لدفع الاردن للاعتماد علی "اسرائيل" في القضية الاخطر والتي تمس عصب الاقتصاد والامن القومي الاردني وتهدد مستقبل المواطن الاردني.
اما علی الصعید البرلماني، فقد صوّت مجلس النواب بالأغلبية على توصية بشأن إلغاء اتفاقية الغاز مع الاحتلال الإسرائيلي، وأكد رئيس مجلس النواب الأردني المهندس عاطف الطراونة أنه ضد توقيع الاتفاقية حتى لو كانت بأسعار تفضيلية لأن الجانب الإسرائيلي لا يلتزم بأي اتفاقيات توقع معه.
ومن جانبه وجه النائب خميس عطية رسالة إلى رئيس الحكومة الدكتور عبد الله النسور طالب فيها بإلغاء الاتفاقية التي وصفها بأنها تكافئ المحتل الإسرائيلي على احتلاله لفلسطين وأنها تطبيع مع إسرائيل، كما أن الاتفاقية ستؤدي إلى ربط الأردن في مجال الطاقة مدة 15 عاما مع إسرائيل، وهذا خطير جدا ولا يخدم مصلحة الأردن الوطنية أو القومیة، مطالبا من الحكومة استيراد الغاز من الدول العربیة بدلا من التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي.
أما النائب علي الخلايلة، فقد طالب الحكومة الاردنیة ألا تعتمد على الغاز الإسرائيلي حتى لا يرتهن القرار السياسي الأردني مع إسرائيل.
و یؤکد رئيس لجنة الطاقة في مجلس النواب المهندس جمال قمو أن الاتفاقية لا تخدم المصالح الوطنية العليا الأردنية. مشیرا إلى ضرورة العمل والتفكير في إيجاد بدائل قبل التفكير باستيراد غاز من إسرائيل.
اما من الجانب الاسرائیلی فقد اشاد وزير الطاقة والمياه "سيلفان شالوم" بالإتفاق، معتبرا أنه يشكل خطوة تاريخية من شأنها تعزيز العلاقات الإقتصادية والدبلوماسية بين إسرائيل والأردن و بذلک تصبح إسرائيل قوة عظمى في عالم الطاقة.
الترحیب اذا صهیوني، و المعارضة مدنیة اردنیة فالملیارات التسع کفیلة بتمویل ثلاث حروب من حرب غزة الاخیرة التي کلفت الکیان 2.52 ملیار بحسب المصادر الصهونیة، والتطبیع الاقتصادي، کفیل باحتکار القرار السیاسي الاردني، فهل تتمادی الحکومة الهاشمیة بتمویل الة الحرب الاسرائیلیة؟