الوقت- علی هامش المؤتمر الأمني الذي عقد في المنامة (14-16 ديسمبر) بحضور المسؤولین الأمنيین والعسكريین لبعض الدول الغربية والعربية في المنطقة ، تم توقيع اتفاق عسكري جديد بين البحرين وبریطانیا ، وعلى الرغم من أن وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون کان حاضراً في الاجتماع أیضاً، ولكن تم التوقيع علی هذه الاتفاقية بين وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند و وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، وهذا يدل على أن في توقيع هذه الاتفاقية هنالك أهداف سياسية یتم اعتبارها بالإضافة إلى الأغراض العسكرية.
ولكن ما هذه الأهداف التي تتابعها الأطراف المعنیة بهذا الاتفاق؟ ثم نظراً للحالة الراهنة للبحرين حیث إنها حكومة تابعة للمملكة العربية السعودية، فهل يمكن اقتصار هذه الصفقة بين البحرين وبريطانيا فحسب؟
الأهداف البريطانية من توقيع الاتفاق العسكري مع البحرين
يمكن تقسيم هذه الأهداف إلى قسمين، قسم إعلامي وآخر غير إعلامي:
فالأهداف الإعلامیة هي ما ورد صراحة علی لسان السلطات البریطانیة السياسية والعسكرية. وفي هذا السیاق قالت وزارة الدفاع البريطانية حول تفاصيل هذا الاتفاق والغرض منه: «بموجب هذا الاتفاق، سيتم تعزيز المنشآت الموجودة فی میناء سلمان بالبحرین، وتطویر مرافق السفن الحربية البريطانية. وستکون بریطانیا قادرة على إرسال سفن أكثر وأكبر إلى المنطقة وذلك بهدف تعزيز الاستقرار في الخليج الفارسي.
کما قال وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون في شرح أهداف هذا الاتفاق: «سنتواجد مرة أخرى في الخليج الفارسي وعلى المدى الطويل».
ولكن وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند قد حاول إخفاء الأغراض العسكرية لبلاده خلف التصریحات الدبلوماسية، ساعیاً إلی اعتبار هذا الاتفاق علی أنه فضل من حكومته بحق دولة البحرين والدول العربية الأخرى في الخليج الفارسي وجعلها مدینة لبریطانیا. ولهذا السبب دون أن یتحدث صراحة عن حاجة بلاده إلی توقیع هذا الاتفاق العسکري، قال: «أمنكم هو أمننا، ونجاحكم هو نجاحنا، واستقرارکم هو استقرارنا. إذن أولويتنا الاستراتيجية لمنطقة الخليج الفارسي وخارجها هي إیجاد الشراکة. الشراکة للأمن والاستقرار. وأنا سعيد جداً بسبب توقيع مذكرة التفاهم التي وقعت في الليلة الماضية مع معالي الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، وبحضور ولي عهد البحرين. ومع هذا الاتفاق، سیکون من الممكن حضور البحرية الملكية البريطانية في البحرين بشکل دائم.»
أما الأهداف غیر المعلنة لبریطانیا فیمکن البحث فیها من حیث أنه في السنوات الأخيرة بذل بعض المنافسين الأوروبیین لبريطانيا بما في ذلك فرنسا، جهوداً مكثفة لتعزيز وجودهم العسكري في المنطقة، إما عن طريق إنشاء قاعدة بحرية في دولة الإمارات العربية المتحدة وإما عبر إبرام عقود عسكرية ضخمة مع دول في المنطقة مثل المملكة العربية السعودية. وبهذه الطريقة یخصصون لأنفسهم جزءاً كبيراً من الفرص التي أوجدتها إعادة تنظيم الاستراتيجية العسكرية الأمريكية وتحول أولوياتها في الخليج الفارسي نحو منطقة شرق آسيا.
وطبعاً ألمانيا أیضاً أظهرت حراكاً لتطوير العلاقات والتعاون مع الدول العربية في المنطقة، ولكنها لم تکن بحجم فرنسا. ومن هذا المنظور يبدو أن أحد أهداف بريطانيا من وراء إنشاء قاعدة عسكرية جديدة في البحرين، هو عدم التأخر عن منافسيها في الدول الأوروبية وخاصة فرنسا.
والنقطة اللافتة الأخرى في هذا الصدد هي أن السفن البریطانیة في الخليج الفارسي کانت تستفید حتی الآن من إمکانات الأسطول الأميركي الخامس في البحرين، وفي مثل هذه الظروف، قیام البريطانيین بإقامة قاعدة عسكرية مستقلة لهم یمکن أن یکون علامة على قطع التبعیة البريطانية لأمريكا، أو ناتجاً عن توزیع الأدوار بين البلدين في الظروف الناجمة عن إعادة الترتيب والتغییر في الاستراتيجية العسكرية الأمريكية في المنطقة.
وکما من المرجح أیضاً أن یکون بناء قاعدة عسكرية بريطانية جديدة في البحرين علامة علی رغبة أميركا في تغيير مقر أسطولها البحري الخامس من البحرين في المستقبل.
أهداف البحرين من وراء توقيع الاتفاق العسكري الجديد مع بريطانيا
أما الهدف الرئيسي لمملکة البحرين من توقيع هذا الاتفاق وجعل الوجود العسكري البريطاني دائماً في البلاد هو استخدام هذا الحضور العسکري بمثابة مرتکز لاستمرار سيادتها الهشة. ومن هذا المنظور فإن حكومة البحرين بدل أن تملأ الفجوة القائمة في شرعيتها المحلية، من خلال ضمان حقوق الأغلبية في هذا البلد، فهي تبحث عن ملء هذه الفجوة عبر جعل بلادها أکثر تبعیة للقوى الغربية.
ومن هنا فقد أعربت المجموعات الوطنية والديمقراطية في البحرين عن قلقها الشدید حیال تعزيز الوجود العسكري الأجنبي الدائم في البحرين وتحويلها إلى قاعدة للعمليات العسكرية في المنطقة. وشددوا علی أن هذا الوضع سيضع البحرين في وسط التوترات الإقليمية، معتبرین أن هذا الاتفاق یذکر بماضي حضور القوات البریطانیة في المنطقة ودور هذا البلد الاستعماري في المنطقة.
وفي المجموع یری العديد من المعارضین والخبراء أن توقيع هذا الاتفاق، في حین تستمر انتفاضة أغلبية السكان ضد الحكومة ذات النزعة الأقلية، مشاركة في سياسة القمع التي تمارسها الحکومة ضد الأغلبية.
ومن ناحية أخرى، إذا قبلنا بفرضية أن المملكة العربية السعودية لها السیطرة التامة علی البحرين، وحكومة الأقلية والنظام الشمولي في هذا البلد تابع للمملكة العربية السعودية وسیاساتها، فإن توقيع هذا الاتفاق الجديد مع البحرين یأتي أیضاً في سیاق أهداف المملكة العربية السعودية في المنطقة.
ومن هذا المنظور فإن المملكة العربية السعودية نظراً لتغيير الاستراتيجية العسكرية الأمريكية في المنطقة من ناحية، وتعزيز قوة إيران الإقليمية من ناحية أخری (سواءً من حیث المحادثات النووية أو الانتصارات المکتسبة في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين) قد أقدمت علی خطوات جديدة لتعزيز العلاقات والتعاون العسكري مع الدول الأوروبية ، ومن هذا المنظور فقد وقّع الاتفاق العسكري الجديد في الأساس بين بريطانيا والمملكة العربية السعودية. وعلى الأرجح سيتم دفع جزء کبیر من تکالیف بناء القاعدة العسكرية والبحرية البريطانية في سلمان والتي تبلغ 23 مليار دولار من قبل المملكة العربية السعودية .
الاستنتاج
على الرغم من أنه يبدو أن التطورات الجديدة في المنطقة بما في ذلك التحالف الدولي ضد داعش ووصول محادثات إيران النووية إلى مرحلة حاسمة وکذلك الأزمة السورية، قد أثرت علی توقیع هذا الاتفاق العسکري بین بریطانیا والبحرین، ولکن یجب دراسة هذا الاتفاق من حيث الأهداف المحددة للأطراف المتعاقدة، حیث یحاول کل طرف تحقیق أهدافه الخاصة به ، ولا یمکن أن نجد رابطاً مشترك بينهما.
ومع ذلك، فإن التوقيع على هذا الاتفاق لأنه یعید الجيش البريطاني إلى المنطقة بعد 43 عاماً، ویمنح له البقاء فیها بشکل دائم، یعتبر علامة فارقة في الاستراتيجية الإقليمية لهذا البلد.