الوقت- قامت بريطانيا مؤخرا بتعزيز تواجدها العسكري في الخليج الفارسي عبر اتفاق عسكري مع البحرين وهو ما سيؤثر على الاوضاع الجيوسياسية في المنطقة، فما هي الدلالات والرسائل من وراء هذا التعزيز للتواجد العسكري البريطاني في المنطقة؟
يسمح الاتفاق الاخير بين بريطانيا والبحرين بان تقوم بريطانيا بتعزيز قواتها البحرية المتواجدة في ميناء سلمان وان تقوم السفن الحربية البريطانية بالاستقرار في هذا الميناء وهنا يجب الاشارة الى عدة امور:
1- ان تواجد بريطانيا في الخليج الفارسي بدأ منذ القرن السادس العشر وكانت استراتیجية بريطانيا خلال السنوات الماضية مواجهة ایران ومصالحها وقد سعت بريطانيا عبر اثارة الخلافات الى اخافة الدول العربية في الخليج الفارسي من ايران ومن ثم الادعاء بانها تحمي الدول العربية وهكذا سعت لندن الى تعزيز تواجدها هناك لمراقبة الممرات المائية وكذلك الاستفادة من الثروة النفطية الكبيرة في المنطقة وقدعمدت بريطانيا الى اثارة الدول العربية في الخليج الفارسي ضد ايران بعدما كانت بعض هذه الدول جزءا من الاراضي الايراني وهكذا اصبحت هذه الدول تنظر الى ايران بعين التهديد.
2- بعد ان خرجت بريطانيا من الخليج الفارسي واخلت المنطقة لامريكا وكانت امريكا اوكلت مهمة شرطي الخليج الى شاه ايران لكي يقوم بمراقبة الممرالرئيسي للنفط في السبعينات والثمانينات وبعد سقوط الشاه قامت امريكا بتعزيز تواجدها العسكري في الخليج الفارسي وعمدت الى تخويف الدول العربية من ايران و وحدت صفوفهم ضمن مجلس التعاون الخلیجي لکي يكونوا سدا امام الامريكيين في المنطقة لکن البريطانيين يدركون اليوم ان السيطرة الامريكية الى زوال بعدما وجهت امريكا اهتمامها نحو المحيط الهادئ وشرق آسيا ولذلك استفادت بريطانيا من الفرصة لملء الفراغ كما عمدت فرنسا ايضا الى ايجاد قاعدة لها في الامارات.
3- ان امريكا ادركت بان التركیز على الشرق الاوسط بشكل كبير مع التكلفة العالية لهذا التركيز وقلة المصالح والمردود قد تسبب بالتغافل الامريكي عن مناطق هامة اخرى مثل شرق آسيا وامريكا الجنوبية حيث هناك منافسين مثل الصين والبرازيل کما ان الاوضاع السياسية المتوترة في البحرين جعل بقاء الاسطول الخامس الامريكي في البحرين بمثابة مجازفة وقد افقد حصول امريكا على مصادر نفطية أخرى الاهمية الاقتصادية للمنطقة بالنسبة للامريكيين ولذلك قرر الامريكيون نقل اسطولهم الخامس الى مناطق اهم مثل شرق آسيا لکي يستطيعوا الحفاظ على قوتهم الرادعة في وجه الصين.
4- ان السلطة في البحرين جاء الى الحكم بدعم بريطاني وان الشعب البحريني غير راض عن ذلك وقد انتفض الشعب البحريني ضد حكامه في عام 2011 لکن الحرکة الاصلاحية السلمية للشعب البحريني قد جوبه بقمع دام وان آل خليفة يسعون منذ ذلك التاريخ حتى الآن الى قمع الشعب وقد استعانوا حتی بالمرتزقة الاردنيين والباكستانيين وقاموا بالتجنيس السياسي لتغيير الواقع الديموغرافي وسجنوا المعارضين وتطاولوا على الاماكن الدينية ولذلك يدرك حكام البحرين بانهم لايملكون المشروعية للاستمرار ولذلك يعمدون الى الاستعانة بالقوات الخارجية مثل البريطانيين والامريكيين والسعوديين.
5- ان بريطانيا وقفت الى جانب السلطات البحرينية في مواجهتها مع شعبها خلال السنوات الـ 3 الماضية وارسلت مستشارين واسلحة وعتادا لقمع المحتجين وعندما تولت القوات السعودية مهمة حماية المراكز الحساسة في البحرين عمد المستشارون البريطانيون الى دعم وتقوية القوات الامنية البحرينية لقمع الاحتجاجات وقد رجح هذا التدخل البريطاني كفة القوات الامنية البحرينية وآلة القمع في مواجهة المحتجين وقد غضت بريطانيا طرفها عن القمع في البحرين واستمرت في علاقاتها مع آل خليفة والآن یقوم آل خلیفة بتقديم الشكر للبريطانيين عبر اعطاء قاعدة عسكرية بحرية لهم في الخليج الفارسي.
6- ان الرسالة المباشرة لهذا التعزيز للتواجد العسكري البريطاني هي موجهة الى ايران، ان خفض مستوى التواجد الامريكي في الخليج الفارسي سيؤدي الى فراغ عسكري في المنطقة وهو ما يثير رغبة فرنسا وبريطانيا والصين والهند وروسيا للتواجد في هذه المنطقة الحساسة ومن جهة أخرى نجد ان ايران واصدقائها مثل العراق لهم ايضا تأثير كبير في مستقبل الشرق الاوسط، ان الخليج الفارسي لايزال القلب النابض للاقتصاد العالمي وان تواجد ايران المؤثر في هذا الخليج بالاستفادة من قواتها البحرية القوية وكذلك تعزيز العلاقات مع الشعوب العربية في الضفة الجنوبية للخليج الفارسي يمكنه ان يحافظ على المصالح الايرانية في هذه المنطقة.