الوقت - بعد بدء تنفيذ بنود الإتفاق النووي بين طهران ومجموعة الـ (5+1) سادت الكيان الإسرائيلي حالة من الإضطراب والإرتباك بشأن الإستراتيجية التي ينبغي إعتمادها من قبل هذا الكيان لمواجهة إيران.
وإنقسمت آراء قادة الكيان الإسرائيلي حيال هذا الموضوع إلى ثلاثة أقسام:
الأول: يعتقد أنه يجب النظر إلى إيران على أنها ستبقى العدو الأول لإسرائيل ويستدعي الأمر من تل أبيب وضع خطط أمنية وعسكرية إستراتيجية جديدة على هذا الأساس.
الثاني: يرى أن إيران ستزيد من دعمها لقوى محور المقاومة في المنطقة خصوصاً حزب الله والفصائل الفلسطينية وتحديداً حركتي حماس والجهاد الإسلامي، ولهذا ينبغي على تل أبيب تركيز الإهتمام حول كيفية مواجهة هذه القوى.
الثالث: يرى أن المشكلة "الوجودية" لإسرائيل تكمن في تفاقم أزماتها الداخلية وفي مقدمتها تداعيات الإنتفاضة الفلسطينية الثالثة على مجمل الأوضاع داخل الكيان الإسرائيلي، ولذلك يجب تغيير الخطط الأمنية لمواجهة هذه المخاطر.
ومن أجل تسليط الضوء على هذه الآراء نشير إلى جملة من التصريحات التي أطلقها قادة الكيان الإسرائيلي في الآونة الأخيرة:
- أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي (غادي آيزينكوت) خلال مؤتمر نظّمه "معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي" في تل أبيب إنّ الإتفاق النووي بين طهران ومجموعة (5+1) يشكل تحوّلاً إستراتيجياً هامّاً في المنطقة، مشيراً إلى إنّ إيران هي العدو الأول وستبقى تحارب إسرائيل عن طريق حزب الله وحماس والجهاد الأسلامي وباقي الفصائل الفلسطينية في الداخل. وقال آيزينكوت إنّ إيران لن تتخلى عن ذلك، وهي لا تزال تسعى لتعزیز مکانتها الإقلیمیة في إطار هذه الإستراتيجية على كافة المستویات.
ووفقاً لتقدیراته، قال آيزينكوت إنّ إیران ستواصل محاربة إسرائیل عن طریق وسطاء ولیس بشکل مباشر، وأشار إلى التأثیر الإیراني على قطاع غزة والفلسطينيين فی الداخل، وقال نحن نرى الجهد الذی تبذله إیران لتقوية فلسطينيي الداخل لاسيّما في قطاع غزة. وأضاف إنّ إیران تملك صناعة عسکریة متطورة جداً، وفي حال رُفعت عنها العقوبات وبدأ وضعها الإقتصادي یتطور ستزداد المیزانیات والموارد التي ستخصصها لمحاربة إسرائیل، مشيراً كذلك إلى إنّ إسرائيل ستضع إيران في سلّم أولوياتها على مدى 15 عاماً المقبلة.
كما أكد آيزينكوت بأنّ حزب الله الذي تدعمه إيران بات يشكل تهدیداً كبيراً لإسرائیل لأنه مُدرب تدريباً عالياً ویمتلك أسلحة متطورة جداً، إضافة إلى الخبرات القتالية الكبيرة التی إکتسبها خلال السنوات الماضية. وقال آيزنكوت: بعد الإتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى أصبح حزب الله يمثل الخطر الأساسي والمباشر على وجود الكيان الإسرائيلي.
- أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في منتدى دافوس الإقتصادي العالمي الذي عقد مؤخراً في سويسرا إنّ كيانه سيحتاج إلى مزيد من المساعدات العسكرية بعد الإتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى. وقال إنّ تدفق الأموال على إيران سيتيح لها دعم القوى المعادية لإسرائيل خصوصاً حزب الله، مجدداً كذلك التأكيد على إنّ الإتفاق النووي الذي تم بموجبه رفع العقوبات عن إيران سيرتب على إسرائيل زيادة إنفاقها العسكري.
- أعلن وزير الحرب الإسرائيلي (موشيه يعلون) إنّ إيران كانت وما زالت العدو الأول لإسرائيل. وقال إذا خُيّرت في التعامل بين تنظيم "داعش" وإيران، فسأختار التعامل مع "داعش"، مشيراً في الوقت ذاته إلى إنّ إسرائيل لديها علاقات جيّدة مع ما أسماها الدول المعتدلة في المنطقة وفي مقدمتها السعودية.
- إنتقد (نفتالي بينيت) زعيم حزب "البيت اليهودي" الشريك في الائتلاف الحكومي الراهن؛ إنتقد السياسة الأمنية التي ينتهجها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وقال إنّ التطورات التكنولوجية الإسرائيلية لا تتلاءم مع الواقع، فطائرات (F-35) الباهظة الثمن لن تجدي نفعاً مع مقاتلين فلسطينيين يحفرون الأنفاق نحو مناطق محاذية لقطاع غزة، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنّ حزب الله بات يمتلك مخزوناً كبيراً من الصواريخ القادرة على ضرب أي مكان في إسرائيل، معرباً كذلك عن إعتقاده بأن هذه الصواريخ تحوّلت إلى قوة هائلة تهدد ما أسماه "أمن إسرائيل".
هذه التصريحات وغيرها تؤكد دون أدنى شك إنّ الإتفاق النووي بين طهران ومجموعة (5+1) قد تحوّل إلى منعطف إستراتيجي عزَّز من مكانة إيران ومحور المقاومة في المعادلة الإقليمية. وتجدر الإشارة كذلك الى أن خيبة تل أبيب لم تقتصر على المضمون النووي للإتفاق؛ بل تجسدت أيضاً بالفشل في حثّ الإدارة الأمريكية على إنتزاع تنازلات من إيران تتعلق بخياراتها الإستراتيجية وفي مقدمتها موقفها الرافض للإعتراف بوجود إسرائيل، وكذلك خياراتها في دعم قوى المقاومة، إضافة إلى عدم تضمين الإتفاق النووي أيّ قيود تفرض على إيران عدم تطوير قدراتها الصاروخية الباليستية، وهذا ما جعل المراقبين يعتقدون بشكل جازم بأن الإتفاق النووي يمثل في الحقيقة أهم الصدمات التي تلقت فيها إسرائيل ضربة كبيرة، خصوصاً بعد هرولة الكثير من الدول الغربية نحو طهران لعقد إتفاقيات وصفقات تعاون مشتركة معها في مختلف المجالات.