الوقت – على مرّ السنين الماضية قام الكيان الإسرائيلي باستمالة العديد من الدول العربية سواء بالترهيب أو الترغيب لتطبيع العلاقات معها وفتح قنوات دبلوماسية مع هذه الدول لأهداف عدة ابرزها اعطاء شرعية لمزاعم الصهاينة بأحقيتهم باقامة ما يسمونه "دولة اسرائيل" وما ينطوي ذلك من غطاء على الجرائم التي قام بها ولم ينفك يفعل الاحتلال في فلسطين ولبنان، اضافة لمبرر للوجود الصهيوني على أراضي الدول العربية وهو الاخر غطاء لأجهزة المخابرات الاسرائيلية التي تسعى لإفناء حركات المقاومة والقضية الفلسطينية ككل.
العلاقات السودانية اليهودية تاريخياً
كان السودان ملجأ لليهود في حقبات تاريخية كثيرة وكانت علاقتهم تتمثل بالود والمحبة لا بل في بعض الأحيان الى الحليف الذي آوى اليهود كما حصل عندما سارت جيوش الفاتح السوداني ترهاقا، استجابة لدعوة من احد انبياء اليهود لتخليص القدس الشريف من قبضة الآشوريين بقيادة سارهدون الثاني وظل السودانيون على الشريعة الموسوية، الى ان ذهب إبان المملكة المروية وزير مالية الكنداكة ملكة مروي الى المسجد الاقصى للزيارة والحج وهناك قابل أحد حواري المسيح، ومن الخدمات المتناولة بين اهل السودان والمسيحية ان وزير الكنداكة خلص أحد حواري المسيح من جلاديه، كما اعتنق وزير الكنداكة تعاليم العقيدة المسيحية والتي توطنت في السودان بعد قرون من ذلك، وقد شاع في الادبيات اليهودية ان مملكة مروي عمل فيها اليهود كفنيين واختصاصيين في صهر الحديد، حتى اصبحت مروي برمنجهام إفريقيا في تلك العصور السحيقة.
كما شاع في ادبيات اليهود ان اليهود فروا ابان اضطهاد الرومان لهم الى السودان حاملين معهم التابوت الذي فيه الواح موسى حيث ساروا مع النيل الازرق الى ان انتهوا الى بحيرة تانا ثم الى اكسوم حيث دفنوا فيها التابوت التي ما تزال بعض الاساطير اليهودية تتكلم عنه.
وإن بحثنا أكثر نجد أن بين السودان واليهود علاقة يمكن القول إنها أخوية على مر عصور من الزمن
هذه العلاقات بين أهل السودان واليهود كانت ابان زمن لم يقوموا فيه باحتلال واضطهاد الفلسطينيين، ففي زمن الصهاينة كان للسودان شعباً ودولةً رأيٌ آخر.
السودان الممانع تعرض للكثير من الضغوطات من الصديق و العدو
لطالما كان السودان وعلى مرّ السنين شوكة في حلق الصهاينة منذ عام 48 حيث كان الشعب السوداني من أوائل الشعوب العربية التي قاومت الصهاينة وفي عام 1978كدولة ضمن الحرب العربية ضد الصهاينة، وكان السودان الداعم لحركات المقاومة الفلسطينية ومسهلاً لأمورها وهذا ما جعله من المغضوب عليهم من قبل الصهاينة وبعض الدول العربية التي كانت تتحجج بقرب السودان من ايران وحركات لها علاقة بايران كحماس وغيرها.
واتهم الصهاينة لفترة طويلة السودان بتسهيل تهريب السلاح إلى حركة حماس التي يتردد قادتها كثيرا على الخرطوم ومارسوا عليه ضغوطاً دولية واقليمية كثيرة لمنعه عن ذلك. هذا واتهم السودان، الکيان الإسرائيلي بتنفيذ هجوم جوي على شرق السودان استشهد فيه شخصان ودمرت سيارتهما، وتقول الحكومة السودانية إن الهدف من الهجوم إيقاف خطوات إزالة اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، التي شكلت صعوبات أمام أبناء السودان اقتصادياً وسياسياً وغيرها ما شكل عقبة أمام السودان للنمو والتطور والخروج من فقره المدقع.
عوامل التغيير التي أثّرت على وجه السودان الممانع
في الداخل السوداني كانت هناك حركات طالما تعاونت مع الصهاينة تاريخياً كحركة الأمة التي كانت تعتبر مصر عدواً لها وكانت في ضائقة مادية فتكاتفت مع الصهاينة باعتبار مصر عدواً مشتركاً وللاستفادة من الأموال الاسرائيلية في مشاريعها الاقتصادية والزراعية وغيرها وبالفعل حصلت هذه الحركة على مبالغ مالية واستثمارات خارجية في السودان كان وراءها الصهاينة.
كما حصلت خروقات في الصف السوداني على صعيد مسؤولين كبار من قبل الموساد وغيره من أجهزة المخابرات، ففي مذكرات "يعقوب نمرودي"، الذي شغل مراتبَ عليا في جهاز المخابرات الإسرائيلية "الموساد" ذكر أن رجل الأعمال السعودي "عدنان خاشقجي" كان "عنواناً لكلّ إسرائيلي أو يهودي يبحث عن طرق للعالم العربي".
وكان "خاشقجي" مقرباً جداً من الرئيس السوداني السابق "جعفر النميري" وبمرور سريع على المعلومات التي وردت في المذكرات تبين أن الصهاينة استطاعوا اختراق السودان من رأس الدولة لعوز السودان الاقتصادي وحاجة "النميري" لتثبيت نفسه في ظل تدهور وضعه في الوسط السوداني إلى أن وصل حد علاقتهم الى اللقاء المباشر بين "شارون" وزير الدفاع انذاك مع "النميري" بوساطة السعودي "خاشقجي" في كينيا، وبعد ذلك تطورت العلاقات عندما أراد الصهاينة تهجير اليهود الفلاشا من اثيوبيا الى الکيان الإسرائيلي وعدم موافقة السلطات الاثيوبية على ذلك دفع الصهاينة الى التوسط عند الرئيس المصري "انور السادات" لتمرير اليهود الفلاشا الى الکيان الإسرائيلي عبر السودان وهذا ما دفع الى زيادة التعاون بين الصهاينة والسودان وزيارة مسؤولين في الموساد للخرطوم ولقاء الرئيس النميري في اواخر 1980.
هذه الحقبة التاريخية وأهمية السودان الاستراتيجية بالنسبة للصهاينة والمياه المشتركة بين السودان وفلسطين المحتلة، اضافة لموانئ السودان الفاعلة افريقياً، دفعت الصهاينة للعمل جاهدين لخرق الصف السوداني فهم لا يريدون سوداناً قوياً يكون ضمن الدول العربية قوية البنية الممانعة للکيان الإسرائيلي فعملوا على دعم المعارضة السودانية سواء في الجنوب أو في الشمال على امتداد السنين الى أن شقوا الصف السوداني وانقسم السودان عام 2011، ولكن عين الصهاينة لم تنم بعد فالخرطوم هي الهدف الأساسي لا جنوب السودان، وفي ظل المساعي لقلب العقيدة السودانية بعد أن اصبحت مصر دولة صديقة للکيان الإسرائيلي وهناك معاهدات وسفارات وتمثيل دبلوماسي فيما بينهما والتمايل نحو الهوى الصهيوني الذي تظهره دول عربية كبرى كالسعودية والامارات وقطر وغيرهم والترويج العربي لفكرة أن الخطر الأساسي على العرب هو ايران وليس الکيان الإسرائيلي وتوظيف مليارات الدولارات في هذه الحملات الترويجية، خصوصاً بعد توتر العلاقات السعودية الايرانية واتخاذ السودان الطرف السعودي بمواجهة ايران، نطرح على أنفسنا السؤال الأهم، هل سيطبع السودان علاقاته مع الکيان الإسرائيلي ؟
السودان خطط لإقامة علاقات مع الکيان الإسرائيلي
اذ ذكرت وثائق وكيليكس المسربة والمصنفة بالسرية جداً بأن مسؤولاً سودانياً رفيع المستوى ذكر لأمريکا أن الخرطوم ترغب في إقامة علاقات مع الکيان الإسرائيلي.
وذكرت البرقية التي أرسلها دبلوماسي أمريكي إلى خارجية بلاده في يوليو 2008 أن "مصطفى عثمان إسماعيل"، مستشار الرئيس السوداني "عمر البشير"، قال لمخاطبه الأمريكي إن أوجه التعاون التي تقترحها الحكومة على أمريکا تشمل تطبيع العلاقات مع الکيان الإسرائيلي.
وبحسب البرقية، قال "مصطفى إسماعيل"، لدى لقائه "ألبرتو فرنانديز" مسؤول الشؤون الأفريقية بالخارجية الأمريكية " إذا مضت الأمور بصورة جيدة مع أمريکا، قد تساعدوننا في تسهيل الأمور مع الکيان الإسرائيلي الحليف الأقرب لكم في المنطقة "، غير أن فشل المفاوضات الثنائية قضى على احتمال المضي في هذا التوجه، وأشار "إسماعيل" إلى أنه قبل تلك المفاوضات كان من الصعب إقناع الجناح المتصلب في الحكومة السودانية مثل نافع علي نافع، مساعد رئيس الجمهورية، بجدوى العمل مع الأمريكيين.
وكانت أمريکا وعدت السودان بإزالة اسمه من قائمة الدول الداعمة للإرهاب بعد استفتاء جنوب السودان الذي أجري في يناير 2011 وأفضى إلى إعلان الجنوب دولة مستقلة في يوليو 2011.
في ظل بحثنا وتحليلنا والتطورات التي تطرأ على الساحة الاقليمية وخاصة ما جاء على لسان "نتنياهو" منذ أيام أن السعودية ودولاً عربية أخرى هي حليفة للکيان الإسرائيلي، نرى أن القضية الفلسطينية نحو مزيد من التخاذل والاندثار في قلوب معظم العرب، فما الذي سيدفع السودان الضعيف المقسم والمخترق للممانعة والمقاومة ونصرة الفلسطينيين؟ الأيام القادمة بما تحمله ستكون الانعكاس لكل خفايا الكواليس السياسية والدبلوماسية.