الوقت ـ لا نريد أن ندعي أن لعبة النفط السعودية خلال الاعوام الماضية، لم تضر بالاقتصاد الإيراني، بل علی العكس من ذلك فقد تمكنت السعودية ومن خلال تعمدها خفض أسعار النفط، من خلال اتباع سياسة اغراق السوق العالمية بكميات كبيرة من نفط تفوق الطلب العالمي، تمكنت أن تلحق خسائر مالیة ليست بالقليلة لإيران. وظنت السعودية مخطئة أن العقوبات الإقتصادية الغربية المفروضة علی إيران يمكن أن تكون أكثر فتكا بالإقتصاد الإيراني، إذا ما عملت علی خفض أسعار النفط في الاسواق العالمية، لأن العائدات النفطية كانت خلال الاعوام الماضية تشكل جزأ من ميزانية الحكومة الإيرانية.
لكن علی عكس ذلك فقد تمكنت إيران أن تقلص أعتمادها علی عائدات النفط خلال الاعوام الماضية، بعد أن رأت أسعار النفط تتجه نحو الانحدار، رغم تشديد العقوبات الإقتصادية علیها بسبب تمسكها بتنمية قدراتها النووية السلمية.
ومن يزور إيران حاليا و يتعرف علی أوضاعها الإقتصادية من قريب، يعرف جيدا أن طهران مستمرة بسعيها لتحقيق التنمية المستدامة في البلاد، رغم جميع ما تعرضت له من مؤامراة دولية، وعلی رأسها تخفيض أسعار النفط من قبل السعودية وفرض العقوبات الإقتصادية من قبل الدول الغربية.
دون أي شك فان الدول العربية، بل جميع دول العالم المنتجة للنفط ومن بينها روسيا فقد تلقت ضربة قاسية جدا جراء سياسات السعودية النفطية، إثر اقدام الرياض علی خفض أسعار النفط بشكل متعمد. وفي غضون ذلك أكد تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي نهاية العام الماضي، أن دول المنطقة وبما فيها العراق وقطر والبحرين والكويت لقد خسرت 500 مليار دولار اثر هبوط اسعار النفط في الاسواق الدولية. وإذا ما نظرنا الی حال الدول العربية المنتجة للنفط، فسنجد أن لعبة النفط السعودية، الحقت اضرارا جسيمة باقتصادات الدول العربية وحتی الحليفة منها للسعودية كالبحرين.
و رغم أن معظم الدول المنتجة للنفط تتهم السعودية بانها لعبت دورا جوهريا في تخفيض اسعار النفط الدولية، تحاول السعودية التهرب من هذه الاتهامات، مدعية أن هبوط اسعار النفط يلحق أضرارا ايضا بالاقتصاد السعودي. لكن هنالك الكثير من الناشطين الإقتصاديين يعتقدون أن اغراق السوق العالمية بالنفط السعودي جاء من قبل الرياض بهدف تشديد الأزمة الإقتصادية في روسیا وإيران.
كل من له معرفة بالاقتصاد الدولي، حتی وإن كانت بسيطة، يعرف جيدا أن روسيا وإيران لديهما موارد إقتصادية هائلة (مثل الغاز والمناجم والسياحة وقطاع الزراعة والخدمات وموارد اخری) يمكن أن تعتمدا علیها لمواجهة انخفاض اسعار النفط، لكن الحال بالنسبة للدول العربية كقطر والبحرين تختلف تماما، مقارنة بروسيا وإيران، فان هذه الدول لا تمتلك موارد اقتصادية سوی النفط يمكن الإعتماد علیها لمواجهة عجز الميزانية.
و رغم انكماش الموارد المالیة الهائلة لدی الدول العربية، بسبب سياسات السعودية، فان هذه الدول تحاول أن تتستر علی أزماتها الإقتصادية المحتملة، حتی لا يثور غضب الشارع العربي ضد السعودية، لكن من الوارد جدا أن السعودية ستواجه عداءً شديدا بين شعوب الدول العربية، لان حكومات هذه الدول بدءت سياسات تقشفية ألیمة ضد مواطنيها. حيث اضطرت الدول العربية الی رفع أسعار المحروقات وخفض الدعم للسلع الأساسية ومن بينها الخبز والمواد الغذائية.
هنالك من يقول بان اعتماد أمريكا علی النفط الصخري، أثر سلبيا علی أسعار هذه المادة. لا يمكن أن ننفي دور هذه القضية في مسالة هبوط أسعار النفط، لكنها لا يمكن أن تكون العامل الرئيسي في هبوط ألاسعار، بل تاتي في الدرجة الثانية او حتی الثالثة وفق ما یؤكد المحللين الإقتصاديين.
إذن فان السعودية بعد أن شاركت بشكل رئيسي في تدمير سوريا والعراق والیمن بفضل أموال البترودولار، ها هي الیوم تدمر أقتصادات الدول العربية وحتی الحليفة لها من هذه الدول، من خلال إعتماد سياسة خفض أسعار النفط. هنالك من يقول أن سياسة تخفيض اسعار النفط من قبل السعودية جائت لتضر بالحكومة العراقية، وليتسبب ذلك في تجفيف الموارد المالیة للعراق، لكي لا يتسنی لهذه الدولة، تامين مواردها المالیة لمحاربة الإرهاب، ولعل هذا يكون صحيحا الی جنب الإضرار بروسيا وإيران.
لكن سياسة تخفيض أسعار النفط بالنسبة للسعودية باتت اليوم بمثابة المقولة المعروفة التي تقول أن "السحر انقلب علی الساحر". حيث تعتمد السعودية في إدارة شؤونها الإقتصادية وتوفير ميزانية البلاد، بمقدار 92 في المئة، من خلال مبيعاتها النفطية يوميا بمقدار 10 ملايين برميل. وإذا ما اردنا احصاء خسائر السعودية جراء هبوط أسعار النفط فسنجد أن السعودية باتت تخسر يوميا 850 مليون دولار، وهذا ما يعادل أكثر من 310 مليارات دولار سنويا بسبب هبوط هذه الاسعار من 115 دولارا ووصولها الی حوالي 30 دولارا في الوقت الراهن. إذن فانها خسارة لا تعوض تلك التي تسببتها السعودية لنفسها وللدول العربية وللدول الاخری.