الوقت - شهدت منطقة الشرق الأوسط في الآونة الأخیرة سیاسات مارستها المملکة العربیة السعودیة متوخیة بذلك نتائج ستصب في مصلحتها في نهایة المطاف، بدءاً من دعم المجموعات التکفیریة مروراً بالضغط علی دول المنطقة التي تدور في فلکها لعزل الجمهوریة الإسلامیة کي لا تلعب دورها في معالجة أزمات المنطقة وصولاً إلی عقد تحالفات دولیة وإقلیمة لفرض هیمنتها علی المنطقة.
لکن ما حدث في نهایة المطاف کان غیر ما أرادته المملکة حیث بدت المملكة العربية السعودية قلقة مما يجري في المنطقة وأنّ تطورات الأوضاع في اليمن وصعود نجم الحوثيين، والانتصارات المتلاحقة لمحور المقاومة، قد أربكتها.
وثمة تقاریر تتحدث عن اجتماعات سریة یعقدها المسؤولون الکبار في هذا البلد تناقش التحديات المحيطة بالمملكة وكيفية الاستعداد للتعاطي معها، ومن جانب آخر هنالك ملف في غایة الأهمیة والخطورة تجد السعودية نفسها شدیدة القلق والحذر تجاهه ألا وهو التظاهرات التي تشهدها المنطقة الشرقية في المملكة وإطلاق للنار والاعتقالات على مدى أكثر من عامين حیث ثار الشعب في وجه هذه القیادة التي أهملته ولم تعالج المشاکل والمعضلات التي تعانیها هذه المنطقة .
الأسباب التي تقف خلف حالة السخط هذه تعود في أغلبها إلی التمييز الطائفي الذي يمارسه النظام ضد الشيعة، وإلى الإهمال الاقتصادي، والتهميش السياسي للمنطقة.
يعيش حوالي أربعة ملايين من الشيعة الاثني عشرية في المنطقة الشرقية من المملكة، ويواجه هؤلاء سياسات الرياض الاستبدادية المذهبية، والتهميش السياسي والحرمان التنموي مع أن معظم الثروة النفطية موجود في أراضيهم .
یطالب المجتمع الشیعي القاطن في هذه المنطقة بأمور أهمها:
الإفراج عن السجناء السياسيين، وضع حدّ لعمليات الاعتقال التعسّفي الرامیة إلی قمع الاحتجاجات الشعبیة، تمكين المجالس البلدية المنتخبة في جميع أنحاء المملکة، الاعتراف بالقوانين الشرعية للشيعة الجعفرية، إنشاء لجنة للتحقيق في ممارسات وزارة الداخلية في العوامية وهي بلدة فقيرة كانت نقطة محوريّة للمعارضة الشيعية ومطالب أخری .
لکن المملکة قد استجابت لهذه المطالب من خلال توزيع الإعانات الاقتصادية، واستلحاق رجال الدين الشيعة بغیة كبح الاحتجاجات، وإطلاق هجوم إعلامي مضاد، وتنفيذ حملة من الاعتقالات والسجن.
مع ذلک تواصلت الاحتجاجات وسقط فیها ضحایا مدنیون وسط حالة من التکتم الإعلامي الشدید الذي تمارسه السلطات السعودیة .
مع مرور الوقت، شعر المتظاهرون في العوامية والقطيف وغیرهما من المناطق الشرقیة بضجر وتبرّم أكثر إزاء تواصل الضغوط وعدم إجراء تحسينات ملموسة في الظروف المعيشية ووضع حدّ للتمييز السائد، وازدادت شعبية العلامة الشیخ نمر النمر الذي یعتبر من أعلام الشیعة في هذه المنطقة.
کانت السلطات السعودیة تعتقد أن اعتقال هذا الشیخ المناضل سیخفف من وطأة الاحتجاجات الشعبیة ولکن ما حدث کان مغایراً لهذا الاعتقاد تماماً حیث أثارت صور الشیخ النمر وهو ممدّد وينزف جرّاء إصابته بطلق ناري، احتجاجات عارمة وحوّلته إلى رمز بطوليّ للشباب في كل أنحاء المنطقة، وخرج المئات من المتظاهرين الشيعة إلى الشوارع، وأصبحت الاشتباكات مع قوات الأمن حدثاً يجري في كل ليلة تقريباً .
السلطات السعودیة بحاجة إلى التخلي عن الإستراتيجية القائمة على القمع والتستّر علی المعارضة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ووصفها بأنها مدعومة من أطراف خارجیة وتسعی إلی تنفیذ أجندات إیرانیة وغیر ذلك من تفسیرات وحجج واهیة بالیة، وعلیها بدل ذلك أن تحدّد جذور هذه المعارضات والاحتجاجات في المنطقة الشرقية حيث المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتجذّرة ، وتسعی إلی معالجتها بشکل یرضي شعبها .
ویجب أن یعرف أصحاب القرار في المملکة أن ممارسة الطائفية في وسائل الإعلام، وإرسال الجنود إلی البحرین لقمع الثورة هناك، والزجّ بالسیاسیین المعارضین في السجون، وإهمال شریحة من الشعب من التنمیة الاقتصادیة، والقبضة البوليسية تجاه کل صوت حرّ یحاول کسر حاجز الصمت في هذا البلد الذي تحرم المرأة فیه من قیادة سیارتها، سوف ترتدّ علیهم غضباً وسخطاً من الشارع لن یوقفه شيء سوی الرضوخ للمطالب المحقة .
والذین أصدروا حکم الإعدام بحق الشیخ النمر، هذا الحكم الجائر الذي استند إلی تهم واهیة، یجب أن یعرفوا - في حال تنفیذ الحکم - أن المملکة ورجال الحکم فیها سوف لن یأمنوا عواطف الشيعة التي ستحدث زلزالاً کبیراً في هذا البلد.