الوقت - بينما يقف حزب الله بكل قوة للدفاع عن حدود لبنان ضد اعتداءات الکيان الصهيوني، يسعى الکيان لفتح جبهة جديدة ضد المقاومة من داخل بيروت؛ جبهة ليست عسكريةً بل سياسية.
خلال الأيام الماضية، بينما كانت الأنظار العامة والتركيز السياسي والإعلامي منصبًا على الأحداث في ساحة المعركة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، استضافت منطقة معراب المسيحية في محافظة جبل لبنان، اجتماعًا خاصًا يحمل أهدافًا خطيرةً للغاية بالنسبة للوضع الداخلي في لبنان.
تولى تنظيم هذا الاجتماع، تحت عنوان "جلسة وطنية شاملة لإنقاذ لبنان"، حزب القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع، الشخصية البارزة المعارضة لحزب الله، والذي يُعتبر أحد الأذرع المدعومة من الولايات المتحدة و"إسرائيل" وبعض الدول العربية في المنطقة، ورغم عنوانه، فقد وُلِد هذا الاجتماع، الذي يحمل طابعًا من الفرقة وإثارة الأزمات الداخلية، ميتًا، دون أن يحقق الأهداف المرجوة منه.
أهداف الاجتماع
كان من المقرر أن يُعقد هذا الاجتماع بمشاركة جميع المجموعات والأحزاب التي تُعرف بالمعارضة، والتي تعارض التحالف الحالي بين حزب الله وحركة "التيار الوطني الحر" بقيادة جبران باسيل.
وقد سعى منظمو هذا اللقاء، وعلى رأسهم سمير جعجع، إلى استغلال الظروف السياسية الناتجة عن استشهاد السيد حسن نصر الله، بهدف الإطاحة بالحكومة الحالية وتولي قيادة الحكومة المقبلة، وقد تم استخدام ذريعة انتخاب رئيس جديد للجمهورية والقلق بشأن الوضع في لبنان خلال الحرب، وتنفيذ قرارات مجلس الأمن السابقة لوقف الاعتداءات الإسرائيلية، كأداة في هذه المعركة السياسية.
في الواقع، حاول جعجع، بالتعاون مع السفارات الأجنبية، وفي مقدمتها السفارة الأمريكية، تنظيم مناورة دعائية لمواجهة اجتماع "عين التينة"، الذي اجتمع فيه نبيه بري رئيس المجلس، ونجيب ميقاتي رئيس الوزراء، ووليد جنبلاط زعيم الدروز، حيث عبروا جميعًا عن دعمهم لحزب الله.
ومع ذلك، كان من الواضح منذ البداية للأحزاب والمجموعات السياسية والمحللين، أن الهدف الرئيسي من هذا العرض السياسي، هو الضغط على المقاومة وإعادة إشعال النقاش حول نزع سلاح حزب الله وتغيير المعادلة التسليحية في لبنان، وذلك استجابةً للطلبات المتعلقة بتنفيذ القرارين 1559 (المعتمد في سبتمبر 2004) و1701 (أغسطس 2006)، وقد أدى ذلك إلى مقاطعة معظم القوى السياسية في لبنان لهذا الاجتماع، الذي اعتُبر مؤامرةً.
في المؤتمر الصحفي الذي أعقب الاجتماع، أوضح جعجع نواياه الحقيقية، حيث قال: "إسرائيل تسعى لتحقيق أهدافها الخاصة، وليس أهداف أي حزب آخر، ونعتقد أنه حتى لو حقق حزب الله جميع انتصارات العالم، فلا يمكن إقامة حكومة في لبنان بحضور حزب مسلح".
هذه الكلمات، في ظلّ أن حزب الله لا يدافع عن قوم أو مدينة معينة، بل عن وحدة الأراضي اللبنانية كافةً ضد اعتداءات الکيان الصهيوني، وبدعم من الرأي العام الذي يساند حق الحزب في الدفاع المشروع، لا يمكن أن تحمل أي هدف آخر سوى طعن القوات الدفاعية في الظهر، وإضعاف القدرة العسكرية للبنان في مواجهة الحرب.
يمكن وصف أقل ما يمكن أن يُقال عن "مؤتمر معراب 2"، بأنها محاولة فاشلة ثانية من زعيم حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، لقيادة "المعارضة"، لقد عُقد معراب 2 في ظل غياب ممثلي الطوائف السنية والشيعية والدروز، وغاب عنه أكثر من نصف المسيحيين، ومن بين 64 نائبًا مسلمًا، حضر واحد فقط الاجتماع.
في الواقع، لم تستقبل الغالبية العظمى من الكتل البرلمانية هذا الاجتماع بالترحاب، بل حتى الأحزاب المعارضة قاطعته، ويمكن إرجاع ذلك إلى وعي هذه الأحزاب، بدعم الرأي العام للمقاومة ضد اعتداءات الکيان الصهيوني.
على سبيل المثال، أدانت الحركة اللبنانية الديمقراطية - من القوى المعارضة - الهجمات الإسرائيلية على مقر قوات الأمم المتحدة (اليونيفيل) في بيان لها، حيث أكدت أن اجتماع معراب لم يرق إلى أهدافه، وتحوّل إلى لقاء بمشاركة ضئيلة ومحدودة تقتصر على حزب القوات اللبنانية ورئيسه سمير جعجع، وممثلي كتلته البرلمانية.
بدوره، اعتبر "حزب اللقاء الديمقراطي" أن سبب امتناعه عن المشاركة في اجتماع معراب، هو "مواقف رئيس حزب القوات، التي (لا تخلق) مشروع إنقاذ وطني، بل تزيد من التطرف والعزلة، وتغذي الانقسامات الطائفية".
حتى الشخصيات البارزة في المعارضة مثل فؤاد السنيورة لم تحضر هذا الاجتماع، ما يُظهر عدم التوازن الذي يعتري المعارضة، والذي كان واضحًا أيضًا في مؤتمر معراب 1، حيث باءت جميع الجهود لتقليص الفجوة بين قوى المعارضة بالفشل.
الفالانج؛ حصان طروادة الإسرائيلي
لا شك أن الظروف الراهنة، حيث تصطدم آلة الحرب الإسرائيلية بجدران صلبة من مقاومة حزب الله عند أبواب الحدود اللبنانية، دون أن تُظهر أي مبادرة جديدة في ساحة المعركة لإظهار إمكانية تحقيق النجاح في الحرب، تجعل من إشغال حزب الله بالتوترات السياسية الداخلية خدمةً لمصالح "إسرائيل".
ومن اللافت أن الكلمة المفتاحية التي يستخدمها جعجع وأتباعه في التأكيد على تنفيذ القرارين 1701 و1559، هي ذات الذريعة التي استند إليها الصهاينة في إشعال نيران الحرب.
تعود جذور التعاون بين حزب الكتائب (الفالانج) والكيان الصهيوني إلى فترة الاحتلال اللبناني، حيث اعتمدت القوات الإسرائيلية على جماعات وكيلة مثل الفالانج في عام 1982، وكذلك ما يُعرف بـ "جيش لبنان الجنوبي" (SLA) حتى عام 2000، والذي كان يتكون أساسًا من الموارنة الكاثوليك، وكانت كلتا المجموعتين من ألدّ أعداء المقاومين الفلسطينيين وحزب الله.
ومن بين الجرائم الكبرى الناتجة عن تعاون الفالانج مع الكيان الصهيوني، تأتي مجزرة آلاف اللاجئين الفلسطينيين في مخيمي صبرا وشاتيلا، والتي سُجلت في تاريخ لبنان كأحد الأيام السوداء.
وفي النهاية، تم حلّ جيش لبنان الجنوبي في عهد إيهود باراك، رئيس وزراء حزب العمل الإسرائيلي، في عام 2000، ومع ذلك، يبدو أن القادة الصهاينة قد أعادوا اعتبار جعجع وحزب القوات اللبنانية كحصان طروادة للتسلل إلى القلعة المنيعة للبنان، التي تحميها المقاومة.