الوقت - تتصدر الأحداث الأخيرة - من قصف الضاحية الجنوبية لبيروت، إلى حصار غزة المستمر، مروراً باستشهاد قيادات حزب الله، وصولاً إلى القصف الأخير لمواقع أنصار الله في ميناء الحديدة اليمني - عناوين الأخبار، ما يشير إلى توسع رقعة الإرهاب الصهيوني في المنطقة.
قد تثير القراءة الأولية لهذه التطورات قلقاً عميقاً، وتطرح تساؤلات ملحة: أين يكمن رد محور المقاومة في غرب آسيا؟ لماذا لم يقدم محور المقاومة رداً رادعاً على الاعتداءات الصهيونية المتكررة؟ والسؤال الأكثر إلحاحاً: هل استنفد محور المقاومة كل قدراته وإمكاناته في مواجهة اعتداءات الکيان الصهيوني؟
توقيت الرد على الصهاينة
لفهم أعمق لعدم انخراط محور المقاومة حتى الآن في مواجهة مباشرة رداً على اعتداءات تل أبيب، يجب التمعن في عنصري الزمان والمكان، فتوقيت الرد وطبيعته على الكيان الصهيوني يخضعان لحسابات استراتيجية دقيقة، تراعي المصالح الداخلية لمحور المقاومة وموازين القوى الإقليمية، وليس لرغبات الجبهة الصهيونية المعتدية أو توقعاتها.
في الوقت الراهن، يتمتع جيش الاحتلال الإسرائيلي بأعلى مستويات الجاهزية، مدعوماً بتحالف أمريكي-غربي واسع النطاق، استعداداً لخوض حرب شاملة، وفي المقابل، يُجمع الخبراء العسكريون على أن اللحظة المثلى لشن الهجوم، تكون عندما يكون الخصم في أدنى مستويات استعداده العسكري، وعليه، فإن الظرف الحالي، حيث يتأهب الخصم بكامل قواه، لا يمثّل الفرصة المواتية للدخول في مواجهة عسكرية شاملة.
وفي خضم هذه الأحداث، يتجلى بوضوح العنصر الذهبي للمفاجأة، ذلك السلاح الخفي الذي طالما شكّل نقطة تحول في مسار الحروب عبر التاريخ، وها هي التطورات الراهنة تكشف النقاب عن براعة فصائل المقاومة وإيران في توظيف هذا العنصر الاستراتيجي بمهارة فائقة، مستهدفين الرد على "إسرائيل" في لحظة غير متوقعة وغير محددة، سعياً لتحقيق أقصى قدر من المكاسب للمقاومة، وإلحاق أفدح الخسائر بالكيان الصهيوني المعتدي.
استمرارية حالة الترقب والقلق لدى الكيان الصهيوني
على الجانب الآخر، يعيش الكيان الصهيوني منذ أشهر في دوامة من الترقب والقلق، منتظراً بتوجس شديد رد محور المقاومة وإيران، وهذا الانتظار المضني قد أفضى إلى تداعيات جسيمة؛ فمن ناحية، تصاعدت تكاليف الأمن الداخلي في الأراضي المحتلة بشكل غير مسبوق، ومن ناحية أخرى، تسبب في إحداث موجة نزوح داخلي واسعة النطاق من المناطق الشمالية لـ "إسرائيل"، مدفوعةً بالخوف من رد حزب الله المرتقب، والذي يُتوقع أن يكون ساحقاً.
وحتى قبل استشهاد السيد حسن نصر الله، أقرت مصادر عبرية ورسمية في تل أبيب بنزوح ما يقارب نصف مليون شخص من المناطق الشمالية المتاخمة للبنان نحو المناطق الوسطى، وفي تطور لافت، أعلنت بلدية عكا في شمال فلسطين المحتلة قبل يومين، أن المدينة قد تحولت إلى ما يشبه مدينة أشباح، حيث لم يتبق فيها سوى عدد ضئيل من السكان.
والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح، هو هل نجحت العملية الإرهابية التي نفذها الکيان الصهيوني ضد السيد حسن نصر الله، في إعادة الأمن المفقود إلى المناطق الشمالية لـ "إسرائيل"؟
تشير كل المؤشرات إلى أنه في أعقاب اغتيال الأمين العام لحزب الله، لم تعد المناطق الشمالية وحدها في دائرة الخطر، بل امتد التهديد ليشمل كل الأراضي المحتلة، حيث باتت جميعها في مرمى نيران حزب الله المحتملة، وقد أدى ذلك إلى تفاقم حالة انعدام الأمن، وتغلغلها في أوساط المستوطنين بشكل غير مسبوق.
وفي ضوء هذه المعطيات، من المرجح أن نشهد في الأيام القادمة تصاعداً ملحوظاً في وتيرة الهجرة إلى خارج الكيان الصهيوني، ما قد يشكّل ضربةً قاصمةً لبنيته الديموغرافية والاقتصادية.
هل جميع خيارات محور المقاومة على الطاولة؟
إن من الأهمية بمكان الالتفات إلى مسألة جوهرية، ألا وهي أن فصائل المقاومة لم تستنفد بعد كامل قدراتها في مواجهة الكيان الصهيوني، وفي الحقيقة لم يتم طرح جميع خيارات المقاومة في المنطقة على طاولة المفاوضات بعد:
الصواريخ فائقة السرعة اليمنية: قام الجيش اليمني، بوصفه جزءًا من محور المقاومة، قبل أسبوعين بإطلاق صاروخ فائق السرعة وصل إلى مسافة 6 كيلومترات من تل أبيب، موجهًا بذلك رسالةً واضحةً إلى الکيان الإسرائيلي، مفادها بأنه إذا قرّر اليمن الدخول في حرب شاملة مع الصهاينة، فلن يبقى شيء من الأراضي المحتلة.
إن الصاروخ فائق السرعة الذي أُطلق من اليمن إلى عمق الأراضي المحتلة، يحمل اسم "فلسطين 2"، ويتمتع بمدى يصل إلى حوالي 2150 كيلومترًا، وبسرعة قصوى تبلغ حوالي 16 ماخ، يعمل هذا الصاروخ بالوقود الصلب، ووفقًا لتصريحات "يحيى سريع"، المتحدث باسم الجيش اليمني، فإن الصاروخ الذي تم إطلاقه نحو قلب "إسرائيل"، قد وصل إلى هدفه في غضون 11 دقيقة ونصف.
لقد أطلقت أنصار الله اليمنية على العملية التي أدت إلى إصابة الصاروخ فائق السرعة لعمق الأراضي المحتلة، اسم "يافا"، ويافا هي اسم منطقة تقع في وسط تل أبيب في قلب الأراضي المحتلة، ويشير اسم العملية إلى أن اليمنيين لا يترددون في استهداف وسط تل أبيب أيضًا.
خلال هذه العملية، عجزت الدفاعات الجوية للکيان الصهيوني عن التصدي الفعال للصاروخ اليمني فائق السرعة، وأدى إطلاق صواريخ الدفاع الجوي في سماء تل أبيب، إلى إلحاق أضرار وحرائق في عدة نقاط أخرى من المدينة.
والنقطة الجديرة بالاهتمام فيما يتعلق بهذا الصاروخ، هي قدرته على اختراق جميع أنظمة الدفاع الصاروخي الصهيونية مثل "حيتس" و"مقلاع داوود" و"القبة الحديدية"، وقد أظهر إطلاق هذا الصاروخ، أنه إذا قرّر محور المقاومة الدخول في حرب جدية مع الصهاينة، فإن الصواريخ اليمنية وحدها ستكون قادرةً على تدمير المدن الإسرائيلية.
في الأشهر القليلة الماضية، استخدم الجيش اليمني الصواريخ فائقة السرعة ضد "إسرائيل" مرةً واحدةً فقط، وفي حال دخول اليمن بشكل أكثر جديةً في حرب شاملة مع "إسرائيل"، فإن عشرات الصواريخ اليمنية فائقة السرعة ستسوي الأهداف الصهيونية بالأرض.
ترسانة حزب الله: الجدير بالتأمل أن مستوى انخراط حزب الله في النزاع المحتدم في قطاع غزة، قد اتسم بالحكمة والتروي حتى هذه اللحظة، مستهدفًا بشكل رئيسي إرساء وقف لإطلاق النار وكبح جماح "إسرائيل" عن مواصلة عدوانها وممارساتها الإبادية في قطاع غزة.
والحقيقة الجلية أن تنظيم حزب الله اللبناني لم يزجّ بكامل قوته في أتون المعركة ضد الکيان الإسرائيلي بعد، وإنما اقتصرت عملياته على إطلاق صواريخ محدودة استهدفت مواقع في الأراضي المحتلة، وذلك بغية إيقاف آلة الحرب الإسرائيلية في غزة.
وعليه، فمن المنطقي أن نتوقع أنه في حال قرّر حزب الله الانخراط الكامل في الحرب ضد "إسرائيل"، فإننا سنشهد تصعيدًا غير مسبوق وتحولًا جذريًا في طبيعة الصراع ضد الكيان الصهيوني، وما لا شك فيه أن التدخل الجاد والشامل لحزب الله في المعركة، سيؤدي إلى انقلاب موازين القوى في المنطقة ضد الصهاينة بشكل دراماتيكي.
وفي سياق متصل، أوردت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية في تقرير لها يوم الاثنين، استنادًا إلى مصادر موثوقة، أن حزب الله يعكف على إعداد رد فعل غير مسبوق في حدته وشموليته، مشيرةً إلى أن رد الحزب علی اغتيال السيد نصر الله، سيكون أشدّ ضراوةً وأعظم أثرًا مما شهدناه حتى الآن بمراحل.
وقد أكدت المصادر الاستخباراتية الإسرائيلية الداخلية صحة هذه المعلومات أيضًا، فقد كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، في تقريرها الصادر يوم الخميس الماضي، عن حقيقة مفادها بأن الضربات الإسرائيلية على لبنان، لا تنال من القدرة الصاروخية الهائلة لحزب الله، على توجيه ضربات استراتيجية مدمرة لعمق الكيان الصهيوني.
وأوضحت الصحيفة: "تشير التقديرات الاستخباراتية إلى أن حزب الله، وفقًا لحسابات استراتيجية معقدة، لم يوظّف حتى اللحظة سوى نسبة ضئيلة لا تتجاوز 10% من ترسانته الصاروخية الضخمة، وقدراته العسكرية الفائقة".
وأردفت "يديعوت أحرونوت" في تقييمها أن الأوساط الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، تجمع على أن حزب الله يعكف حاليًا على صياغة استراتيجية متكاملة للرد على العدوان الإسرائيلي، مؤكدةً أن هذه الردود ستكون غير مسبوقة في حجمها وتأثيرها الاستراتيجي، متجاوزةً بمراحل نطاق وشدة العمليات السابقة.