الوقت- منذ اليوم الأول للحرب على غزة وبالتوازي مع العدوان المتواصل بالطيران الحربي على قطاع غزة، يشن الاحتلال وداعموه حرباً على الإعلام والمحتوى الفلسطيني في جميع الاتجاهات، حتى بلغت حصيلة الشهداء من الصحفيين أرقاماً لم يشهدها تاريخ الحروب والأزمات من قبل في انتهاك صريح للقانون والأعراف الدولية، فالاستهداف الصهيوني لم يقتصر على الصحفيين في الميدان فحسب، بل حتى مقر وكالات أنباء عالمية ومكاتب شبكات تلفزة محلية عربية ودولية لم تسلم من القصف، أبرزها شبكة الجزيرة الإعلامية، والتي جاء آخرها اقتحام مكتب القناة الإخبارية في الضفة وإعطاء أوامر بإغلاقها لمدة 45 يوماً، وكانت قد أغلقت مكاتب القناة مسبقاً في القدس، بالإضافة لإصدار السلطات الإسرائيلية في الـ 13 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي قراراً بإغلاق مكاتب قناة "الميادين" اللبنانية وحظر عملها من الأراضي المحتلة؛ بتهمة "الإضرار بأمن إسرائيل".
جريمة وانتهاك للقانون
في أول رد فعل على اقتحام مكتب إعلامي بهذا الشكل، اعتبر المكتب الإعلامي الحكومي بغزة أن إغلاق الاحتلال مكتب الجزيرة برام الله ومنعها من العمل "قرار همجي وفضيحة للاحتلال"، وقال إنه "جريمة وانتهاك للقانون".
من الجدير بالذكر أن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تخوض نزاعا منذ فترة طويلة مع قناة الجزيرة، وقد تفاقم منذ اندلاع حرب غزة في أعقاب هجوم الـ 7 من تشرين الأول/أكتوبر الذي شنته حماس ضد كيان الاحتلال الإسرائيلي.
واتهم الجيش الإسرائيلي مرارا مراسلي الشبكة الإخبارية في غزة بأنهم “عملاء إرهابيون” يتبعون حماس أو حليفتها الجهاد الإسلامي، لكن الجزيرة تنفي اتهامات الحكومة الإسرائيلية وتؤكد أن كيان الاحتلال الإسرائيلي يستهدف العاملين لدى القناة في قطاع غزة بشكل ممنهج.
وقالت القناة في بيان إنها “تدين بشدة وتستنكر هذا العمل الإجرامي من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي”، معتبرة أن “اقتحام مكتب الشبكة ومصادرة معداتها ليس هجومًا على المؤسسة والعاملين فيها فحسب، بل يمثل إهانة لحرية الصحافة ومبادئ العمل الإعلامي”.
محاولات فاشلة لتشويه السردية الفلسطينية
أظهرت معركة الأقصى وما تلاها من عدوان همجي على قطاع غزة خلال الأشهر السابقة التّفوق الذي حققته السردية الفلسطينية مقابل النازية الصهيونية، والذي أثار انزعاج “الكيان”، حتى خرج زعيم المعارضة الصهيونية يائيرلابيد، محذراً من أن التغطية الإعلامية الموضوعية تضر “الكيان”، وقد ذهب لابيد إلى أبعد من ذلك، بمطالبة حكومات الغرب الحليفة للاحتلال “بتغطية أحادية الجانب باعتبارها السبيل الوحيد لجعل الناس يَصلون إلى الاستنتاجات التي تصب في مصلحة الكيان”.
وعلى الرغم من التحيّز الإعلامي الغربي الفاضح ـ بالأخص الأمريكي ـ لمصلحة العدوان الصهيوني، إلا أن السردية الفلسطينية قاومت رياح الأكاذيب ملتزمة بمبدأ مصداقية الخطاب وثباته، دون الانسياق إلى المبالغة، وهكذا بدأ إعلام المقاومة في الظهور ـ بمستويات عليا من الأداء ـ ما جعل صوت المقاومة مسموعًا، بل قادرا على قلب شروط اللعبة لمصلحته وهو ما أثار مخاوف لدى الغرب من إمكانية أن يتشكل لديها رأي عام جديد يصعب استدراجه مرة أخرى إلى دائرة التضليل.
وبالنسبة إلى الأيام الأولى من عملية “طوفان الأقصى”، التي أطلقتها المقاومة، كانت الرواية الإسرائيلية هي المهيمنة في الدوائر الإعلامية والسياسية والدبلوماسية الغربية، لكنها سريعاً ما تزحزحت لمصلحة السردية الفلسطينية التي بدأت تتفوق بشكل واضح، كما أن هول الجريمة الإسرائيلية كان له دور في تغيير نمط التناول الإعلامي، وربما إلى حد ما السياسي والدبلوماسي على المستوى الغربي، من خلال خروج أصوات ـ عبر منابر رسمية ـ تطالب الكيان الصهيوني بالخضوع للقانون الدولي.
إلى جانب ما تم ذكره، فإن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي غير التقليدية كأداة لنقل الوقائع والمعلومات بفعالية سمح للفلسطينيين بالوصول إلى منازل الناس في العالم الغربي، وقد أتاح لهم نقل الحقائق بوضوح، من خلال عرضها بالصوت والصورة، وكشف السردية الإسرائيلية المليئة بالأكاذيب والتضليل.
وقد تجاوزت هذه السردية الحدود القصوى إلى درجة أصبحت مصدرًا للسخرية، وأدرك الشباب، في الغرب بشكل خاص، مدى الفبركة والتلاعب اللذين اعتمدتهما وسائل الإعلام الموالية للاحتلال، وقد أدركوا أيضًا أن الكيان الصهيوني، بالتعاون مع دول أخرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا، لا يمكن أن يكون ضحية ـ وفق منطق إنسان غربي ـ بالقدر ذاته الذي تحاول هذه السردية إظهاره، ما دفعهم إلى التشكيك أولا، ثم محاولة معرفة الحقيقة من مصادر مختلفة، وصولا إلى التعبير عن التضامن مع القضية الفلسطينية بشكل أكبر.
كيف يتم خنق الإعلام الغربي في غزة
لا تسمح تل أبيب للصحفيين الأجانب بتغطية الحرب من داخل غزة وتفرض رقابة على تغطيتها من داخل الأراضي المحتلة فيما يثير منع وصول الصحافة المستقلة إلى منطقة حرب لفترة طويلة هو أمر خلق تساؤلات حول ما لا تريد أن يراه الصحفيون الدوليون.
في الأول من أبريل/نيسان الماضي، صادق الكنيست الإسرائيلي بأغلبية 71 مقابل معارضة 10 نواب على "اقتراح قانون منع هيئة بث أجنبية من المس بأمن الدولة".
ويُطلق على هذا القانون في الإعلام اسم "قانون الجزيرة"؛ لأنه صُمم أساسا لمنع بث القناة القطرية من داخل الأراضي المحتلة.
وقال الكنيست، حينها: إن القانون يختص بالحالات التي يقتنع فيها رئيس الحكومة بأن المحتوى الذي يتم بثه على قناة أجنبية، تبث في الأراضي المحتلة، "يلحق ضررا حقيقا بأمن الدولة".
وأوضح أنه "يحق لوزير الاتصالات، بموافقة رئيس الحكومة ومصادقة مجلس الوزراء، إصدار تعليمات حول اتباع الخطوات التالية: وقف بث القناة الأجنبية، وإغلاق مكاتبها، وإزالة موقع الإنترنت الخاص لها، في حال كان الخادم الذي تم تخزين الموقع عليه موجوداً في كيان الاحتلال الإسرائيلي.
دعم دولي
الدعم الغربي والأمريكي في هذه الحرب لم يقتصر على الجانب العسكري فحسب إلا أنه شمل دعم حملة التضليل الإسرائيلية والتي شارك فيها إعلام غربي ودولي، وقد تجاوز التضليل إلى ملاحقة وفصل صحفيين عبروا عن تعاطفهم مع المدنيين بقطاع غزة، كما حدث في قناة "بي بي سي" البريطانية التي أوقفت عدداً من موظفيها عن العمل بسبب إظهار تعاطفهم مع القضية الفلسطينية ورفض جرائم الاحتلال الصهيوني.
من جهتها شركة ميتا التي لم تبخل بأي جهد في التضييق على كل مستخدم لمواقع التواصل الاجتماعي مؤيد للقضية الفلسطينية من خلال حذف آلاف المنشورات على منصاتها المختلفة بالإضافة إلى حظر عدد من الأوسمة (الهاشتاغات) على منصة إنستغرام والتي كان أبرزها هاشتاغ طوفان الأقصى، إضافة إلى رصد الآلاف من المنشورات التحريضية العبرية (إسرائيلي) وبلغات أجنبية ضد الفلسطينيين، وصلت حد الدعوة إلى قتلهم وإبادتهم.
إلى جانب رسائل التهديد باللغة العبرية والتي كانت تصل في صندوق الرسائل الخاصة للمستخدمين للفلسطينيين بقطاع غزة والضفة الغربية، تهدد بالقتل المباشر والملاحقة.