الوقت - نحن الآن على أعتاب الذكرى السنوية الأولى للصراع في الأراضي المحتلة، وقد اعترف الصهاينة بأن مجريات الحرب تسير بشكل غير مواتٍ لهم، حيث تحولت حرب غزة، في واقع الأمر، إلى صراع استنزافي استمر لمدة عام كامل.
ورغم الوعود التي قطعها القادة العسكريون والسياسيون في الکيان بتحقيق نصر ساحق وتدمير كامل لمحور المقاومة، إلا أنه لا يبدو اليوم أي أثر للانتصار في غزة، فالاشتباكات مستمرة، ويتكبد جيش الکيان خسائر فادحة وأضراراً جسيمة.
کما تواصل حركة حماس كفاحها، وتجذب مقاتلين جدد إلى صفوفها، وتوزع المساعدات الإنسانية على سكان غزة، ما يعكس قدرتها على الحفاظ على سيطرتها الفعلية على القطاع.
آمیت یغور، الضابط الصهيوني، يصف وضع الحرب بعد عام من القتال قائلاً: "في نهاية عشرة أشهر من المعارك، يبدو أنه باستثناء الأضرار العسكرية التي لحقت بقدرات حماس، لم يتغير شيء بشكل أساسي في الوضع الاستراتيجي، مقارنةً بما كنا عليه في السابع من أكتوبر".
أما دانيال فريدمان، الأستاذ الصهيوني، فيصف الصراع المستمر منذ عام في الأراضي المحتلة بقوله: "تبين أن إسرائيل، على مدار ما يقرب من عام، لم تكن قادرةً على تفكيك منظمة عسكرية تسيطر على منطقة صغيرة، وتبدو عاجزةً أمام الدمار الهائل الذي لحق بالمناطق الشمالية، وكذلك أمام حقيقة أن عشرات الآلاف من الإسرائيليين قد أصبحوا نازحين في وطنهم".
وفي سياق الأهداف المعلنة للصراع في غزة، يكتب عيدو ديسنشك، الخبير الصهيوني: "يجب أن أقول إن جميع هذه الأهداف التي أعلنها المسؤولون لن تتحقق، لن يحدث انهيار لحماس، وفي أفضل الأحوال، ستصبح حماس أضعف".
لقد كانت العمليات التي نفذتها حماس في السابع من أكتوبر أكثر من مجرد حدث بارز، حيث أدت المعارك الشرسة التي خاضتها الجماعات الفلسطينية داخل قطاع غزة، إلى إبطاء تقدم جيش الکيان الصهيوني.
إن الإنجاز الوحيد الذي حققه الجيش الصهيوني في مواجهة الفلسطينيين، هو إحداث الدمار وارتكاب جرائم الإبادة بحقهم، حيث نفّذ الجيش الصهيوني عدة عمليات في مناطق مثل خان يونس، والشجاعية، والزيتون في غزة، وفي كل مرة يغادر فيها هذه المناطق، يتمكن مقاتلو المقاومة من السيطرة علی الوضع، فيضطر الصهاينة إلى إعادة عملياتهم من الصفر.
إن المسألة تكمن في أن جماعات المقاومة في غزة ليست بالهشاشة التي توقعها الصهاينة، وإن أسلوب قتالهم قد حوّل ساحة غزة إلى ميدان معقّد للغاية بالنسبة للجيش الصهيوني.
وقد أكد إيهود أولمرت، رئيس وزراء الکيان الصهيوني الأسبق، على أن شعار "النصر الكامل" الذي يتبناه الکيان في حرب غزة، هو شعار لا أساس له من الصحة، مشدداً على أنه "إذا كنا نرغب في إعادة الأسرى سالمين، فعلينا أن نوقف الحرب الآن".
بعد مرور عام كامل، لم يتحقق شعار "النصر الكامل" فحسب، بل إن قادة هذا الکيان أصبحوا مضطرين الآن للجلوس إلى طاولة المفاوضات مع المقاومة الفلسطينية، ما يحمل في طياته رسالةً واضحةً من الکيان الصهيوني مفادها بأن الهدف المعلن للحرب، المتمثل في "النصر الكامل"، هو هدف غير قابل للتحقيق.
ويقول إسحاق بيريك، الجنرال الصهيوني السابق: "في الوقت الراهن، إسرائيل تتجه نحو الزوال - حتى قبل بدء حرب إقليمية، إن الحرب الاستنزافية التي تستمر منذ ما يقرب من عام مع حماس في الجنوب ومع حزب الله في الشمال، تزيد من تفاقم الوضع في "إسرائيل"، لقد أُنهك الجيش البري حتى النخاع، وأصبح وضعه غير ملائم لاستمرار الحرب".
وعلى الساحة الدولية، لم تكن الأوضاع في مصلحة الصهاينة، إن الإدانة الدولية للکيان الصهيوني بسبب جرائم الحرب في المحافل الدولية، وخاصةً عن المحكمة الجنائية الدولية، تُعتبر ضربةً قاسيةً وغير قابلة للتعويض لسمعة هذا الکيان ومكانته في الساحة الدولية.
وفي ظل التحولات الجارية في النظام الدولي، نشهد تغييرات لا تصب في مصلحة الکيان الصهيوني، من بينها التراجع النسبي لقوة الولايات المتحدة، وتغير توجهات جزء كبير من المجتمع والمسؤولين الأمريكيين تجاه دعم الکيان الصهيوني وقضية فلسطين.
كما أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا، قد أسفرت عن نتائج سلبية على الصعيد العالمي للکيان الصهيوني، حيث أدت إلى تعزيز التعاون بين روسيا وإيران وكوريا الشمالية والصين، ما ساهم في اتخاذ مواقف معادية للصهيونية في التطورات الأخيرة بالمنطقة.
ويعتبر الخبراء والمحللون الصهاينة، أن سبب هذه الإخفاقات والهزائم يعود إلى بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرفة، ووفقاً لرأيهم، فإن نتنياهو وبقية المسؤولين يطيلون أمد هذه المعركة لمصالحهم الشخصية، وإن استمرار هذه الحرب لا يعود بأي فائدة على الكيان الصهيوني.
أما مامي بير، الخبير الصهيوني الناقد لنتنياهو، فيصف نتائج إدارة نتنياهو وحكومته بالقول: "أدت إدارة نتنياهو منذ الثامن من أكتوبر إلى مقتل أكثر من 700 جندي، وشرطي، وعنصر أمني ومدني، وتدمير المستوطنات في الشمال، وفقدان القدرة على الردع، وتحديد المعادلات من قبل العدو، وفقدان الفرصة لاستهداف حزب الله، وإدارة الأحداث من قبل العدو، وتراجعنا، وإطلاق 300 صاروخ من قبل إيران، وهجمات الحوثيين(أنصار الله) على إسرائيل، وإغلاق ميناء إيلات لمدة عشرة أشهر - ما ألحق ضرراً بالغاً بالتجارة وأثّر سلباً على الواردات والصادرات، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من النازحين في إسرائيل، والفشل في قضية العلاقات العامة وتحولنا إلى دولة متطرفة ومتشددة في نظر العالم، والصراع من أجل البقاء والكرامة، والهروب من المساءلة أمام وسائل الإعلام في أوقات الأزمات، وإظهار نرجسية مفرطة باستخدام ضمير الملكية: "أنا أمرت، أنا فعلت، أنا قلت" في الوقت الذي تحقق فيه قواتنا أي نجاح".
ويضيف: "نتيجةً لجهود نتنياهو، أصبحنا في المحكمة الدولية في لاهاي شعباً قاتلاً، وفرضت علينا عقوبات تسليحية من قبل أفضل أصدقائنا في الغرب، وتراجع تصنيف إسرائيل الائتماني، والاقتصاد في حالة انهيار، والعجز في الميزانية في تزايد، ونحن جالسون في منازلنا، بدلاً من اتخاذ إجراءات وقائية، ننتظر إيران لتضربنا في المكان والزمان الذي تختاره".
كما هو واضح، فإن الصراع في غزة والجبهة الشمالية قد أوصل المجتمع الصهيوني إلى حافة الهشاشة من حيث القدرة والمرونة، حيث باتت فئة واسعة من المستوطنين والصهاينة المقيمين في الأراضي المحتلة، بالإضافة إلى المحللين والخبراء والمسؤولين رفيعي المستوى، تطالب بإنهاء الحرب والتوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار، وهذا ما يتضح من المظاهرات الواسعة المناهضة للحكومة الصهيونية في الأراضي المحتلة.
يدرك الصهاينة تماماً أنهم عالقون في صراع استنزافي، وأن استمرار مثل هذا النزاع لن يعود عليهم بأي فائدة، وأن تحقيق "النصر الكامل" على حماس هو مجرد شعار غير قابل للتحقيق، كما أقر بذلك دانيال هاغاري، المتحدث باسم جيش الکيان الصهيوني.
إلا أن السؤال المطروح هو: إلى متى يمكن لحكومة هذا الکيان، بقيادة بنيامين نتنياهو، أن تمنع إنهاء الحرب وتستمر في القتال، بل وتوسّع نطاقه، من أجل الحفاظ على مصالحها الشخصية؟