الوقت- بعد مرور أحد عشر شهراً على حل حكومة عبدالعزيز بن حبتور، عهد مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى، الاثنين الماضي بتشكيل الحكومة الجديدة إلى أحمد غالب ناصر الرهوي، بحيث يمكن للحكومة اليمنية الجديدة أن تبدأ عملها بشعار "حكومة التغيير والبناء"، ومنذ ما يقرب من عام، وعد زعيم أنصار الله عبد الملك الحوثي بإجراء "تغييرات جوهرية" لإصلاح البنية السياسية ومحاربة الفساد من مخلفات الأنظمة والحكومات السابقة.
ولذلك فإن تشكيل الحكومة الجديدة أمر مهم ويمكن تحليله سواء من حيث التغييرات الكثيرة التي طرأت على تشكيلة الحكومة وعدد الوزارات، وأيضا بسبب وصول أول حكومة بعد توليها السلطة ووقف إطلاق النار مع المملكة العربية السعودية في أبريل 2022 ووقف الحرب المستمرة منذ 7 سنوات في هذا البلد.
إن استهداف إجراء إصلاحات جوهرية من خلال مكافحة الفساد في الحكومة واختيار الوزراء على أساس الكفاءة والجدارة، أدى إلى قرار تقليص الحكومة من خلال دمج الوزارات، وخاصة أنه على الرغم من الإطاحة بالديكتاتورية السابقة، إلا أن الهيكل الإداري لا يزال مليئا بالوظائف والعناصر التي يعملون على إحباط الإصلاح وعرقلته وتدميره.
وفي عملية يبدو أنها تهدف إلى تبسيط الحكومة والحد من البيروقراطية الإدارية، ستضم الحكومة الجديدة 19 وزارة، وهو ما يظهر انخفاضا بنحو 34% في عدد الوزراء مقارنة بـ 29 وزارة في الحكومة السابقة، كما انخفض عدد نواب رئيس الوزراء من 5 أشخاص في الحكومة السابقة إلى 3 أشخاص، وفي المقابل، كان وصول شخصيات جديدة وشابة ونخبوية إلى الحكومة جريئاً للغاية، بحيث لم يحدث تغيير في الوزراء إلا في الوزارات الأمنية والعسكرية.
وبقي من الحكومة السابقة، اللواء عبد الكريم الحوثي وزيرا للداخلية، واللواء محمد ناصر العطافي وزيرا للدفاع، واللواء جلال الرويشان نائبا لرئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن، وهو ما يدل على أن اليمن لديه مشكلة في قطاع الأمن والدفاع ولهذا فقد رأى مشكلته وتحديه الأساسي في تنظيم الشؤون الاقتصادية وتحقيق الاكتفاء الذاتي والتعامل مع الصحة والتعليم وباقي القطاعات، وخاصة عند النظر إلى العقوبات الخارجية واسعة النطاق المفروضة على هذا البلد.
في هذه الأثناء تم اختيار أغلب الوزراء الجدد من شخصيات جديدة لم يسبق لها أن شغلت مناصب وزارية من قبل، مثل إعطاء منصب وزير الإعلام لصحفي معروف يدعى هاشم شرف الدين، أو تسليم المنصب المهم جداً في وزارة الخارجية التي كان يشغلها في السابق هشام شرف زعيم حزب المؤتمر الشعبي، إلى صحفي آخر يدعى جمال عامر، كان رئيس تحرير صحيفة الوسط الأسبوعية.
إن أنصار الله، بصفتها الإدارة السياسية لليمن، لكي تظهر أنها تعمل بشكل حاسم للغاية في تنفيذ الإصلاحات الأساسية وإجراء التغييرات التي يطلبها الشعب لم تأخذ في الاعتبار أي معايير أخرى غير الكفاءة والجدارة في ترتيب مجلس الوزراء، حتى الشخصيات المنسوبة إلى زعيم هذه الجماعة الذين كانوا أعضاء في الحكومة السابقة، ومن بينهم الاستاذ يحيي الحوثي الذي كان وزيراً للتربية والتعليم في الحكومة السابقة.
لكن الموضوع الثاني الأهم في طريق تشكيل الحكومة الجديدة هو سعي أنصار الله لتشكيل حكومة وطنية شاملة بمشاركة حقيقية للتيارات السياسية الموجودة في الساحة الوطنية.
الدليل الأول هو استمرار تعاون أنصار الله الوثيق مع حزب المؤتمر الشعبي العام (المؤتمر) في الحكومة الجديدة، وفي نهاية سبتمبر/أيلول 2023، صوت المجلس السياسي اليمني على حل الحكومة التي يرأسها بن حبتور، السياسي الجنوبي العضو في حزب المؤتمر، والآن أحمد ناصر الرهوي الذي ينتمي أيضاً إلى حزب المؤتمر العام في اليمن، حيث تولى مسؤولية مجلس الوزراء.
ومن الأدلة الأخرى على اهتمام أنصار الله بشمولية الحكومة اختيار أعضاء مجلس الوزراء من مناطق مختلفة في اليمن وحتى المحافظات الجنوبية، التي هي في الواقع جزء من هذه المحافظات، مثل عدن وحضرموت ومأرب والمهرة والتي تقبع تحت سيطرة الانفصاليين التابعين للسعودية والإمارات.
تجدر الإشارة إلى أن أحمد ناصر الرهوي المولود في محافظة أبين ويعتبر من القيادات الجنوبية، حل محل الدكتور عبد العزيز بن حبتور الذي كان سياسيا من شبوة جنوب اليمن ومحافظا لمدينة عدن في اليمن 2015.
إن النظرة القومية والشاملة في تشكيل الحكومة من قبل أنصار الله مهمة للغاية، وبينما اشتكى سكان المناطق الجنوبية مرارًا وتكرارًا في الأشهر الأخيرة واحتجوا على الظروف الاقتصادية غير المواتية ووجود الفساد والتدخل الأجنبي وتبعية الدولة، وتظهر القوى السياسية الموجودة في حكومة عدن أن أنصار الله، مثلما دافعت عن وحدة أراضي البلاد ضد العدوان الأجنبي خلال 8 سنوات من الحرب، تهتم الآن بحل مشاكل كل الشعب اليمني بغض النظر عن دينه أو قبيلته أو توجهه السياسي.
ومن المؤكد أن ذلك سيساعد في تحييد الدعاية الكاذبة ضد أنصار الله، مثل الاحتكار والطائفية للحكومة، فضلا عن زيادة نفوذ ومصداقية أنصار الله في كامل جغرافية اليمن، وخاصة أن أبناء المناطق الجنوبية يشهدون أنه على الرغم من سيطرتهم على غالبية عائدات النفط والغاز والموانئ اليمنية من قبل حكومة عدن، لكن حكومة صنعاء كانت أكثر قدرة على السيطرة على الأوضاع المعيشية للشعب وأمن المدن واستقرار سعر الصرف.