الوقت- في عمل إجرامي، هاجم الجيش الصهيوني، مخيم المواصي بخان يونس، وأعلن كيان الاحتلال نيته من هذا الهجوم وهي اغتيال قائد كتائب القسام (الجناح العسكري لحركة حماس) محمد الضيف، رغم أن هذا الاغتيال لم ينجح، حسب ما أفادت قناة "الميادين لبنان" نقلا عن مصادر موثوقة، وكانت النتيجة قتل الأبرياء، بمن فيهم النساء والأطفال، في مخيم اللاجئين هذا.
وأعلنت قناة الجزيرة الإخبارية أمس أن 71 شخصا استشهدوا وأصيب أكثر من 450 مواطنا عاديا في قصف الطيران الصهيوني على مخيم اللاجئين في خان يونس، كما أعلن موقع عبري في تقرير له أن "إسرائيل" استهدفت هذا المكان بصاروخين أمريكيين من طراز "mk84"، وكانت النية الأساسية للكيان هي اغتيال قائد كتائب القسام محمد الضيف، ونائبه سلامة الذي يتمتع بصحة جيدة، كما نفت حركة حماس في بيان لها اغتيال قائدها.
ولكن من هو محمد الضيف الذي تبحث عنه "إسرائيل" منذ سنوات من بيت إلى بيت، والذي اغتاله الكيان الصهيوني 6 مرات، لكنه نجا في كل مرة؟ وفي هذا الصدد قال الموج بوكر مراسل القناة 13 التابعة للكيان الصهيوني في تقريره أمس: "إذا نجا محمد ضيف من القنابل التي ألقيت اليوم على خان يونس فلن يموت مرة أخرى".
بالنسبة للفلسطينيين، فهو مثل القصص الأسطورية، ويعتقد أهل غزة وفلسطين أنه يقاتل منذ أكثر من 3 عقود، ويتنقل من بيت إلى بيت ويخطط لكل عملية عسكرية بذكاء، ولقد أطلقوا عليه اسم "الضيف" أي الشخص الذي يزور البيوت في منازلهم، ويروي عنه أهل غزة قصصاً غريبة وغير عادية، يعتقد البعض أن الضيف يبقى في المنزل نفسه لمدة ليلتين ويغير مكانه في كل مرة، ومن الشائع في غزة أنه لا يستخدم أبدا الأجهزة الإلكترونية، ومثل أستاذه يحيى عياش، فقد أزعج الإسرائيليين.
وتمكن "محمد دياب إبراهيم المصري" المعروف بمحمد ضيف، والذي يعرف أيضا باسم "أبو خالد" بين قوات حماس، من الفرار 6 مرات على الأقل منذ عام 1998 من محاولة اغتيال للجيش الإسرائيلي، وفي الوقت نفسه، في عام 2014، استشهدت زوجته وطفله البالغ من العمر 6 أشهر على يد سلاح الجو الإسرائيلي، بعض وسائل الإعلام العبرية جعلت منه شخصية أسطورية، ويعتقدون أنه فقد ذراعه وساقه في عملية اغتيال الضيف الأخيرة، لكن الصور التي نشرت بعد عملية طوفان الأقصى تؤكد عكس هذا الخبر.
ويقول الإسرائيليون عنه إنه لم ينم في أي منزل أكثر من مرة ولم يبق في أي مكان بشكل دائم، وأطلق عليه الإسرائيليون لقب "رجل الموت" لأنه نجا من 6 محاولات اغتيال!، وكان أول اغتيال لمحمد الضيف في عام 2002، وفي عام 2003، وقعت عملية الاغتيال الثانية لمحمد الضيف، وفي عام 2006، تم أيضاً تنفيذ عملية اغتيال ثالثة، لكنها باءت بالفشل مرة أخرى، كان عام 2014 ذروة العملية ضد الضيف، حيث تم الهجوم على منزله في حي الشيخ رضوان، لكن الضيف لم يكن في المبنى واستشهد ابنه وزوجته.
لكن اسم الضيف أصبح عالميًا عندما صدر أول صوت له على شكل صورة ثابتة بعد عملية طوفان الأقصى، وأعلن في هذا الفيلم عن عملية اقتحام الأقصى وقال في جزء منه: "ابدؤوا الزحف نحو فلسطين، ليس غداً، بل الآن ولا تدعوا أي قيود أو حدود أو عسكري تمنعكم من ذلك.. لنا شرف المشاركة في تحرير المسجد الأقصى"، وانضم محمد الضيف إلى حماس عام 1989 ومقاتلي كتائب عز الدين القسام عام 1993، وكان محمد الضيف من المقربين من يحيى عياش، وبعد استشهاد صلاح مصطفى عام 2002، تم تعيينه قائداً لهذه الكتيبة، وتعتبره "إسرائيل" أحد مخططي الهجمات الانتحارية الفلسطينية ضد الإسرائيليين منذ عام 1996.
والضيف هو أيضاً أحد المصممين الثلاثة الرئيسيين لصواريخ القسام، وكان رهن الاعتقال من قبل السلطة الفلسطينية من مايو 2000 إلى أبريل 2001، إن حفر شبكة من الأنفاق تحت الأرض في غزة هو أحد أعمال محمد الضيف الأخرى، ويُعتقد أن الضيف نفسه يقضي معظم وقته في هذه الأنفاق هربا من هجمات الجيش الإسرائيلي ويقود العمليات العسكرية لحركة حماس من هناك.
ومن أجمل أقوال محمد الضيف عن عملية طوفان الأقصى، عندما خاطب أهل الضفة الغربية: "اليوم (بداية عملية الاقتحام) من معه سلاح فليخرجه... لقد حان الوقت ليخرج كل واحد منكم من شاحنته أو سيارته ليفتح التاريخ ألمع وأنبل صفحاته".
كما أن الضيف لديه أيضًا لقب غريب، ويطلق عليه الإسرائيليون لقب "الرجل في الظل"، وقبل سنوات، ذكرت قناة الجزيرة بعض النقاط المثيرة للاهتمام في تقرير لها عن صفات الضيف الإدارية والقيادية، أولاً، يعتبر الضيف زعيماً يتمتع بشخصية كاريزمية لجميع الفلسطينيين، إنه الشخص الذي يبحث عنه الشعب الفلسطيني منذ سنوات، وبعد تنحي ياسر عرفات عن هذا المنصب الرفيع في مقاومة الشعب الفلسطيني، كان شعب هذا البلد يبحث عن من يدافع عنه ببطولة، ولذلك فإن أول سماته هي أن يتمتع بالكاريزما.
السمة الرئيسية الثانية للضيف هي قوة القيادة وكذلك تصميم العمليات، وبعد يحيى عياش، صمم الضيف العديد من العمليات الكبيرة والصغيرة ضد "إسرائيل"، أبرزها وأثقلها عملية اقتحام الأقصى، التي كانت معقدة للغاية وكبيرة من حيث العمليات والأمن، لقد كانت عملية طوفان الأقصى مؤلمة للغاية بالنسبة للإسرائيليين لدرجة أن ليفنسون، كبير محللي صحيفة هآرتس، كتب: "إذا تمكنت إسرائيل من القبض على محمد الضيف أو اغتالته، فلن يحدث شيء بشأن فشل عملية طوفان الأقصى، لأنه أوجز العملية ووضع أسس هدم إسرائيل".
وفي تقرير عن محمد الضيف، يقول الموساد: إنه قائد الظل، أو كما تقول أجهزة التجسس التابعة لهذا الكيان، إنه الشبح الدائم لـ"إسرائيل"، ويقول من عرفوه في شبابه إنه رجل يتمتع بذكاء كبير وقوة وإحساس عالٍ بالأمان وقدرة كبيرة على الاختباء إذا أراد، بالإضافة إلى القدرة على التخطيط والسيطرة والتواصل، وحسب صحيفة فايننشال تايمز، فقد خطط لسلسلة من العمليات الاستشهادية قبل عملية طوفان الأقصى، ومن أفضل النماذج لهذا التصميم كان في تل أبيب عام 1997، ما أدى إلى مقتل العديد من الصهاينة.
أحد مشاريع محمد الضيف الأخرى، التي ركز عليها شخصيا، هو بناء نفق في قطاع غزة، وكان الضيف، الذي كانت تربطه علاقة جيدة ووثيقة بالشهيد عماد مغنية، بنى العديد من الأنفاق في غزة بنصيحته هو والشهيد سليماني، واستمر بناء هذه الأنفاق لمدة 10 سنوات، وكانت هذه الأنفاق اللولبية في غزة إحدى عجائب عملية اقتحام الأقصى.
وفي جزء من رسالته يوم عملية طوفان الأقصى قال: "الإخوة الأعزاء في المقاومة الإسلامية في لبنان واليمن وإيران والعراق وسوريا.. اليوم هو اليوم الذي ترتبط فيه مقاومتكم بمقاومة إخوانكم في فلسطين، ليفهم العدو الجاهل أن زمن قتل العرب وقتل القادة والعلماء قد ولى، لقد انتهى زمن نهب ثرواتكم على يد الصهاينة، لقد ولى زمن القصف اليومي على سوريا والعراق، لقد ولى زمن الذين أغمضوا أعينهم عن الانقسام بين الأمة الإسلامية وحدوث الحرب الأهلية، لقد حان الوقت لتتكاتف كل القوى العربية والإسلامية لتنظيف المقدسات الإسلامية وأرض فلسطين من دنس المحتلين".
لكن حياته الشخصية مثيرة للاهتمام وبطولية أيضًا بالنسبة للفلسطينيين، فقد كان الضيف ممثلاً مسرحياً قبل دخوله إلى مجلس الجرجا القتالي ولقد أسس أول فرقة فنية إسلامية في غزة.
بالأمس، عندما حاولت "إسرائيل" اغتياله في خان يونس، كانت لديه رسالة فريدة للفلسطينيين، ولد الضيف في خان يونس ونشأ في هذه المدينة، وإذا كان على حق بشأن الإسرائيليين، فهو يقاتل ضد "إسرائيل" حتى الآن في أحيائه، ومن السمات المهمة الأخرى لمحمد الضيف تعاونه مع "صلاح شحادة" القائد الشهيد الفلسطيني في تحديث سلاح المقاومة، والآن تمتلك حماس آلاف الصواريخ والطائرات دون طيار والأسلحة التي تمكنت من استخدامها في عملية اقتحام الأقصى، وبعد 9 أشهر من الصراع العسكري المفتوح، تستخدم هذه المرافق، لقد تغلغل في قلوب الفلسطينيين لدرجة أنه بعد أحداث حي الشيخ جراح، عندما بدأت عملية "السيف المقدس"، في أحياء القدس والضفة الغربية، هتف الناس: "كلنا جنود ورجال جيش محمد الضيف".
نعم! لقد أصبح الآن بطلاً كاملاً للفلسطينيين، الشخص الذي ذكره الشهيد سليماني في رسالة كتبها له قبل أشهر قليلة من استشهاده: "نأمل أن يمنحنا الله فرصة أن نكون معكم ويحقق لنا أمنيتنا؛ الشهادة من أجل قضية فلسطين"، وهو الآن الشهيد الحي للفلسطينيين، وهو المسؤول عن طوفان الاقصى.
