الوقت- بعد حرب التجويع تتجه السياسة الصهيونية باتجاه حرب التعطيش لعل وعسى أن تتمكن من كسر صمود أهل غزة ضمن حرب الإبادة الجماعية التي تنتهجها حكومة الكيان منذ بدأ العدوان على غزة وأهلها من خلال التسبب عمداً في إهلاك أكثر من 2 مليون نسمة.
من الجدير بالذكر أنه وبعد 48 ساعة فقط على عملية طوفان الأقصى، ظهر جنود إسرائيليون في مقطع مصور يقطعون إمدادات المياه القادمة من الأراضي المحتلة"إسرائيل" إلى قطاع غزة، ومنذ ذلك الوقت توقفت جميع محطات تحلية مياه الشرب عن العمل بشكل كامل في القطاع، نتيجة انقطاع الكهرباء ونفاد كميات الوقود، وصارعت عدد من المحطات للبقاء قيد الخدمة حتى الأسابيع الأولى من العدوان، عبر تقليص ساعات العمل وتقنين البيع لأعداد أقل من السكان، لكن انقطاع إمدادات الوقود أدى في نهاية المطاف إلى خروجها عن الخدمة.
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق كيف يبدو واقع المياه في القطاع اليوم؟ وكيف يحصل عليها السكان في ظل موجات ارتفاع درجات الحرارة؟
سلاح فتاك في حرب الإبادة
أدى العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة وقطع كل إمدادات المياه والكهرباء والوقود والقصف التدميري، إلى انهيار حصة الفرد من المياه يوميا، حيث وصلت إلى أقل من 3 لترات مقارنة بـ26.8 لترا يوميا قبل العدوان، وذلك نتيجة انخفاض قدرة إنتاج المياه بنسبة 95%.
ويشهد القطاع حرب تعطيش حقيقية في ظل انعدام القدرة على تشغيل محطات التحلية، وخروج العديد من آبار البلديات عن الخدمة بسبب انقطاع الكهرباء وعدم توافر الوقود، مع نزوح أكثر من مليون شخص نحو الجنوب وتكدس أعداد كبيرة من الناس في المدارس ومراكز الإيواء.
فيما اتجه العديد من مواطني جنوب قطاع غزة لتعبئة المياه من البحر، والسير بها لمسافات طويلة نحو بيوتهم، لاستخدامها في دورات المياه، والغسيل والاستحمام، في حين يحاول آخرون تحليتها عبر التبخير باستخدام نار الحطب، إلا أن هذه المحاولات لم تحقق حتى الآن نتائج ملموسة.
شح المياه يخلق كارثة حتمية
بات نقص مياه الشرب في قطاع غزة مسألة حياة أو موت، في وقت يجبر السكان على استخدام مياه ملوثة أو غير نظيفة من الآبار وتتواصل الهجمات العسكرية ومنع إمدادات الغذاء والماء والوقود وغيرها من الاحتياجات الإنسانية الأساسية، ما دفع الأورومتوسطي للتحذير من توابع المشكلة ونبه إلى أن الإفراط في تناول الماء المالح غير الصالح للشرب، إلى جانب تسببه بأمراض المعدة والنزلات المعوية والقيء والإسهال المستمرين، يسبب زيادة ضغط الدم وأمراض الكلى واحتمال الإصابة بالسكتة الدماغية، ما يؤدي في النهاية إلى الجفاف المفرط لأنسجة الجسم.
وأعاد المرصد الأورومتوسطي التذكير بأن القانون الإنساني الدولي يحظر مهاجمة أو تدمير أو تعطيل الأعيان والمنشآت التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين، بما يشمل مرافق مياه الشرب وشبكاتها، كما ويحظر وبشكل صارم استخدام التجويع كوسيلة من وسائل الحرب أو الإجبار على النزوح، واعتبارها انتهاكًا جسيمًا وعقابًا جماعيًا محظورًا، ويشكل كذلك مخالفة للالتزامات المترتبة على عاتق الاحتلال، بصفتها السلطة القائمة بالاحتلال للأرض الفلسطينية، بما يشمل قطاع غزة، وخرقًا لواجباتها وفقًا للقانون الإنساني الدولي بتوفير احتياجات سكان غزة وحمايتهم.
ويذكر المرصد أن الحرمان الشديد والمتواصل للسكان المدنيين في قطاع غزة من المياه الصالحة للشرب وبالكميات الكافية، يعتبر شكلاً من أشكال جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها "إسرائيل" ضدهم منذ السابع من أكتوبر / تشرين أول من العام الماضي، كل هذه البيانات والأدلة تُثبت أن الاحتلال يستخدم التعطيش سلاحًا فتّاكًا في حرب الإبادة على غزة.
حرب التعطيش ليست وليدة اليوم
سمعنا جميعًا عن الصراع المستمر منذ عقود بين “إسرائيل” والفلسطينيين على الأرض، لكن هناك معركة أخرى مستمرة، وهي المعركة على المياه التي تقول جماعات حقوق المياه إن “إسرائيل” تستخدمها للسيطرة على الفلسطينيين وتجريدهم من أراضيهم.
تعود جذور أزمة المياه إلى نكبة 1948، وتفاقمت بعد توقيع اتفاق أوسلو عام 1993 الذي أرجأ حسم ملف المياه إلى قضايا الحل النهائي، حسب ما أوردت المادة 40 من الملحق الثالث للبروتوكول الخاص بالشؤون المدنية، والذي لم ينفذ، وخلال العقود الماضية سيطر الاحتلال على مصادر المياه الفلسطينية، وأبرزها الأحواض المائية، وتحديداً الحوض المائي الغربي الذي يشكل أكثر من نصف مخزون المياه في الضفة، ويضم أربعة آلاف نبع في مناطق جنوب القدس وبيت لحم وشمال الخليل، كما حرم الاحتلال الفلسطينيين من الحصول على مصادر جديدة للمياه، حتى أصبح المصدر الأساسي للمياه.
وتفوق حاجة مدينة الخليل 40 ألف كوب ماء يومياً، لكن حصتها الفعلية لم تكن تتجاوز 22 ألف كوب، وبعد القرار الإسرائيلي الأخير، لا يوجد رقم ثابت حيث تتراوح الكميات التي تصل يومياً بين 10 و15 ألف كوب، حسب ما توضح نائبة رئيس بلدية الخليل، "تزداد المخاوف حالياً من احتمال انقطاع المياه بالكامل، ولا سيما أن البلدية لم تعد قادرة على نشر خطة توزيع المياه شهرياً أو نصف شهري، لأنها باتت رهينة وصول كميات مياه غير محددة مسبقاً".
وفي غزة، لا يمكن لمصدر المياه العذبة الوحيد في غزة، وهي طبقة المياه الجوفية الساحلية الممثَّلة في الحوض الجوفي الساحلي الممتد على طول الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط من “إسرائيل” عبر غزة إلى مصر، تلبية الطلب المتزايد لأكثر من مليوني شخص يستغلون جزءًا بسيطًا منها، بينما يستغل الإسرائيليون الجزء الأكبر.
ومنذ بداية الحرب الجارية، بدا أن حرمان غزة من المياه أسلوبًا ممنهجًا، فوفقًا لتقرير صادر عن اليونيسيف في الـ17 من أكتوبر/ تشرين الأول، كان إنتاج المياه في غزة يبلغ 5% فقط من مستوياته الطبيعية في تلك المرحلة.
ولم يستأنف الاحتلال منذ ذلك الحين ضخّ المياه عبر الأنابيب إلى جنوب القطاع المكتظّ بالسكان، في حين دخلت بعض المياه عبر المعابر، لكنها لم تصل إلى الجميع، ولم تكفِ لتلبية احتياجات السكان، ما يتطلب من الكثيرين الاعتماد على إمدادات المياه المحلية الخاضعة في الأساس لسيطرة الاحتلال.