الوقت - تعرضت المحكمة الاتحادية العليا في العراق مؤخراً لهجوم من قبل التيارين الكردي والسني العراقيين، وأصبحت أحكام هذه المحكمة مثيرةً للجدل، عندما أمرت بإقالة محمد الحلبوسي رئيس مجلس النواب السابق.
إن أحكاماً مثل منع هوشيار زيباري وزير الخارجية الأسبق من الترشح للرئاسة، ومنع صادرات النفط من إقليم كردستان، وتأميم عائدات إقليم كردستان، والتدخل المباشر في الانتخابات البرلمانية لكردستان العراق، زادت من الجدل حول هذه المحكمة.
وتسببت الاحتجاجات على الأحكام الصادرة عن المحكمة الاتحادية العراقية، في قيام محكمة أخرى تابعة لمجلس القضاء الأعلى في العراق، بإصدار حكم مفصل من 5 صفحات.
ورداً على أحكام المحكمة الاتحادية، شبّهها مسرور بارزاني، رئيس وزراء إقليم كردستان العراق، بـ"محكمة الثورة"، وأنشئت محكمة الثورة تحت إشراف المجلس الثوري، بعد انقلاب أحمد حسن البكر وصدام حسين.
وكانت المحكمة الثورية في نظام البعث، بمثابة أداة في يد المجلس الثوري، وفي عهد البعث، كلما شعر صدام حسين أن الوقت قد حان للقضاء على معارضيه، استخدم أحكام هذه المحكمة لإصدار حكم الإعدام.
وبعد اتفاق حكومة إقليم كردستان مع حكومة بغداد على تغيير أحكام المحكمة الاتحادية، غيرت حكومة الإقليم موقفها تجاه المحكمة الاتحادية، حتى الآن، كانت أحكام المحكمة الاتحادية قد لاقت انتقادات من قبل بعض أعضاء البيوت الشيعية والسنية والكردية، إلى أن أصدرت محكمة الاستئناف حكماً ينتقد سلطة المحكمة الاتحادية.
تتعلق القضية الأساسية لهذا الحكم، بشكوى قاضي إحدى مناطق محافظة صلاح الدين يدعی "علي بنيان كحيط" الذي طلب الاستعلام عن التقاعد من رئيس مجلس القضاء الأعلى، ووفقاً لقانون التقاعد العراقي، يستحق الشخص الذي أكمل 30 سنة من الخدمة، الحصول على المعاش التقاعدي.
الشخص المذكور يعمل قاضياً منذ عام 2006 وكان قبل ذلك محامياً، وتبلغ مدة خدمته الإجمالية أكثر من 30 عاماً، وقضت المحكمة الاتحادية بعدم حقه في الحصول على معاش تقاعدي، لأنها تعتبر الخدمة القانونية منفصلةً عن القضاء.
ولا يعتبر الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف، أن هذا النوع من القضايا يقع ضمن اختصاص المحكمة الاتحادية، وليس لهذا الحكم أي ضمانة قانونية، لكنه يدقّ ناقوس الخطر للمحكمة العليا في العراق.
الهيكلية القضائية للمحكمة الاتحادية ومجلس القضاء الأعلى العراقي في الدستور
لا يقتصر الهيكل القضائي في العراق على فرع واحد فقط (السلطة القضائية)، حيث ينقسم الهيكل القضائي في الدستور العراقي إلى قسمين: مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية العليا.
تتمثل واجبات المحكمة الفيدرالية في الغالب في الإشراف وحل المشكلات، وموازنة المحكمة الاتحادية منفصلة عن مجلس القضاء الأعلى، ويتم انتخاب أعضائها الذين يضمون عدداً من القضاة ذوي الخبرة من قبل البرلمان العراقي، ويتحملون واجبات مثل الإشراف على الدستور وتفسيره والتأكيد النهائي لنتائج الانتخابات، وهناك واجبات أخرى لهذه المحكمة.
وتحدد واجبات مجلس القضاء الأعلى في المحاكم العراقية من إدارة شؤون القضاء، وتقديم المرشحين للنائب العام، ورئيس وأعضاء محكمة الاستئناف، ورئيس هيئة الرقابة إلى مجلس النواب، إضافة إلى مهام أخرى لهذا المجلس، وفي الواقع، المحكمة الاتحادية لها دور سياسي في الغالب، ومجلس القضاء الأعلى يلعب دوراً قانونياً.
صياغة قانون المحكمة الاتحادية
اختصاصات المحكمة الاتحادية العراقية مفصلة في الدستور، لكنه لا يذكر بالتفصيل ما هي القضايا التي ليس لها اختصاص فيها، وأدرج محمد شياع السوداني صياغة قانون المحكمة الاتحادية في ملف، ورفعه إلى البرلمان للتقييم والموافقة.
وتسعى حكومة السوداني إلى التوصل إلى تفاهم شامل مع الأطراف السياسية، لجعل المحكمة الاتحادية تابعةً لمجلس القضاء الأعلى في الخطوة الأولى، وفي الخطوات التالية جعل مجلس القضاء الأعلى أعلى هيئة قضائية في العراق، وهذا في وضعٍ لا يكون فيه قانون اختصاصات المحكمة الفيدرالية قريبًا حتی من مرحلة الموافقة عليه.
وفي الأعوام 2008 و2011 و2015، حاولت حكومات العراق آنذاك تحديد اختصاص المحكمة الاتحادية، لكن بسبب الخلافات السياسية، لم تحقق نتيجةً إيجابيةً، وإن تحديد وتقييد اختصاص المحكمة الفيدرالية من خلال مشروع قانون تنظمه الحكومة، يجب أن يكون بطريقة لا تؤدي إلى تغيير في الدستور، ولذلك، ينبغي إقرار هذا الموضوع بما لا يوفر متطلبات تغيير الدستور.
واجب رئيس الجمهورية وحماية الدستور
وفقاً لدستور العراق، فإن رئيس هذا البلد لديه واجب حماية الدستور، وإذا اتفق رئيس وزراء العراق والتيارات السياسية الأخرى على تحديد قانون المحكمة الاتحادية، فإن الاختصاص الكامل للمحكمة الاتحادية سيكون موضع تساؤل، ولهذا السبب، فإن دور عبد اللطيف رشيد، رئيس العراق، بارز جداً في هذه القضية.
وإذا قرّر الرئيس أن الأحكام الأخيرة للمحكمة الاتحادية تشكّل انتهاكاً للاختصاص القضائي، فمن المتوقع أن تكون عملية صياغة قانون تحديد اختصاص المحكمة الاتحادية قد بدأت.
وبالنظر إلى مكانة المحكمة الاتحادية في الدستور العراقي، فإن كل حكم تصدره يثير جدلاً بين السياسيين والخبراء ووسائل الإعلام، والتأثير الأكبر لحكم محكمة الاستئناف على المدى القصير، والذي يشكّك في اختصاص المحكمة الاتحادية لأول مرة، هو على رئاسة البرلمان العراقي، التي ظلت شاغرةً منذ 7 أشهر.
وأعلنت المحكمة الاتحادية، عدا عن أمرها بإقالة محمد الحلبوسي رئيس مجلس النواب السابق، إعلان مرشح لمنصب رئيس مجلس النواب لمرة واحدة فقط.
على المدى القصير، ربما يكون تدخل حكومة السوداني في هذه العملية أحد السبل لحل هذه العقدة، بحيث تتم عملية انتخاب رئيس مجلس النواب من البداية، ويبدأ تسجيل المرشحين لمنصب رئيس مجلس النواب من جديد.
بشكل عام، يبدو أن الحكومة العراقية الحالية تنوي جعل المحكمة الاتحادية، التي لا تفوقها أي مؤسسة، تابعةً لمجلس القضاء الأعلى، بحيث لا تتجاوز هذه المحكمة الصلاحيات المحددة لها بعد الآن.
وهي مسألة ينوي السوداني الانتهاء منها قبل نهاية حكومته، ولكن بما أن ذلك يتطلب موافقة الأطراف الأخرى، فيبدو أن الحكومة العراقية الحالية ستكون في دوامة التطورات الجديدة.