الوقت - مع تزايد التهديدات اللفظية من جانب القادة الصهاينة، تخيّم ظلال الحرب على مدينة رفح جنوب غزة.
إن وجود أكثر من مليون ونصف المليون نازح من جميع أنحاء غزة في هذه المنطقة، وخاصةً في مخيمات اللاجئين، جعل من الممكن حدوث نتائج كارثية لأي هجوم بري وجوي على رفح، ومع ذلك، فإن السلطات العسكرية والسياسية لتل أبيب لم تتراجع عن تهديداتها، وتستعد للهجوم.
وكان دانيال هاغاري، المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، قد ادعى في وقت سابق من الـ21 من إبريل الجاري، أنه بعد أسابيع من المفاوضات حول خطة مهاجمة مدينة رفح الحدودية، تم التوصل إلى الاتفاقات اللازمة مع الجانب المصري، وخطط لمواصلة العمليات في الجبهة الجنوبية لقطاع غزة أعدها رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة.
وقبل ذلك بثلاثة أيام، في الـ18 من نيسان/أبريل، أفادت إذاعة جيش الکيان بأن الجيش نشر قوات عسكرية مساعدة، بما في ذلك المدفعية وناقلات الجنود المدرعة، حول قطاع غزة، ما يشير إلى الاستعداد لهجوم بري محتمل على مدينة رفح.
ونقلت هذه الإذاعة عن اللواء دوتان قائد الكتيبة 932 في الجيش الإسرائيلي قوله: إنه مع انتهاء العملية العسكرية في مخيم النصيرات للاجئين، "سنذهب إلى رفح".
من ناحية أخرى، تعرضت مدينة رفح خلال الأيام القليلة الماضية لقصف إسرائيلي عنيف، كان أبرزه الهجوم على مخيم الشابورة وسط المدينة، وتدمير مسجد الفاروق في المنطقة نفسها، وقصف منزل سكني في خربة العدس شرقاً.
كما طلب الصهاينة من الصين حوالي 40 ألف خيمة (لإيواء النازحين الفلسطينيين) يتم استلامها من ميناء أشدود، وأُعلن أنهم سيبدؤون بإجلاء المدنيين في رفح بعد عيد الفصح اليهودي.
وتأتي هذه التطورات بعد أن وافق مجلس النواب الأمريكي على تقديم مساعدات عسكرية للکيان الإسرائيلي بقيمة 13 مليار دولار، الأمر الذي اعتبرته حركة حماس "ترخيصًا وضوءًا أخضر للحكومة الصهيونية المتطرفة لمواصلة عدوانها الغاشم ضد شعبنا".
الخدعة الكبرى المتمثلة في "المنطقة الآمنة"
في إطار الاستعدادات للعملية البرية في مدينة رفح، جنوب قطاع غزة، اقترحت حكومة بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الکيان الصهيوني، إنشاء "منطقة آمنة إنسانية".
وفي الـ22 من إبريل/نيسان، أعلنت هيئة الإذاعة والتلفزيون الإسرائيلية أن الجيش يقوم بتوسيع "المنطقة الآمنة" في قطاع غزة، استعداداً لعملية عسكرية برية مخطط لها في مدينة رفح.
وحسب وسائل الإعلام الصهيونية، فإن هذه المنطقة ستمتد من مدينة المواسي جنوباً بمحاذاة الشريط الساحلي حتى أطراف منطقة النصيرات، وتتسع هذه المساحة، بالإضافة إلى إنشاء 5 مناطق، لنحو مليون نازح.
ويدعي جيش الاحتلال التابع للكيان الصهيوني، أنه في الوقت نفسه الذي يقوم فيه بهذا الإجراء، فإنه سيرسل ما يصل إلى 500 شاحنة من المساعدات الإنسانية إلى المنطقة الآمنة.
لكن ادعاء الصهاينة هذا انتقدته الأمم المتحدة، التي سبق أن قالت: إنه "من المستحيل" إنشاء ما تسمى المناطق الآمنة ليهرب المدنيون وسط القصف الإسرائيلي.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، قال المتحدث باسم اليونيسف جيمس إلدر للصحفيين في جنيف عبر رابط فيديو من القاهرة: "إن ما تسمى المناطق الآمنة غير منطقية ومستحيلة، وأعتقد أن السلطات على علم بذلك".
كما أكد فولكر تورك، مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، أن اقتراح الکيان الصهيوني إنشاء منطقة آمنة في جنوب قطاع غزة غير مقبول، وخلال اجتماع الأمم المتحدة حول الوضع الإنساني في غزة (16 فبراير/شباط)، قال تورك: "إن اقتراح إسرائيل بشأن ما تسميه المنطقة الآمنة غير مقبول، وهذه المنطقة غير آمنة وغير مناسبة لأعداد النازحين".
يُظهر سجل العمليات العسكرية للکيان الصهيوني في الأشهر السبعة الماضية أنه خلال الحرب، جعل هذا الکيان المدنيين الأهداف الرئيسية لعمليات القتل العسكري، وهاجم المناطق المدنية التي تشملها الاتفاقيات الدولية، مثل المستشفيات والملاجئ والمدارس والكنائس، ولم يترك أي مكان دون قصف.
رفح، التي تبلغ مساحتها 56 كيلومترًا مربعًا، كان عدد سكانها 250 ألف نسمة قبل بدء الحرب، ولكن الآن، ومع وجود ما يقرب من 1.400.000 فلسطيني من مختلف مدن قطاع غزة، فقد أصبح القطاع مكتظًا للغاية، ولا يمكن لأي منطقة آمنة أن تستوعب هذا العدد الكبير من السكان.
في بداية الحرب، أعلن الصهاينة مدينة رفح منطقةً آمنةً للمدنيين، ومع ذلك خلال هذه الفترة، حتى تجمعات اللاجئين الجائعين الذين تجمعوا لتلقي الشحنات الضئيلة من المساعدات الإنسانية لم تكن في مأمن من الغارات الجوية، ووقعت جرائم فظيعة مثل مجزرة شارع الرشيد.
دوافع نتنياهو
رغم الاستعدادات والتهديدات التي تشير إلى اقتراب معركة رفح، إلا أنه لا يوجد حتى الآن إجماع بين المحللين حول دوافع نتنياهو وتخطيطه للأيام المقبلة، وهناك من يعتبر مواقف الصهاينة بمثابة "حرب نفسية"، وتحويلها إلى ورقة ضغط على طاولة المفاوضات.
ويعتقد هذا السيناريو أنه في ظل تزايد المعارضة العالمية وتقليص الدعم السياسي والعسكري من الحكومات الأوروبية، فإن نتنياهو وشركاءه المتشددين في الحكومة يرون أنه ليس من السهل نشوب حرب جديدة ذات عواقب غير معروفة على المدنيين، ويسعون إلى إطلاق سراح الأسرى في المفاوضات، مع إعطاء أقل التنازلات لحماس والفصائل الفلسطينية، ولذلك، تريد الضغوط الدعائية الإيحاء بأن أمام الفلسطينيين خيارين: "إما الاستسلام أو الهجوم".
وقال نتنياهو مساء الأحد الماضي: "في الأيام المقبلة سنزيد الضغط العسكري والسياسي على حماس، لأن هذه هي الطريقة الوحيدة المتاحة لنا لتحرير الرهائن".
وأضاف: "لقد أطلقنا سراح 124 من مختطفينا حتى الآن، ونحن ملزمون بإعادتهم جميعاً إلى منازلهم، أحياءً كانوا أم أمواتاً. إن سجن حماس ومعاناتهم ومعاناة عائلاتهم تحطم قلوبنا، وهذا يزيدنا إصراراً على إعادتهم".
كما قال وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس على حسابه على موقع X يوم السبت الماضي، إنه إذا تم التوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى، فسيتم تأجيل الهجوم العسكري الإسرائيلي على رفح.
ومن ناحية أخرى، فقد أعلنت الأطراف المصرية خلال الأشهر الماضية بشكل واضح معارضتها لإطلاق عملية في مدينة رفح عدة مرات، وهو ما يتناقض مع ادعاءات وسائل الإعلام الصهيونية، ومن القضايا التي تناولتها وسائل الإعلام المقربة من الحكومة المصرية مرات عديدة، إمكانية إلغاء اتفاق السلام بين الجانبين في حال وقوع مثل هذا الهجوم، لأن احتمالية تدفق اللاجئين نحو حدود مصر كبيرة جدًا.
لكن على الرغم من الاعتراف العالمي بالتبعات الكارثية للهجوم علی رفح، وحتى إمكانية انتشار الصراع في المنطقة، فإن تجربة الأشهر الماضية أظهرت أن الحكومة الصهيونية الأكثر تطرفاً لديها دائماً حساباتها الخاصة.
ويعتقد الكثيرون أن الإجراء الذي اتخذته إيران بمعاقبة الکيان الصهيوني من خلال "عملية الوعد الصادق"، وجّه ضربةً قويةً لهيبة نتنياهو السياسية والمتطرفين الإسرائيليين، وأن الضغط على نتنياهو من المعارضة قد زاد أكثر بكثير من ذي قبل.
حيث شن يائير لابيد، زعيم المعارضة في الكيان الصهيوني، هجوماً جديداً على رئيس الوزراء الإسرائيلي في الأيام الأخيرة، واتهمه بإضعاف "قوة الردع الإسرائيلية"، ودعا إلى التفاوض لإعادة الأسرى.
في غضون ذلك، فإن الهجوم على رفح، بالإضافة إلى خلق مساحة دعائية جديدة للحد من تأثير أنباء الهجوم الإيراني في وسائل الإعلام الصهيونية، يمكن أن يساعد نتنياهو في التخلص من ملف الرهائن.
وقد أدى الضغط الذي تمارسه عائلات السجناء الصهاينة، إلى موجة أخرى من الاحتجاجات اليومية في الشوارع ضد حكومة نتنياهو المتطرفة، والهجوم على رفح إما أن يؤدي إلى إطلاق سراح الأسرى، وهو ما سيكون إنجازاً لنتنياهو، أو أن الأسرى سيقتلون في هذا الهجوم، ويمكن لنتنياهو أن يأمل مرةً أخرى في تعبئة الرأي العام الداخلي لمصلحته، وإيجاد مبرر لاستمرار الحرب، وعدم الاضطرار إلى تقديم تنازل لحماس على طاولة المفاوضات.
كما أن المضي قدماً بخطة التهجير القسري لسكان غزة، هو هدف آخر يعزوه المحللون إلى رغبة نتنياهو في مهاجمة رفح، وإن تجربة سكان غزة من كلمة "المنطقة الآمنة"، غالباً ما تستحضر "منطقة غير آمنة"، مثل المقابر الجماعية التي تم العثور عليها في منطقة مستشفى الشفاء، وفي الأساس، كان أحد الأهداف الرئيسية لحكومة نتنياهو منذ بداية الحرب، هو التهجير القسري لجزء من أهل غزة نحو حدود مصر والأردن، وهو ما لم يتحقق.
کما أن إنشاء ميناء في غزة هو مشروع آخر، يقول المحللون، خلافاً لادعاءات المسؤولين الأمريكيين، إنه ليس لغرض إرسال المساعدات الإنسانية، بل لغرض تسهيل تهجير شعوب المنطقة إلى أوروبا.
ولذلك، في ظل إصرار أهل غزة على عدم مغادرة هذا القطاع، فإن مهاجمة رفح بحجة العثور على الأسرى، هو خيار يمكن أن يفکر فيه الصهاينة لتهجير الفلسطينيين.