الوقت- خلال مئتي يوم الماضية من الحرب في غزة، وبينما يتركز اهتمام العالم بشكل رئيسي على الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزة، فإن الوضع في الضفة الغربية المحتلة ليس أفضل بكثير، والجيش الصهيوني، يرافقه المستوطنون المسلحون، يمارسون علناً وسراً، أعمال قمع عنيفة وقتل للفلسطينيين في هذه المنطقة.
إن الوضع الأمني في الضفة الغربية وصل لدرجة أن أصوات الحكومات الغربية الداعمة للكيان ضجت من تصرفات الجنود والمستوطنين المتطرفين، وفي أحدث نوع من ردود الفعل هذه، هددت الحكومة الأمريكية بفرض عقوبات على جزء من هذه قوات الجيش الصهيوني، وهي القضية التي ردت عليها الحكومة بقوة بعد نتنياهو.
وفي هذا الصدد، أعلن موقع أكسيوس أن الولايات المتحدة تدرس فرض عقوبات على كتيبة من الجيش الإسرائيلي تسمى "نتساح يهودا" لقيامها بعملية تبين أنها تتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان.
وحسب موقع أكسيوس، الذي نقلته وسائل الإعلام الإسرائيلية أيضًا، فمن المتوقع أن يعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن رسميًا عن العقوبات المقررة ضد كتيبة "نتساح يهودا" في الأيام المقبلة.
وهذه هي المرة الأولى التي تدرج فيها الحكومة الأمريكية وحدة عسكرية إسرائيلية في قائمة عقوباتها، وحسب المعلومات التي كشفت عنها مصادر أمريكية، فإن هذه العقوبات تشمل حظر نقل المساعدات العسكرية الأمريكية لهذه الكتيبة، فضلاً عن حظر مشاركة أفراد الكتيبة المذكورة في الدورات التدريبية العسكرية للجيش الأمريكي أو أي نشاط آخر، الأمر الذي يتطلب تمويلًا أمريكيًا.
وحسب مسؤول كبير في واشنطن، فإن قرار أنتوني بلينكن إعلان هذه العقوبات مرتبط بالأحداث التي وقعت في الضفة الغربية قبل الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر، وأوضح أن وحدات أخرى من الجيش والشرطة الإسرائيلية، والتي كانت تخضع لتحقيق مماثل، سيتم إعفاؤها في نهاية المطاف من هذه العقوبات، لأنها قامت بتصحيح سلوكها.
ويتم تنفيذ هذا الحظر في إطار قانون ليهي، الذي يحظر تقديم الأسلحة والتدريب والدعم العسكري لقوات الأمن الأجنبية المشتبه في ارتكابها انتهاكات لحقوق الإنسان.
غضب نتنياهو
أثار قرار الحكومة الأمريكية فرض عقوبات على كتيبة "نيتساح يهودا" رد فعل قويا من رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، وأدان نتنياهو بشدة تصرفات الولايات المتحدة في هذا الوقت، وقال: "لا ينبغي فرض هذه العقوبات على قوات الدفاع الإسرائيلية التي تقاتل حاليا ضد الإرهاب الذي ينفذه الوحوش، وسيكون هذا قمة السخافة وعلامة الانحطاط الأخلاقي، والحكومة التي أقودها ستتحرك بكل قوتها ضد هذه التصرفات".
من جهة أخرى، قال إيتامار بن غفير، وزير الأمن الداخلي في الكيان الصهيوني، وهو من بين المتهمين الرئيسيين بتشجيع المستوطنين على ارتكاب أعمال إرهابية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، في حين طلب الدعم الكامل لكتيبة نتساح يهودا، وأكد: "أن المعلومات المنشورة تفيد بأن نية الولايات المتحدة فرض عقوبات على لواء نتساح يهودا خطيرة للغاية، وهذا خط أحمر واضح لا ينبغي تجاوزه".
نبذة عن كتيبة نتساح يهودا وخلفيتها
تم تشكيل وحدة "نتساح يهودا" المكونة من الذكور فقط في عام 1999 كوحدة خاصة للجنود اليهود المتشددين، ويخدم في الوحدة حوالي 1000 جندي في كل فصل دراسي، وأصبحت الكتيبة المتمركزة في الضفة الغربية "مركز جذب للعديد من المستوطنين الشباب اليمينيين المتطرفين" الذين لم يتم قبولهم في أي كتيبة أخرى بالجيش الإسرائيلي.
وارتبطت الكتيبة بالتطرف اليميني والعنف ضد الفلسطينيين، ونشرت في السنوات الماضية العديد من الصور لجريمة نتساح يهودا ضد الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية المحتلة، وفي العام الماضي، أثناء هجوم كتيبة نتساح يهودا 97 على منطقة تالونيم، غرب رام الله، قام جنود تابعون لهذه الكتيبة بإصابة عدد من المدنيين الفلسطينيين بجروح خطيرة، دون أن يعلموا أن عددا آخر من الفلسطينيين يراقبون ويسجلون هذه الوحشية لهؤلاء الجنود.
وحسب صحيفة هآرتس، أطلقت وزارة الخارجية الأمريكية تحقيقا مع كتيبة نتساح يهودا أواخر عام 2022، بعد مشاركة جنود من كتيبة نتساح يهودا في عدة أعمال عنف ضد المدنيين الفلسطينيين، ومن جرائم هذه المجموعة العسكرية قتل المواطن الأمريكي عمر الأسد البالغ من العمر 80 عاماً في يناير من العام الماضي.
وقد اعترف مسؤولو الكيان بالأداء الوحشي لوحدة الجيش الصهيوني في الضفة الغربية هذه، حيث قال ميراف ميخائيلي، رئيس حزب العمل في الكيان الصهيوني: "كان ينبغي حل نتساح يهودا قبل سنوات، هذه الكتيبة تعلم المستوطنين العنف، وتقتل الفلسطينيين دون سبب، وتسيء إلى المعتقلين الفلسطينيين وتهينهم".
وفي الأشهر الأخيرة، استهدف المسلحون المتطرفون، إلى جانب المستوطنين المتطرفين، الفلسطينيين في هار كوي وبارزان، وقد استشهد وأصيب واعتقل العشرات من فلسطينيي الضفة الغربية.
لعبة البيت الأبيض السوداء
أمريكا، أثناء إعلانها عن معاقبة كتيبة من الجيش الإسرائيلي، تسعى إلى إظهار بادرة الدفاع عن حقوق الإنسان، التي دعمت غزو غزة بكل قوتها طوال الأشهر السبعة الماضية وتركت أيدي الحكومة الصهيونية مفتوحة للإبادة الجماعية في هذه المنطقة، حيث تم قتل أكثر من 34 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال الفلسطينيين.
إن العقوبات المحتملة على كتيبة الجيش الصهيوني ومعاقبة العديد من المستوطنين المتطرفين في الأشهر الماضية لانتهاكهم حقوق الإنسان في الضفة الغربية، تظهر على ما يبدو أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تختلف مع حكومة نتنياهو المتشددة في بعض الحالات، ولكن يبدو أن هذا الإجراء ليس سوى خداع للرأي العام.
لقد اختارت الولايات المتحدة كتيبة عسكرية واحدة فقط من بين آلاف المتطرفين الصهاينة الذين يرتكبون جرائم علنية كل يوم، لكن هناك الآلاف من المتطرفين اليمينيين الذين تورطوا في قتل الفلسطينيين وتدمير المنازل وحرق المزارع الفلسطينية في الضفة الغربية في الآونة الأخيرة، عقود من الزمن تجاهلها قادة البيت الأبيض، إن المقاطعة الرمزية لكتيبة من الجيش الإسرائيلي ما هي إلا لعبة سوداء لتنظيف وجهها الدامي بهذه الإجراءات الواضحة في حين يعتبر الرأي العام العالمي الدعم غير المشروط للبيت الأبيض هو السبب الرئيسي للإبادة الجماعية في غزة.
بحجة انتهاك حقوق الإنسان للفلسطينيين في الضفة الغربية، مسؤولو البيت الأبيض يفرضون عقوبات على لواء نتساح يهودا، لكن كيف يمكن أخذ قرارات إدارة بايدن على محمل الجد، التي فشلت في كل قرارات مجلس الأمن لوقف الإبادة الجماعية في غزة مع حق النقض.
إذا كانت الحكومة الأمريكية تشعر بالقلق إزاء انتهاك حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة وتعارض الهجوم الصهيوني على رفح، فعليها أن تتوقف عن إرسال الأسلحة إلى "إسرائيل"، ولكن في خطوة متناقضة تماما، بناء على طلب من مجلس النواب الأمريكي، وافقت الحكومة الإسرائيلية، مساء السبت، على مشروع قانون حزمة مساعدات مالية بقيمة 17 مليار دولار للكيان الصهيوني، وإذا وافق عليه مجلس الشيوخ، فسوف تتدفق المزيد من الأسلحة قريبًا إلى الأراضي المحتلة.
وفي الأشهر السبعة الماضية، قتل جيش الاحتلال عشرات الآلاف من الفلسطينيين في غزة باستخدام الأسلحة الأمريكية، وبإرسال أسلحة جديدة، ستفتح أيدي الصهاينة لمزيد من القتل في غزة، حيث إن فرض عقوبات على لواء نتساح يهودا، في نفس الوقت الذي يتم فيه إرسال آلاف الأطنان من الأسلحة الجديدة لقتل الفلسطينيين في غزة، يظهر التناقض في سياسات واشنطن تجاه الصراع الفلسطيني.
فمن ناحية، يزعم البيت الأبيض أنه يفرض عقوبات على المستوطنين وكتيبة الجيش الإسرائيلي دفاعاً عن الفلسطينيين، لكنه في الوقت نفسه يعلن بوضوح أنه ضد وقف إطلاق النار طويل الأمد في غزة.
وفي ظل هذا التناقض الواضح، فلن يصدق أحد الموقف الأمريكي الانتهازي بشأن الإبادة الجماعية في غزة من خلال فرض عقوبات على كتيبة عسكرية، لأنه طالما استمرت آلة القتل التابعة للجيش الصهيوني في جرائمها في قطاع غزة، فإن مقاطعة المستوطنين وبعض الجنود المتطرفين لن تشفي الألم.
كسب ثقة السلطة الفلسطينية
وبالإضافة إلى خداع الرأي العام، فإن الإجراء الأمريكي الجديد يسعى إلى تحقيق هدف سياسي، ونظرا لأن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض (الفيتو) ضد قرار "العضوية الدائمة الفلسطينية" في الأمم المتحدة الأسبوع الماضي، فقد أثار هذا الإجراء غضب رؤساء منظمات الحكم الذاتي، ولذلك، تحاول حكومة بايدن كسب ثقة محمود عباس، رئيس منظمة الحكم الذاتي ومسؤولين آخرين في هذه المنظمة، من خلال احتمال فرض عقوبات على منتهكي حقوق الإنسان في الجيش الصهيوني، والتمكن من الحفاظ على قادة التنظيم إلى جانبهم لدفع خطط تل أبيب في الضفة الغربية.
ومن ناحية أخرى، تحتاج الحكومة الأمريكية إلى مساعدة منظمات الحكم الذاتي لإدارة المستقبل السياسي لغزة، وفي الأشهر الأخيرة، أعلن مسؤولون في واشنطن موافقتهم على إسناد إدارة هذا القطاع إلى أيدي الإدارة الذاتية الحاكمة، وبالنظر إلى الخدمات القيمة التي قدمها محمود عباس لأمريكا و"إسرائيل" في العقدين الأخيرين، ولذلك، ومن أجل استرضاء قادة السلطة، وضعوا عقوبات على عدد من قوات الاحتلال على جدول الأعمال لإظهار أن قضية الضفة الغربية وغزة مختلفة بالنسبة للغربيين وعلى عكس حماس التي يعتبرونها جماعة إرهابية، فهم يعتبرون السلطة شريكًا موثوقًا به.
ومن خلال فرض عقوبات على جماعة "نتساح يهودا" المتطرفة في الضفة الغربية، تسعى الولايات المتحدة إلى تبرئة وغسل وجهها الملطخ بالدماء من المشاركة في قتل سكان غزة.