الوقت- أثارت قصة مقتل باسكال سليمان، منسق حزب القوات اللبنانية (القوت) في الجبيل، موجة من التوترات السياسية والاحتجاجات في شوارع لبنان خلال الأيام القليلة الماضية.
وأعلن الجيش اللبناني، منتصف الأسبوع الماضي، في بيان، مقتل باسكال سليمان، المسؤول في حزب القوات اللبنانية، على يد عصابة إجرامية سورية.
كما أعلن الجيش اللبناني، مساء الاثنين، أن "قسم المخابرات في الجيش تمكن من إلقاء القبض على معظم أفراد العصابة السورية المتورطين باختطاف باسكال سليمان، وتبين خلال التحقيق أن الشخص المخطوف كان قد قتل أثناء وجوده في لبنان على يد لصوص كانوا يحاولون سرقة سيارته في منطقة جبيل.
كذلك أعلن الجيش أن المتهمين نقلوا جثمان سليمان إلى سوريا، وأن التحقيق جارٍ بإشراف النيابة العامة.
في الوقت نفسه، نشرت وسائل إعلام صوراً التقطتها كاميرات المراقبة لحظة مهاجمة الخاطفين سيارة باسكال سليمان على الطريق من ترتج إلى جبيل، في هذا الفيلم تتعرض سيارة سليمان لهجوم من قبل مسلحين أثناء توجهها نحو منطقة البترون.
كما نشرت وسائل الإعلام الملف الصوتي الذي يقال إنه الصوت المسجل لسليمان وهو يتوسل المجرمين بعدم قتله في اللحظات الأخيرة.
لكن بعد بيان الجيش، اجتاحت موجة من ردود الفعل الأجواء السياسية والإعلامية في لبنان، وشهدت تعليقات ونقاشات واسعة، وخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، بين المستخدمين اللبنانيين.
في هذه الأثناء، كان أحد أهم ردود الفعل على هذه الجريمة هو ما قام به حزب القوات اللبنانية، ما أدى إلى تأجيج التوترات السياسية والاحتجاجات في الشوارع، وعلى الفور اتخذ حزب القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع موقفا ضد رواية الجيش عن طبيعة الخاطفين ودوافع مقتل سليمان، ووصف هذا العمل بأنه ليس سرقة بسيطة بل اغتيال منظم لأغراض سياسية.
وقالت الدائرة الإعلامية لحزب القوات اللبنانية في بيان: إن “هذه الجريمة سياسية وليست إجرامية، والرواية الرسمية ضعيفة وهشة".
وجاء في البيان أن "اختطاف باسكال وقتله لا علاقة له بالسرقة أو طلب فدية، ولم يطلبها أحد"، كما أكد الإعلام الحزبي للقوات اللبنانية: أن "الذراع التنفيذية قد تكون عملاء سوريين، لكن القرار سياسي".
وأضاف الحزب في بيان له: إن المعلومات التي تسربت حتى الآن حول دوافع القتل تبدو متعارضة مع حقيقة الأمر وطالب الجهات الأمنية والقضائية بإجراء تحقيقات جدية مع المعتقلين لمعرفة الحقيقة.
الكراهية المنظمة ضد السوريين
وبعد تصريحات حزب القوات اللبنانية، خرج مناصرو هذا الحزب إلى الشوارع وهتفوا ضد اللاجئين السوريين وكذلك ضد المقاومة اللبنانية.
وشهدت مناطق مثل برج حمود وصد البوجرية والجديدة وبجارة وجبيل وجونيه وذوق مصبه وذوق ميكائيل وطبرجة ومناطق أخرى سلسلة من الهجمات ضد اللاجئين السوريين.
أفادت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية، الخميس، بأن مجهولين استولوا على سيارة أجرة تقل مواطنين سوريين على طريق راياك – القاع الدولي، قرب مفرق بلدة شعث في البقاع الشمالي، واختطفوهم.
بالإضافة إلى ذلك، اعتمدت العديد من البلديات اللبنانية أيضًا إجراءات صارمة لتقييد حركة المواطنين السوريين خلال النهار.
وفي الوقت نفسه، امتلأت صفحات وسائل الإعلام الإلكترونية في لبنان أيضاً بمحتوى يحض على الكراهية ضد المواطنين السوريين وتعليقات حول دوافع ومنفذي هذا الهجوم والعواقب الخطيرة لوجود اللاجئين على وحدة لبنان واستقراره الاجتماعي والاقتصادي، وضرورة ترحيل وإعادة اللاجئين إلى سوريا.
كما يتم تداول مقاطع تتعلق بالاعتداءات على السوريين وحرق ممتلكاتهم في جبيل وبيروت على منصات مختلفة.
وأظهرت الأجواء الملتهبة المعادية لسورية في المجتمع آثارها فوراً في مواقف القيادات الحكومية.
وفي أحد أهم المواقف، دعا بسام مولوي، وزير الداخلية اللبناني، بعد اجتماع مجلس الأمن في هذا البلد، صراحة إلى "تحديد المزيد من القيود على اللاجئين السوريين"، وأكد أن الوجود السوري في لبنان "يجب أن يكون محدوداً".
من جهة أخرى، أعلن رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، الخميس، أنه يعمل على "حل مهم جداً جداً لقضية اللاجئين السوريين"، وقال، من دون إعطاء مزيد من التفاصيل: إن هذه الخطة الجديدة سيتم الإعلان عنها بحلول نهاية أبريل.
وأضاف ميقاتي: "في الماضي طرحت حلول وخطط في موضوع اللاجئين، لكن لم تنفذ كلها، أما اليوم فالحلول للتنفيذ".
من جهته، أعلن عصام شرف الدين، وزير اللاجئين في الحكومة اللبنانية المؤقتة، الخميس، في مقابلة إذاعية، عن وجود "خطة لإعادة اللاجئين السوريين بغض النظر عن المواقف الدولية بهذا الشأن"، مشيراً إلى أنه "بعد عيد الفطر فإن قافلة (النازحين) ستتحرك نحو سوريا.
وشدد شرف الدين على أن مؤتمر اللاجئين السوريين الشهر المقبل "سيشمل مطالب لبنان ولن يقتصر على المساعدات المالية، بل سيطالب بعودة اللاجئين بسبب الخطر الذي يشكلونه على لبنان".
جريمة قتل مشبوهة وتحذير السيد حسن من التحريض الطائفي
مع وفاة باسكال سليمان فإن حزب القوات اللبنانية وبعض التيارات السياسية الأخرى فيما يتعلق بهذا الحدث، وجهوا أصابع الاتهام نحو المقاومة، وتحدثوا عن وجود أيادٍ خلف الستار ضدهم بدوافع سياسية، ولكن على وعلى الجانب الآخر، هناك أسئلة وشكوك، بل هناك أدلة جريئة يمكن أن تكون، وللمفارقة، دليلاً على مؤامرة ذاتية الصنع تتماشى مع رغبات أعداء حزب الله ومحور المقاومة.
بداية، إن ملاحظة موجة ردود الفعل الإعلامية واسعة النطاق والمنسقة في لبنان والعالم العربي، وكذلك في شبكات التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت، والتي تسعى إلى ربط مرتكبي هذه الجريمة بحزب الله والحكومة السورية دون أي دليل، هو أمر مهم، وهو الأمر الذي من المرجح أن يستمر، ويظهر مدى اتساع نطاقه في الأيام والأسابيع المقبلة، على سبيل المثال، من الآن فصاعدا، وجد حزب القوات اللبنانية والتيارات السياسية الأخرى مرة أخرى ذريعة لمهاجمة حزب الله سياسيا وإدخال سلاح المقاومة كسبب لعدم استقرار لبنان.
جانب آخر من القصة هو الانتباه إلى توقيت هذا الحدث، وكان الموت المشبوه لمسؤول في حزب القوات، الذي يعرف بأنه أهم حركة ضد حزب الله على الساحة السياسية الداخلية في لبنان، وزعيمه سمير جعجع، الخيار الأساسي للاعبين الأجانب مثل الولايات المتحدة، والكيان الصهيوني والمملكة العربية السعودية للعمل السياسي ضد المقاومة، وتحدي سيادة حزب الله كانا في البرلمان، ويحدث ذلك في الوقت الذي كان فيه التركيز الرئيسي لحزب الله خلال الأشهر الستة الماضية على قتال الكيان الصهيوني في الجبهات الجنوبية، دعماً لمقاومة غزة، مع كون الحرب مع العدو الصهيوني تقترب من مراحلها الحاسمة والنهائية، والصهاينة يغادرون دون أي إنجازات، ولا يرون سوى قبول الهزيمة أمامهم.
وبينما قام الجيش الصهيوني بسحب معظم قواته العسكرية من غزة منذ الأسبوع الماضي، هناك بعض الاحتمالات بأن الحكومة الصهيونية المتشددة قد تقوم بإشعال الحرب من جديد ومنع انهيارها، ومن أجل تسهيل عودة عشرات الآلاف من المستوطنين النازحين من الأراضي الشمالية على الحدود مع لبنان سيبدؤون عمليات برية ضد أراضي لبنان، وفي الأسابيع الأخيرة، هددت السلطات السياسية والعسكرية الإسرائيلية مرارا وتكرارا بإعادة قوات حزب الله إلى الجانب الآخر من الحدود، المعروف باسم الخط الأزرق، والقيام بعمل عسكري. وعلى هذا فإن خلق أزمة داخلية في قضية اللاجئين السوريين وإدخال المقاومة فيها، يمكن أن يتوافق تماماً مع مصالح الكيان الصهيوني.
ويعيش حالياً في لبنان حوالي مليون ونصف إلى مليوني لاجئ سوري، معظمهم يعملون خارج مخيمات اللاجئين وفي مدن مختلفة من هذا البلد، وبطبيعة الحال، فإن النفخ في أجواء الرهاب السوري يحمل في طياته احتمال حدوث اضطرابات واسعة النطاق في لبنان.
وهذه المسألة وردت أيضاً في تصريحات السيد حسن نصر الله حول مقتل باسكال سليمان، وقال الأمين العام لحزب الله اللبناني، في كلمة متلفزة يوم الاثنين، وهو ينفي أي تورط لحزبه في عملية الاختطاف هذه، إن هدف المتهمين هو إثارة الصراعات الطائفية.
أما الشق الثالث من الشبهات والإشارات التي يمكن أن تشير إلى وجود مؤامرة لمصلحة أعداء المقاومة، فهو استهداف تحالف بيروت دمشق في ردود الفعل السياسية والإعلامية على مقتل باسكال سليمان.
وفي أحد بيانات حزب القوات اللبنانية، الذي أشار إلى شعار "وحدة الساحات" الذي يعبر عن الاستراتيجية المشتركة لمحور المقاومة في الرد على تحريض الكيان الصهيوني في غزة، جاء: "لقد خفف حزب الله القيود في الحدود بين طهران وبيروت تحت عنوان "توحيد الساحات" كخط استراتيجي، [لا سبيل] إلا بإغلاق المعابر غير الشرعية والسيطرة عليها، ولذلك فإن من يبقي الحدود مفتوحة هو المسؤول بشكل مباشر أو غير مباشر عن الجرائم المرتكبة".
ومن الأمور المشبوهة أن يقوم منفذو عملية اختطاف وقتل باسكال سليمان بنقله إلى محافظة حمص السورية، التي تعد أحد المقرات الرئيسية لقوات حزب الله في هذا البلد، وخلقوا الظروف التي يمكن فيها تحديد مكان جثته، لقد تم إعداد طريقة اتهام الحكومة السورية وحزب الله بشكل كامل للمعارضة.
لذلك لا بد من القول إنه إذا لم يكن مقتل باسكال سليمان قد تم بدوافع مالية على يد عصابات إجرامية، حسب الدلائل والشبهات، فإن أثر الدور الذي لعبه أعداء المقاومة والكيان الصهيوني في هذه القضية هو أقوى من الاحتمالات الأخرى.