الوقت– إن المتغيرات السياسية والأمنية التي يشهدها العالم، وخاصة الأزمة الأوكرانية وحرب غزة، دقت ناقوس الخطر لدى معظم الدول للتفكير في حالة ترسانتها من الأسلحة لتجنب الأزمات، ولذلك، فإن الدول التي تشعر بظلال التهديدات العسكرية فوق رؤوسها، استخدمت قوتها لتنظيم قوتها الدفاعية بمساعدة الجهات الفاعلة القوية.
وضع إلهام علاف، رئيس أذربيجان، الذي فاز مؤخراً بالرئاسة للمرة الخامسة، المشتريات العسكرية على رأس السياسة الخارجية لحكومته الجديدة لتنفيذ مشاريعه الطموحة في كاراباخ، وتظهر التقارير المنشورة أن جمهورية أذربيجان تتفاوض مع باكستان لشراء عدد غير معروف من الطائرات المقاتلة من الجيل الرابع JF-17 المجهزة بأنظمة رادار وأسلحة متقدمة في عقد غير مسبوق بقيمة 1.5 مليار يورو (1.6 مليار دولار).
وأفادت مصادر إخبارية باكستانية بأن عقد الدفاع بين إسلام آباد وباكو، والذي يتضمن تسليم 18 مقاتلة، سيدخل حيز التنفيذ قريباً، وفي المرحلة الأولى سيتم بيع ثماني مقاتلات من طراز JF-17 Thunder الجيل 4.5 إلى جمهورية أذربيجان، وذكرت قناة بول الإخبارية الباكستانية اليوم: أنه تم الانتهاء من صفقة لباكو تتضمن بيع طائرات مقاتلة محلية الصنع من إنتاج طائرات F-17 الجيل 4.5 بما في ذلك قطع الغيار والتدريب وحزم الأسلحة وتعتبر أكبر صفقة دفاعية بين البلدين.
وحسب تقرير "نقابة العمليات الجوية" نقلا عن مصادر في إسلام آباد، فإن هذه الطائرة الجديدة ستحل محل أسطول أذربيجان الحالي من المقاتلات الروسية من طراز ميج 29، وكتب موقع "Defense Blog" أثناء نشره لهذا الخبر عن تفوق مقاتلات JF-17 وقدراتها الكامنة التي تعادل الطائرات الحالية في المنطقة مثل طائرات MiG-29 وSukhoi-25 الروسية.
بالإضافة إلى ذلك، يقال إن هذا النموذج من المقاتلات الباكستانية لديه القدرة على التعامل مع نظام الدفاع الجوي إس-300، وستكون هذه الصفقة أكبر عقد تصدير للمجمع الصناعي العسكري الباكستاني، ويشتمل هذا العقد، بالإضافة إلى هذه المقاتلات، على تزويد الذخيرة وتدريب الطيارين الأذربيجانيين.
ويستطيع النموذج الأكثر تقدما من مقاتلات "JF-17" حمل 8 أنواع مختلفة من الصواريخ، ويمتلك رادارات حديثة وأنظمة حرب إلكترونية (JANGAL).
ووفقا للبيانات المتاحة للجمهور، يبلغ سعر هذه الطائرة 23 مليون يورو، بما في ذلك 1.5 مليار يورو من إجمالي مبلغ الصفقة، لذلك ستقوم أذربيجان بتحديث أسطولها بالكامل من الطائرات العسكرية وشراء ما يقرب من 60 طائرة من طراز JF-17C Block III البطيئة.
الجيل F-17 Thunder 4.5 عبارة عن طائرة مقاتلة شبحية متعددة الأدوار وذات محرك واحد تم تطويرها بشكل مشترك من قبل مجمع الطيران الباكستاني وخطوط تشنغدو الجوية الصينية، ويمكن استخدام هذه المقاتلة للقيام بأدوار متعددة بما في ذلك الاعتراض والهجوم الأرضي والمضادة للسفن والاستطلاع الجوي، ويتم إنتاج 57% من مراحل تصنيع هذه الطائرة، بما في ذلك الجسم الأمامي والجناح والمثبت الرأسي، في باكستان، في حين يتم تصنيع 42% في الصين ويتم التجميع النهائي في باكستان.
تعزيز ترسانة باكو ضد يريفان
وتحاول أذربيجان، التي اعتمدت على المقاتلات الروسية القديمة في مجال القوة الجوية، تحديث أسطولها الجوي من خلال شراء مقاتلات جديدة من باكستان، لأن القوة الجوية، وخاصة استخدام الطائرات دون طيار التركية والإسرائيلية في حروب كاراباخ الأخيرة، لعب دورًا مهمًا، وكان له دور في النجاحات الحربية ضد العدو القديم.
ويتم توقيع عقد الأسلحة بين باكستان وأذربيجان في ظل الظروف التي انتهى فيها صراع كاراباخ بين باكو ويريفان إلى حد ما بعد ثلاثة عقود وتحقق الاستقرار النسبي في هذه المنطقة، ومع ثلاثة عقود من الخبرة، أدرك رجال الدولة في باكو حقيقة أن القوة العسكرية المتفوقة لها تأثير كبير على النصر على الأعداء، وهم يحاولون تنويع ترسانتهم.
ويبدو أن تركيا، باعتبارها الحليف الرئيسي لأذربيجان، لعبت دورا مهما في إتمام صفقة الأسلحة هذه، وتتمتع تركيا بعلاقات جيدة مع باكستان وتحاول فتح قدم هذه الدولة المسلحة نوويا على كاراباخ واستخدام قدراتها العسكرية لزيادة قدرات أذربيجان.
وكانت أذربيجان تحصل على كل أسلحتها تقريبا من الدول الغربية والكيان الصهيوني، ولكن بسبب الخلافات السياسية الأخيرة بين هذا البلد والاتحاد الأوروبي، يحاول قادة باكو التوجه نحو الدول الشرقية وتلبية بعض احتياجاتهم من الإمدادات من الحلفاء الآسيويين.
لقد أظهرت تجربة الصراعات الماضية أن الاعتماد على جهة فاعلة واحدة يمكن أن يكون له تكاليف باهظة، وكانت هذه القضية واضحة تمامًا بالنسبة لأرمينيا في صراع ناغورنو كاراباخ الأخير؛ حيث اعتبرت سلطات يريفان أن الاعتماد العسكري المفرط على روسيا هو سبب الفشل في حرب 2020، بل علقت مؤخرا عضويتها في منظمة الأمن الجماعي تماشيا مع مراجعة التحالفات الدفاعية والأمنية.
وبالنظر إلى أن أذربيجان لديها مواجهة طويلة الأمد مع أرمينيا في ناغورنو كاراباخ وتشعر بالقلق بشأن التصرفات المستقبلية لجارتها الغربية لاستعادة هذه المنطقة، فإنها تحاول بالتالي تعزيز ترسانتها من الأسلحة وزيادة ثقلها ضد أرمينيا.
ويأتي اتفاق أذربيجان الأخير في وقت اتجهت فيه أرمينيا نحو الدول الغربية بعد صراع كاراباخ العام الماضي، وحتى منذ فترة كانت هناك همسات عن طلب أرمينيا الانضمام إلى الناتو، وهو ما نفاه المسؤولون في يريفان لإدراكهم لحساسيات روسيا، ومع ذلك، فإن قربها من الغرب أثار قلق باكو، وانسحبت حكومة يريفان، التي أبدت استياءها من أداء الروس في أحداث ناغورنو قره باغ، من منظمة "معاهدة الأمن الجماعي" التي تقودها روسيا الجمعة، لتظهر أن التوجه نحو الغرب يمثل أولوية للسياسة الخارجية في هذا البلد.
وكانت أرمينيا قد أبرمت في السابق اتفاقيات لشراء أسلحة من فرنسا، وفي هذا الصدد، قال وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو في إحاطة مشتركة مع وزير الدفاع الأرميني الجمعة: "فيما يتعلق بالدفاع الجوي، أتحدث عن صواريخ قصيرة المدى ومتوسطة المدى وغيرها من الصواريخ طويلة المدى، وإذا كانت أرمينيا تحتاج إليها، فهذه الصواريخ متاحة لها"، وقال سورين بابيكيان، وزير الدفاع الأرميني، أيضاً إنه لا توجد قيود تمنع تعاون أرمينيا الدفاعي مع الدول الأخرى.
ولذلك فإن أرمينيا التي ترى نفسها الخاسر من التطورات بسبب خسارة قره باغ وتهجير مئات الآلاف من الأرمن، تحاول زيادة قوتها العسكرية عبر الغربيين وإعادة التوازن الإقليمي لصالحها، ومع ذلك، فإن مشتريات أرمينيا وأذربيجان من الأسلحة من الشركاء الشرقيين والغربيين ستدفع القوقاز إلى سباق تسلح وتفتح أقدام الجهات الفاعلة من خارج المنطقة على هذه المنطقة.
أهداف باكستان من بيع طائرات مقاتلة لأذربيجان
ولا شك أن باكستان لديها أيضًا أهداف في ذهنها من توقيع عقد أسلحة مع أذربيجان، وهو ما تحاول تحقيقه، وبما أن العديد من التحركات الاقتصادية والأمنية الباكستانية في المنطقة ترتبط بمواجهة سياسات الهند، فقد تم وضع برنامج مماثل على جدول أعمال قادة إسلام آباد في القوقاز، وتم توقيع عقد بيع الطائرات المقاتلة إلى باكو في وضع كانت فيه الهند واحدة من أكبر موردي الأسلحة إلى أرمينيا في السنوات الأخيرة.
وكتبت صحيفة إيكونوميك تايمز أوف إنديا في تقرير لها في نوفمبر أن أرمينيا وقعت اتفاقية لشراء أسلحة من الهند تشمل صواريخ وقذائف صاروخية وذخائر أخرى، وأسلحة تم شراؤها وسط تصاعد التوترات بين أرمينيا وجمهورية أذربيجان بشأن منطقة ناغورنو كاراباخ، وحسب هذا التقرير، اشترت أرمينيا أسلحة ثقيلة بقيمة 245 مليون دولار من الهند في سبتمبر/أيلول.
وفي صيف هذا العام أيضًا، زعمت بعض وسائل الإعلام الغربية أن فرنسا طلبت من شركة هندية إرسال أسلحة إلى أرمينيا، الأمر الذي أثار غضب باكو، التي اتهمت باريس بإثارة التوتر في القوقاز.
من ناحية أخرى، في الأشهر الأخيرة، وبمشاركة إيران وأرمينيا، وضعت الهند على جدول الأعمال بناء الممر من المحيط الهندي إلى البحر الأسود، وهو المشروع الذي، في حال تنفيذه، سيحسن الوضع الاقتصادي لأرمينيا.
ولذلك، فمن خلال تعزيز علاقات الهند العسكرية مع أرمينيا، اغتنمت باكستان أيضًا الفرصة لزيادة نفوذها في القوقاز من خلال بيع مقاتلات إلى أذربيجان وتحدي خطط الهند.
في العقد الماضي، اتجهت سياسة الهند الخارجية نحو تعزيز نفوذها ولعب دور في تطورات أفغانستان وآسيا الوسطى، من أجل الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والأمنية وتوسيعها، وتحسين موقفها ضد المنافسين مثل الصين والولايات المتحدة وباكستان، ومحاولة الاستثمار في ميناء تشابهار لربط المحيط الهندي بآسيا الوسطى، وكذلك التقرب من أفغانستان والاستثمار في البنية التحتية للبلاد لهذا الغرض.
وتحاول باكستان أيضاً استخدام أدواتها لتحسين وضعها الاقتصادي في المنطقة، ولم يكن القرار الأخير الذي اتخذته إسلام آباد باستكمال خط أنابيب الغاز مع إيران بعد فجوة دامت عقدين من الزمن منقطعاً عن منافستها مع نيودلهي، التي أدت إلى زيادة مستوى علاقاتها مع إيران.
وبما أن باكستان غير قادرة اقتصادياً على التنافس مع الهند، فإنها تستخدم في الغالب قدراتها العسكرية لدخول سوق التحالف الإقليمي، ومن ناحية أخرى، فإن بيع طائرات مقاتلة بقيمة 1.6 مليار دولار، في وضع تعاني فيه باكستان من أزمة اقتصادية، يمكن أن يحل جزءًا من مشاكل البلاد، وإذا تم العثور على مشترين جدد للأسلحة الباكستانية، فسيساعد ذلك بشكل كبير اقتصاد هذا البلد.
وفي السنوات الأخيرة أقامت الهند العديد من العلاقات مع الدول العربية الخليجية، ومستوى التعاون الاقتصادي مع هذه المجموعة يتزايد يوما بعد يوم، كما حاولت السلطات الباكستانية حل بعض مشاكلها من خلال تعزيز علاقاتها مع دول مثل السعودية وقطر وعدم التخلف عن الهند في هذا المجال، ورغم أن الهند وباكستان عضوان في منظمة شاغاي للتعاون، فإنهما تواجهان بعضهما البعض بشأن القضايا الإقليمية والحدودية، ولطالما ألقت التهديدات بظلالها على العلاقات بين الجارتين وزادت من القلق بشأن الصراع بين القوتين النوويتين، ولذلك، فإن القوتين النوويتين اللتين ترفضان الدخول في صراع مباشر، نقلتا مواجهتهما إلى مناطق أخرى لإلحاق الضرر بمنافستها.
ومع محاولة أذربيجان شراء طائرات مقاتلة من باكستان وقرب أرمينيا من الغرب والهند، لا يوجد أفق واضح للسلام في القوقاز، ويمكن لهذه التحركات العسكرية أن تقود هذه المنطقة المتوترة إلى سباق تسلح وتأجيج نيران الحرب في المستقبل.