الوقت - بعد بدء الهجمات على غزة يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، نشر مسؤولون في الأمم المتحدة أنباء عن تدهور الوضع الإنساني في غزة، وحسب تقرير الأناضول، فقد نزح منذ بداية الحرب 1.9 مليون شخص من منازلهم، وأصبحت منطقة رفح المأوى الرئيسي للنازحين.
وفي هذا الصدد، كتبت مديرة الاتصالات في الأونروا جولييت توما على موقع X الاجتماعي، في إشارة إلى الوضع الإنساني المتردي في قطاع غزة: ملاجئ الأمم المتحدة مليئة بالناس، ولا يوجد مكان لمزيد من اللاجئين، وفي أقصى جنوب قطاع غزة، أي رفح، لا توجد بنية تحتية مدنية لدعم هؤلاء النازحين، وينام معظم المدنيين حاليًا في الشوارع.
سكان غزة يأكلون علف الماشية
إن حالة المجاعة وأزمة الغذاء وصلت إلى حد كبير، وفقاً ليورونيوز، حيث تحول سكان غزة الآن إلى تناول علف مواشيهم.
وحسب أحد سكان مخيم جباليا، مع انتهاء توفر الدقيق الأبيض بشكل كامل في الأسواق، لا يوجد سوى دقيق الذرة في الوقت الحالي.
وأضاف هذا المصدر إنهم كانوا يصنعون الدقيق من الأرز، لكن بسبب ارتفاع الأسعار توقفوا عن ذلك، وبدؤوا في إنتاج الدقيق من الذرة والشعير الخاص بالحيوانات.
وحسب بعض المصادر الفلسطينية، ورغم التحذيرات الطبية من أضرار استهلاك هذا الدقيق وطعمه الكريه، إلا أن هذه القضية قد انتشرت.
ومع انسحاب الجيش الصهيوني من شمال غزة، تمكن المواطنون الفلسطينيون من الوصول إلى مخازن الأعلاف الحيوانية، وتمكنوا من حل أزمة الجوع لبضعة أيام، وبدؤوا في صنع دقيق منخفض الجودة من الشعير والذرة والعدس، وحتى طعام الطيور والقطط لصنع شيء يشبه الدقيق، ولكن سرعان ما ضاعت هذه الانفراجة بسبب النطاق الواسع للجوع في غزة.
وأدى الحصار الإسرائيلي المشدد على غزة إلى نفاد الغذاء والمياه، ويقول مسؤولون في الأمم المتحدة، إن ربع سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة يواجهون المجاعة.
وصرح مايكل فخري، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في الغذاء، في مقابلة صحفية: أصبحت المجاعة مشكلةً حتميةً في غزة، بعد أن توقفت بعض الدول عن تمويل الأونروا، وأضاف فخري: وقف الدعم للأونروا يعني ترك 2.2 مليون فلسطيني تحت وطأة الجوع.
يذکر أن أمريكا وكندا وأستراليا وإيطاليا وإنجلترا وفنلندا وألمانيا وهولندا وفرنسا وسويسرا واليابان والنمسا، هي الدول التي علقت مساعداتها المالية للأونروا.
تحذيرات صحية من تفشي الأمراض ونقص مياه الشرب
تجدر الإشارة إلى أن عدم توافر مياه الشرب الآمنة وتلوث البيئة، قد تسببا في معاناة سكان غزة من العديد من الأمراض المعدية وغير المعدية التي لا يعرفونها حتى هم أنفسهم.
وفي هذا الصدد، كتبت وكالة سما الفلسطينية في خبر نشرته أمس: أعلنت وزارة الصحة في غزة إصابة أكثر من 700 ألف نازح بالأمراض المعدية والجلدية، ونزلات البرد والإسهال والتهاب الكبد الوبائي.
وقالت هذه الوزارة إن الاكتظاظ وعدم توافر الملاجئ المناسبة وعدم توافر الماء والغذاء الكافي، فضلاً عن عدم توافر المرافق الطبية والصحية، يجعل الكارثة الإنسانية والصحية أكثر انتشاراً.
وفي رد فعل قوي على الأعمال الشنيعة التي يقوم بها الکيان الصهيوني ضد الفلسطينيين الذين يعيشون في غزة، وصف تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، الظروف في هذه المنطقة بأنها جهنمية.
وأضاف: يكفي كل هؤلاء القتلى لوقف إطلاق نار آخر، وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، الإثنين 9 فبراير، أن عدد الشهداء في غزة منذ بداية الحرب وصل إلى أكثر من 26 ألفًا، وعدد الجرحى أكثر من 65 ألفًا.
دخلت غزة الشهر الرابع من الحرب، حيث تم تدمير 60 بالمئة من مستشفياتها بالكامل في الغارات الجوية الإسرائيلية، هذا على الرغم من أنه بعد مرور شهر على بدء حرب غزة، أعلنت دويتشه فيله عن طلب اللجنة الدولية للصليب الأحمر وقف تدمير المستشفيات في هذه المنطقة، وكتبت نقلاً عن هذه اللجنة:
"أدت الهجمات على المراكز الطبية في غزة، إلى إضعاف نظام الرعاية الصحية في هذه المنطقة إلى حد كبير، ودفعه إلى "نقطة اللاعودة"، ودعا الصليب الأحمر إلى وقف الهجمات على مستشفيات غزة".
وهرب أكثر من مليونين إلى ثلاثة ملايين فلسطيني من منازلهم في القطاع، ويلجأ مئات الآلاف إلى المدارس التي تديرها الأمم المتحدة والتي تحولت إلى ملاجئ أو إلى مستشفيات، إلى جانب آلاف المرضى الجرحى، واقتربت الهجمات الإسرائيلية في الأيام الأخيرة من العديد من المستشفيات الشمالية، ما أثار قلق الأطباء.
وتابعت يورو نيوز في هذا التقرير، إن منظمة أطباء العالم (MDM) أعلنت أن الأطباء في غزة يضطرون إلى إجراء العمليات على الأرض، وإجراء عمليات قيصرية للنساء وبتر الأطراف للأطفال دون تخدير بسبب نقص الدواء.
وحذرت المنظمة غير الحكومية أيضًا من أنه ستكون هناك زيادة "متسارعة" في وفيات الرضع وسط الهجمات الإسرائيلية المتواصلة، وفي حديثه لإذاعة RTL، عبر نائب حركة MDM، جان فرانسوا كورتي، عن قلقه من أن الوضع في المنطقة المحاصرة "حرج" من "منظور طويل المدى".
ومنذ 9 أكتوبر/تشرين الأول، فرض الکيان الإسرائيلي حصاراً كاملاً على قطاع غزة، وحرمان سكانه البالغ عددهم مليوني نسمة من الماء والغذاء والكهرباء.
ويصف موقع يورو نيوز أيضًا وضع اللاجئين في تقرير، ويقول إن الغارات الجوية الإسرائيلية حولت المباني السكنية في غزة إلى أنقاض، وأدت الغارات الجوية الإسرائيلية يوم الثلاثاء الماضي على مخيم للاجئين بالقرب من مدينة غزة، إلى تدمير مبانٍ سكنية بالأرض وتركت حفرًا في المكان الذي كانت فيه من قبل، بينما هاجمت قوات الکيان الصهيوني المجمعات تحت الأرض أيضًا.
وقال مسؤولون في غزة، إن ست غارات جوية إسرائيلية على الأقل دمرت عدة مبانٍ سكنية في منطقة سكنية في مخيم جباليا للاجئين على مشارف مدينة غزة، وتحدثت الوكالة عن سقوط عدد كبير من الضحايا، لكنها لم تقدم المزيد من التفاصيل.
وتظهر اللقطات التي نشرتها قناة الجزيرة، أربع حفر كبيرة على الأقل حيث كانت المباني قائمةً، وسط رقعة كبيرة من الأنقاض محاطةً بهياكل نصف منهارة، وقام العشرات من رجال الإنقاذ والمارة بالحفر بين الأنقاض، والبحث عن ناجين تحت المباني المدمرة.
لقد فشل تقدم واستمرار الهجمات التي يشنها الکيان الصهيوني في جنوب غزة، بهدف استراتيجية العقاب الجماعي، وكتب روبرت إي بيب، أستاذ العلوم السياسية ومدير برنامج الأمن والتهديدات في جامعة شيكاغو، في مقال في Foreign Affairs: "مع تقدم المزيد من القوات الإسرائيلية في جنوب غزة، فإن الهدف الدقيق لهذا النهج الإسرائيلي ليس واضحاً تماماً.
ووفقاً لهذا الخبير: "على الرغم من أن القادة الإسرائيليين يزعمون أنهم يستهدفون حماس وحدها، إلا أن العشوائية الواضحة تثير تساؤلات حقيقية حول ما تفعله الحكومة حقا".
فهل تكون لهفة "إسرائيل" إلى سحق غزة، نتاجاً للعجز نفسه الذي أدى إلى الفشل الذريع للجيش الإسرائيلي في التصدي لهجوم حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول؛ وهي خطط وصلت إلى السلطات العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية منذ أكثر من عام؟
وهل تدمير شمال غزة وجنوب غزة الآن، هو مقدمة لإرسال كامل سكان الأرض إلى مصر، كما تقترح "الدراسة المفاهيمية" التي قدمتها وزارة المخابرات الإسرائيلية؟
يجيب هذا الأستاذ بجامعة شيكاغو: "مهما كان الهدف النهائي، فإن التدمير الإسرائيلي الجماعي لغزة، يطرح مشاكل أخلاقية عميقة، ولكن حتى لو حكمنا عليه من منظور استراتيجي بحت، فإن النهج الذي تتبناه إسرائيل محكوم عليه بالفشل ـ وهو ما حدث حقاً الآن، وإن العقاب واسع النطاق للمدنيين لم يقنع سكان غزة بالتوقف عن دعم حماس، بل على العكس من ذلك، لم يسفر ذلك إلا عن زيادة الغضب بين الفلسطينيين".
ويضيف: "كما أن الحملة لم تنجح في القضاء على المجموعة التي كان من المفترض أن تستهدفها، وإن أكثر من مئة يوم من الحرب تثبت أنه بينما تستطيع إسرائيل أن تدمر غزة، فإنها لا تستطيع أن تدمر حماس، وفي الواقع، قد تكون المجموعة أقوى الآن من أي وقت مضى".
الكلمة الأخيرة
يمكن القول إن حياة النازحين لم تعد آمنةً حتى في المخيمات، والکيان الصهيوني، الذي يتجاهل الوضع الكارثي للاجئين وأعدادهم المتزايدة، لم يرحم حتى من مخيمات اللاجئين المؤقتة ويهاجمهم أيضاً.
كما أفاد شهود عيان في مخيم المغازي للاجئين، بأن العديد من سكان مخيم المغازي يتعرضون لإطلاق النار "بدم بارد" من مسافة قريبة من قبل الجنود الصهاينة.
وفي الأيام القليلة الماضية، استشهد العشرات في هذا المخيم وأصيب المئات، وسيارات الإسعاف غير قادرة على التنقل في الطرق والبنية التحتية المدمرة لانتشال الجثث.