الوقت- يعد مخيم جباليا من أكبر مخيمات اللاجئين الثمانية في قطاع غزة، ويقع إلى الشمال من غزة بالقرب من قرية جباليا، واستقر فيه اللاجئون الذين قد فروا من القرى والمدن الواقعة في جنوب فلسطين بنهاية حرب 1948.
يقطنه الآن حوالي 116,011 لاجئ مسجل لدى الأونروا، على مساحة لا تتجاوز 1.4 كيلو متر مربع.
ويعد مخيم جباليا، أقرب مخيم إلى معبر إيريز مع الكيان الإسرائيلي.
ومنذ 12 يونيو/حزيران 2007، أي بعد سيطرة حماس على قطاع غزة يسمح لفئة محدودة جداً من أبناء القطاع بالحصول على تصاريح للخروج من غزة للعمل في الكيان الإسرائيلي.
وفي السنوات الماضية، شمل من يُسمح لهم بالحصول على التصاريح، مرضى ممن لديهم تحويلات طبية للعلاج خارج غزة ومرافقيهم والتجار وموظفي المنظمات الدولية وفي بعض الحالات الإنسانية الاستثنائية.
وتوجد في المخيم 32 منشأة تابعة للأونروا، 16 مبنى مدرسياً، ومركز توزيع أغذية وثلاثة مراكز صحية، اثنان منها في مخيم جباليا، والثالث في منطقة الصفطاوي، كما يوجد مكتبان للإغاثة والخدمات الاجتماعية ومكتبة عامة و 7 آبار مياه ومكتب صيانة ومكتب صرف صحي واحد .
ما الأهمية الاستراتيجية لمدينة جباليا؟
تعد جباليا واحدةٌ مِن المدن الفلسطينية القديمة، ولها أهميّتها الاستراتيجية التي تتمثّل في التالي:
تنقسم إلى 3 مناطق رئيسية، وهي بلدة جباليا والنزلة ومعسكر جباليا، إضافة إلى مخيّم جباليا وتبلغ مساحتها نحو 18 كيلومترا مربعا، وعدد سكانها 220 ألف نسمة، نصفهم من سكان المخيم، وفق تقديرات فلسطينية.
لها تاريخ عريق منذ القرن الرابع الميلادي، حيث أقام الرومان على جزءٍ من أراضيها قرية "أزاليا"، والتي اندثرت عندما رحلوا عنها، ليتحوّل اسمها إلى جباليا.
شوارع جباليا لا تزال تحتضن بعض الحجارة المتبقية من منازل قديمة، منها ما يعود إلى العهد العثماني.
تعدّ منطلق الثورات ضد الاحتلال الإسرائيلي، إذ انطلقت شرارة انتفاضة الحجارة في 8 ديسمبر 1987، وامتدت لاحقا لكل الأراضي الفلسطينية، ليطلق على مخيمها اسم "مخيم الثورة".
تتكوّن من 8 تجمعات سكنية هي: مخيم جباليا، مدينة جباليا، النزلة، تل الزعتر، حي الكرامة، حي عباد الرحمن، حي الزهراء، مشروع العلمي.
يبلغ طول شريطها الساحلي على البحر المتوسط قرابة 1.5 كيلومتر.
تمت تسميتها نسبة لطبيعتها الجبلية، ومن المدن المقاربة لاسمها: جبلة في اليمن، وجبلة في سوريا.
قد يكون محرفا من أزاليا الرومانية أو من جبالاية السريانية بمعنى الجمال أو من "جيلا" بمعنى الفخار والطين، وهناك مَن يقول إنها نسبة للجبالية ممن نزلوها في أواخر العهد البيزنطي، وفق مصادر تاريخية.
مِن أشهر مَعالمها الأثرية مقبرة رومانية كُشِف عنها عام 1998، تعود إلى القرن الثاني الميلادي، وكنيسة جباليا البيزنطية، التي كُشِفَت بالصّدفة عام 1997، وتعود إلى القرن الخامس الميلادي، كما يوجد بها المسجد العمري الذي يعود تاريخه للقرون الوسطى.
لماذا يريد الكيان الإسرائيلي السيطرة على جباليا؟
ارتكب الجيش الإسرائيلي في جباليا عدة مجازر على مدار التاريخ، من بينها:
مجزرة جباليا سنة 1967.
مجزرة جباليا سنة 1968.
مجزرة سنة 1987 التي أشعلت الانتفاضة الأولى.
مجزرة جباليا في 2003.
مجزرة اجتياح شمال غزة 2004.
مجزرة جباليا من 27 فبراير 2008 حتى 4 مارس 2008.
مجازر شرق جباليا خلال حرب 2009.
مجازر خلال "طوفان الأقصى" 2023.
وحسب صحيفة "الغارديان"، فإن القوات الإسرائيلية تُواجه معاركَ عنيفةً من جانب المقاومة الفلسطينية تمنعها من السيطرة على مخيّم جباليا، الذي له أهمية حيوية لقربِه من الحدود مع الكيان الإسرائيلي من معبر بيت حانون.
وتزعم صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" أن جباليا تعدّ معقلا لحماس، وكانت هدفا رئيسيا في حرب الجيش الإسرائيلي ضد الحركة في غزة.
وتضيف إنه "إذا سيطرت إسرائيل على جباليا والزيتون، كما تخطّط، فيمكن بعدها توسيع عمليتها بجنوب غزة".
كما أن اسم جباليا يبرز مع كلّ جولة تصعيد مع الكيان الإسرائيلي، حيث إنه أقرب نقطة إلى معبر "إيرز" ومنطقة محيط غزة، وهو المنفذ الوحيد لسكان غزة إلى الكيان الإسرائيلي.
السيطرة على جباليا وحي الزيتون إحدى أصعب مهمّات الجيش الإسرائيلي الذي أقرّ بمعارك ضارية مع مقاتلي القسام في تلك المناطق.
أحضر جيش الاحتلال إلى محيط جباليا "الفرقة 162" و"اللواء المدرع 401" و"لواء المشاة ناحال"، فضلا عن "لواء الاحتياط 551" وقوات النخبة الأخرى لمحاولة السيطرة، لكنه لم يستطِع تحقيق أي إنجاز عسكري يذكر في المخيم وفي كل غزة، بخلاف قتل المدنيين وتدمير البنية التحتية وهدم المنازل.
كما يدعي الكيان الإسرائيلي وجود قيادات حركة حماس في المخيم ومدينة جباليا، وهي ادّعاءات لا دليل عليها.
جباليا من المناطق الأكثر فقرا والأكثر عرضةً للاجتياحات والقصف الإسرائيلي، وتقع على الحدود مع الكيان، ما يجعلها ذات أهمية استراتيجية كبيرة.
ثلاث جرائم متصلة
بعد تتبع الأدلة عن جرائم جيش الاحتلال في عدوانه على جباليا، تم التأكد من وقوع ثلاث من الجرائم كانت متصلة، وارتُكبت في مساحة جغرافية ضئيلة في منطقة الفالوجا غرب المخيم.
كما كشفت المعلومات أن ما ارتكبه الاحتلال يقع في دائرة جرائم الحرب كما تصفها القوانين الدولية والانتهاكات.
فمن خلال ارتكاب المجازر، يوسّع الاحتلال عملياته العسكرية في قطاع غزة، وهذا ما حصل في مناطق مختلفة في القطاع، وهو ما يحصل اليوم أيضًا في معسكر جباليا حيث دمّر مدارس تابعة للأونروا وأعدم عددًا من المدنيين، فحتى المقابر هناك لم تسلم من بطشه وتخريبه.
دمار في مدرسة فلسطين
ومن خلال مقارنة المعالم الظاهرة في مقاطع الفيديو المنتشرة، اتضح أنّها مدرسة فلسطين التي تقع عند منطقة الفالوجا غرب جباليا، في شمال قطاع غزة.
كما أنّها إحدى مدارس الأونروا في جباليا، حيث يظهر جليًا شعار الأونروا فوق المبنى، إضافة إلى التصميم، والطلاء الأبيض والأزرق الذي يميّز جميع مدارس الأونروا.
أما المقطع الآخر المنتشر في الفيديو، فهو يقع عند هذه الإحداثيّات التي تعود إلى مقبرة الفالوجا الجماعية، والتي تبعد عن مدرسة فلسطين بنحو 240 مترًا، في حين أنّ الموقع الجغرافي للمقطع الثالث والذي وقعت فيه جريمة إعدام خمسة عشر نازحًا، هو مدرسة شادية أبو غزالة في منطقة الفالوجا غرب جباليا، والتي تقع عند هذه الإحداثيات، وتبعد عن مدرسة فلسطين بنحو 74 مترًا.
وبالتالي فإن جرائم الاحتلال الثلاث ارتُكِبت في مثلّثٍ يبلغ طوله 752 مترًا، وتبلغ مساحته 0.05 كيلومتر مربع فقط.
توثيق إعدام الاحتلال للمدنيين
تم توثيق مجازر الاحتلال بالصوت والصورة من خلال مشاهد نشرها بعض الصحفيين على مواقع التواصل الاجتماعي، كالصحفي عبد القادر صباح الذي وثّق مشاهد الدمار، وروى تفاصيل إعدام الاحتلال للمدنيين، حيث قال: "بالأمس، اقتحم الجيش هذا المكان وأخرج أهله عنوة ومن كان فيه من الرجال والنساء واقتاد عددًا منهم إلى أماكن غير معلومة".
كما كشف عن تحلّل جثث الضحايا كدليلٍ على بقائها لأكثر من يومٍ في مكانها، وهو الأمر الذي وثّقه المركز الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أيضًا.
كذلك رصد تحقيق تفاصيل تجريف الاحتلال لمقبرة الفالوجا، حيث تبيّن أنّ الجيش الإسرائيلي قام بتحويلها إلى طريق تصله بمدرسة فلسطين، ومدرسة شادية أبو غزالة التي تبعد ما يقارب 410 أمتار عن المقبرة.
كما وجد التحقيق أنّ اقتحام المقبرة وتجريفها ونبش قبورها بدأ منذ الخامس من ديسمبر، وذلك حسب ما نشره الصحفي والباحث الفلسطينيّ أحمد مقداد عبر منصّة "إكس"، وما أكّدته أيضًا صور الأقمار الصناعية الملتقَطة في 11 ديسمبر/ كانون الأول، والتي أظهرت عمليات التجريف الواسعة لمقبرة الفالوجا منذ السادس من الشهر الحالي.
ومن خلال رصد مقاطع نشرها جيش الاحتلال في 10 ديسمبر الجاري، تم تأكيد أنّ جريمة انتهاك المقابر ليست الأولى لجيش الاحتلال، فبتحديد الموقع الجغرافي لهذه المشاهد اتضح أنّها تعود لمقبرة ابن مروان بحي الشجاعية التي شهدت معارك داميةً على مدار الأيام القليلة الماضية.
وبذلك يكون الاحتلال من جديد قد خرق الاتفاقيات الدولية الإنسانية التي تحظر تدمير الممتلكات الخاصة الثابتة أو المنقولة التي تتعلق بالأفراد أو الجماعات، أو بالدولة أو السلطات العامة، كما تحظر هذه الاتفاقيات إصدار إعدام بحق شخص محميّ أو إصدار إعدام خارج نطاق القانون وبطريقة تعسّفية.
هذا وتنصّ القوانين الدولية على احترام المقابر ودفن الموتى طبقًا للشعائر، كما تنص على تأمين حماية المدافن وصيانتها بصورةٍ مستمرّة.