الوقت– بعد عقد من التوقف، أجريت يوم الاثنين انتخابات مجالس المحافظات العراقية في جميع أنحاء البلاد، وتوجه الملايين من العراقيين إلى صناديق الاقتراع للتصويت لمرشحيهم، وبعد انتهاء الانتخابات، بدأ فرز الأصوات في الدوائر الانتخابية وأعلنت المفوضية العليا للانتخابات العراقية، الثلاثاء، أن نسبة المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات في هذا البلد بلغت 41%، وقالت إنه سيتم إعلان النتائج الأولية في 24 ساعة، وحسب وكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع)، قال "عمر أحمد"، رئيس مجلس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية، في مؤتمر صحفي: "إن هذه الهيئة الانتخابية العليا في العراق أوفت بمسؤوليتها الوطنية بنجاح وتم إجراء انتخابات مجالس المحافظات في بيئة آمنة وديمقراطية".
كما تم الإعلان عن نسبة المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات حسب المحافظة، وسجلت أعلى مشاركة في محافظة كركوك بنسبة 65% وأقل مشاركة في محافظة ميسان بنسبة 29%، وأجريت هذه الانتخابات في 15 محافظة عراقية من أصل 18، ولم تشمل هذه الانتخابات 3 محافظات في إقليم كردستان حسب قانون الحكومة الاتحادية.
رغم إجراء انتخابات مجالس المحافظات في العراق إلا أن أجواء محافظة كركوك كانت مختلفة عن المحافظات الأخرى وشهدت ظروفا استثنائية، الأمر الذي أثار إعجاب السلطات العراقية وأبدت ارتياحها لهذا الموضوع واعتبرته مقدمة لحل التحديات في هذه المنطقة.
وفي هذا الصدد، هنأ رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، بإتمام انتخابات مجالس المحافظات في هذا البلد، واعتبر إجراء الانتخابات في محافظة كركوك أهم إنجاز لهذه الفترة، وأكد السوداني: أن “انتخابات مجالس المحافظات هي وفاء لالتزام الحكومة الوارد في برنامج الوزراء وخطوة أخرى نحو اللامركزية الإدارية وتعزيز السلم الأهلي والاستقرار وتحقيق إدارة متأخرة توقفت منذ 2013”، وأشار السوداني إلى أن أبرز أشكال النجاح كان إجراء الانتخابات في كركوك التي أجريت لأول مرة منذ عام 2005، وأحيي كل من ساعد في إعمال هذا الحق.
كما أكد قيس الخزعلي، الأمين العام لعصائب أهل الحق، أن استقرار كركوك، نظراً لأهميتها الكبيرة في تطورات العراق، يعني بالضرورة استقرار العراق، وقال الخزعلي: إن "كركوك تتمتع بوضع خاص بثرواتها ومواردها، وبعد عشرين عاما نحن أمام فرصة جديدة كانت كافية لرؤية ما هو الأفضل لكركوك والعراق".
وتحظى محافظة كركوك بأهمية خاصة بالنسبة للاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي، وتحاول هذه الأحزاب بكل جهودها للحصول على أعلى نسبة من الأصوات في انتخابات مجالس المحافظة لإثبات أن هذه المحافظة كردية. وفي هذه المحافظة، يحق لنحو 870.920 شخصاً التصويت في انتخابات مجالس المحافظات، وبلغت نسبة المشاركة في هذا الإقليم 65%، ما جعل كركوك تتصدر نسبة المشاركة عن المحافظات الأخرى.
تعتبر انتخابات كركوك مهمة من وجهة نظر أن جميع المحافظات العراقية لم تشهد إجراء انتخابات مجالس المحافظات منذ عام 2013، لكن لم يتم إجراء انتخابات مجالس المحافظات في كركوك منذ عام 2005 وبعد 18 عاما تم توفير هذه الشروط سكان هذه المحافظة ليتمكنوا من المشاركة في الانتخابات المحلية، وبموجب التعديل الثالث لقانون الانتخابات، تم تشكيل مجلس المحافظة عام 2005، وحصلت كركوك على 16 مقعدا، بينها مقعد للمسيحيين، مقابل 41 مقعدا في الانتخابات.
أهمية انتخابات كركوك
وتعتبر عودة مجالس المحافظات الحل لكثير من مشاكل المحافظات وخاصة محافظة كركوك، لأن هذه المحافظة لها وضع خاص وبها مشاكل كثيرة لا يمكن حلها إلا عبر الوسائل السياسية، ونظراً لطبيعة المحافظة، تعتبر انتخابات مجلس محافظة كركوك العملية الأكثر إثارة وتنافسية لتشهد صراعاً سياسياً وطنياً، حيث تحاول الأحزاب الكردية استعادة منصب المحافظ واستعادة نفوذها السياسي بعد خسارته طوال العقدين الماضيين.
ولهذا السبب، دعا زعماء الأحزاب الكردية، قبل الانتخابات، الشعب الكردي إلى التوجه إلى صناديق الاقتراع لزيادة ثقله أمام الأقليات الأخرى من خلال الفوز بمزيد من المقاعد، وقبيل الانتخابات وجه أحد قادة الأحزاب الكردية محمد سيد كريم في حديث لـ”فرات نيوز” رسالة إلى أهالي كركوك وقال: “رسالتي إلى أهالي كركوك هي المشاركة في الانتخابات”، والتصويت للقوائم الكردية للحصول على الأصوات"، لن يختفي الأكراد وسيتعزز موقع الأكراد في مجلس محافظة كركوك.
من ناحية أخرى، ظلت كركوك دائما محل نزاع بين الحكومة الاتحادية وأربيل بسبب موقعها الاقتصادي ومواردها الضخمة من النفط والغاز، وفي السنوات الأخيرة، حقق إقليم كردستان دخلا كبيرا من خلال بيع نفط كركوك إلى تركيا دون موافقة الحكومة الاتحادية، وأثارت هذه القضية غضب حكومة بغداد، لدرجة أن بغداد اشتكت إلى المحاكم الدولية المختصة، وبعد عدة سنوات حكمت محكمة باريس للتحكيم لصالح بغداد في نيسان/أبريل من العام الجاري، وبموجب هذا الحكم توقفت أربيل عن بيع النفط لتركيا.
ويعتبر حقل نفط كركوك أقدم حقل نفط في العراق وثاني حقل نفط في العالم بعد حقل غوار في السعودية من حيث القدرة الإنتاجية وأيضاً خامس أكبر حقل في العالم من حيث الحجم، واستناداً إلى مواد الدستور، تريد الحكومة المركزية بيع نفط كركوك تحت سيطرة بغداد بحيث يتم تقسيم عائداته من قبل الحكومة، بينما كان زعماء الإقليم الكردي ضد ذلك.
وتصاعدت هذه الصراعات السياسية بين الحكومة المركزية وحكومة الإقليم في أربيل بعد إجراء استفتاء الاستقلال في إقليم كردستان في سبتمبر/أيلول 2017، ورغم عقد اجتماعات عديدة بين مسؤولي الجانبين، إلا أنها لم تتمكن من التوصل إلى حل أساسي في هذا المجال، ولذلك، فإن إجراء انتخابات مجالس المحافظات في كركوك، والتي رحبت بها سلطات بغداد وأربيل، يمكن أن يساعد في عودة الاستقرار السياسي إلى هذه المحافظة الغنية بالنفط.
حل الخلافات العرقية
وبالإضافة إلى القضايا السياسية والاقتصادية، فإن ما وضع كركوك في دائرة الضوء هو وجود التنوع العرقي في هذه المحافظة، ويطلق العراقيون على كركوك اسم مدينة القوميات الشقيقة أو مدينة التأميم، وهي تضم مختلف الأعراق والقوميات العراقية، من الأكراد والتركمان والعرب والآشوريين والكلدان والصابئة المندائيين، ورغم أن هذا التنوع العرقي يعتبر ميزة لكركوك، إلا أنه في السنوات الأخيرة، زاد الصراع بين هذه المجموعات العرقية ولا يزال انعدام الأمن يلقي بظلاله على هذه المحافظة.
وقد قُتل أربعة أشخاص على الأقل وأصيب آخرون في آخر الاشتباكات العرقية التي جرت في سبتمبر الماضي، والتي انتهت بوصول قوات الحكومة المركزية، السكان العرب والأقليات الذين يقولون إنهم عانوا في ظل الحكم الكردي ويعترضون على عودة الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى كركوك، ولهذا السبب فإن نتائج انتخابات مجالس المحافظات في كركوك لها أهمية كبيرة، ولذلك، فإن دخول أحزاب من مجموعات عرقية مختلفة إلى مجلس هذه المحافظة يمكن أن يساعد كثيرًا في حل النزاعات بين الأقليات العرقية.
لأنه حتى الآن لم تكن هناك محكمة مختصة لحل النزاعات، ولكن من الآن فصاعدا يمكن للممثلين المحليين، وهم مزيج من الأعراق المختلفة، حل التوترات نيابة عن الشعب، تعمل مجالس المحافظات في العراق كسلطة تشريعية ورقابية في كل محافظة، ولها حق إصدار القوانين المحلية التي تسمح لها بإدارة شؤونها وفق مبدأ اللامركزية الإدارية، بما لا يتعارض مع الدستور والقوانين الاتحادية.
وبالإضافة إلى المجموعات العرقية، وبسبب موقعها الاقتصادي، أصبحت كركوك مكاناً للقوى الإقليمية وغير الإقليمية للعب دور في العقد الماضي، وبسبب الانفلات الأمني والخلافات بين المنطقة والحكومة المركزية، دأبت إيران على التوسط بين الجانبين لخفض التوترات حتى تختفي حالة عدم الاستقرار من العراق، وتعتبر تركيا أيضًا كركوك شريكًا رئيسيًا في أمن الطاقة، ويعتبر خط أنابيب النفط كركوك-جيهان رمزًا لهذه الشراكة، أمريكا التي تبحث دائما عن التصيد في المياه العكرة، حاولت في السنوات الأخيرة تأمين مصالحها الاستعمارية من خلال تأجيج التوتر بين أربيل وبغداد.
كما استغلت عناصر حزب العمال الكردستاني الإرهابي حالة انعدام الأمن في كركوك لمصلحتها في السنوات الماضية، وفي 2017، عشية إعلان القضاء على تنظيم "داعش" الإرهابي، أعلنت بعض وسائل الإعلام أن حكومة أربيل أرسلت عناصر من حزب العمال الكردستاني إلى كركوك، وعلى إثر ذلك أعلن مجلس الأمن القومي العراقي وجود عناصر حزب العمال الكردستاني في كركوك إعلان حرب على الحكومة مركزية.
وبشكل عام يمكن القول إنه بسبب غرق كركوك في الأزمات السياسية والأمنية في العقد الماضي، فإن إجراء انتخابات مجالس المحافظات يمكن أن يكون بمثابة مرهم، مهما كان صغيرا، لإنهاء هذه الصراعات في هذه المحافظة، وحل الخلافات بين أربيل والحكومة المركزية، وتأمل الحكومة المركزية بأن يعود الأمن أيضا إلى ربوع كركوك.