الوقت - على بعد مئات الكيلومترات من غزة، تم فتح جبهة أخرى ذات عواقب أوسع بكثير ضد الکيان الصهيوني، حيث إن الاستيلاء على السفن ومهاجمة ميناء إيلات، نقل الحرب ضد المصالح الاقتصادية لهذا الکيان إلى أجزاء أخرى من المنطقة.
ففي الحالة الأخيرة، استهدف الجيش اليمني السفينة النرويجية المحملة بالنفط المسماة "ستريندا"، والتي كانت متجهةً نحو الكيان الصهيوني، وسبق أن هاجم عدة سفن أخرى وسفينة أمريكية في البحر الأحمر، ما جعل هذا الطريق البحري غير آمن للصهاينة، وألحق بهم خسائر فادحة.
في السنوات الأخيرة، حاول الکيان الصهيوني جاهداً زيادة تجارته مع الدول الآسيوية، وخاصةً الهند والصين واليابان وسنغافورة، ويقدر حجم تجارة هذا الکيان مع الدول الآسيوية، بأكثر من 40 مليار دولار سنوياً، کما يقدر عدد السفن التي ترسو في موانئ الكيان الصهيوني من آسيا عبر البحر الأحمر، بنحو 280 ألف سفينة.
إن هجمات الجيش اليمني على سفن الکيان الصهيوني وكل السفن التي تتجه نحو هذا الکيان، هي إعلان عن حصار تجاري بحري مباشر ضد "إسرائيل" عبر البحر الأحمر، وقد زاد هذا التطور المهم من مشاكل الاقتصاد الإسرائيلي، الذي يواجه ركوداً كبيراً منذ بدء عملية طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وكتبت صحيفة "إسرائيل هيوم" الصهيونية في تقرير لها، أشارت فيه إلى الحصار البحري الذي تفرضه قوات الجيش اليمني على الکيان الإسرائيلي: "تفضل شركات الشحن التخلي عن طريق الشحن إلى إسرائيل بسبب المخاطر القائمة، وتجنب الرسو في ميناء إيلات".
وحسب الصحيفة، فإن البضائع التي تنتقل من الشرق إلى الکيان الإسرائيلي، يجب أن يتم إرسالها إلى ميناء بديل في أوروبا، وهو ما يعني تكاليف إضافية ووقتاً طويلاً، والخسارة الأولى للحصار البحري الإسرائيلي من جهة البحر الأحمر، ستكون إغلاق ميناء إيلات.
وحسب الخبراء، فإن العمليات البحرية الناجحة للقوات اليمنية واستهداف سفن الکيان الصهيوني في البحر الأحمر، تتطلب قدرةً استخباراتيةً عسكريةً عاليةً.
وفي هذا الصدد، قال روعي شارون، الخبير في القضايا العسكرية الصهيونية، في حديث مع القناة 12 التابعة للکيان الصهيوني، "إن الحوثيين(أنصار الله) حولوا البحر الأحمر إلى بؤرة هجمات ضد المصالح الإسرائيلية، إنهم يديرون المواجهة مع إسرائيل بشكل جيد، ويعرفون أي السفن الأمريكية لديها أنظمة تتبع، ويقوم الحوثيون(أنصار الله) باستمرار بتغيير مسارات الصواريخ التي يتم إطلاقها باتجاه إسرائيل، ويخدعون السفن الأمريكية بشكل جيد للغاية".
کما تحدث عبدالله اليوسفي، وهو مراسل يمني في صنعاء، عن القدرة الاستخبارية للجيش اليمني في ضرب أهداف الكيان الصهيوني في المياه الإقليمية، وقال: من الواضح أن العمليات العسكرية التي تقوم بها القوات العسكرية التابعة للحكومة اليمنية، مبنية على معلومات عسكرية متقدمة، فاليمنيون يعرفون جيداً أي دولة وأي شركة تمتلك السفن التي تبحر في البحر الأحمر، کما أن لديهم أيضًا معلومات مفصلة عن البضائع وركابها، وهذا يدل على أن صنعاء تتمتع بنشاط استخباراتي متطور وواسع في المنطقة".
وأعلن المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية في بيان له، أنه في حال عدم وصول المساعدات الغذائية والدواء إلى غزة، فإن اليمن سيمنع مرور السفن من كل دول العالم باتجاه الأراضي المحتلة.
وجاء في هذا البيان أيضًا: إن أمر منع مرور السفن إلى الأراضي المحتلة بفلسطين، صدر بعد النجاح في منع سفن الاحتلال الصهيوني من الإبحار في البحر الأحمر وبحر العرب.
وقال وزير الإعلام اليمني ضيف الله الشامي، إن الهجمات على سفن الکيان الصهيوني مستمرة، ولدينا معلومات كاملة عن مرور السفن، وحتى الآن لم نرتكب أي أخطاء في استهداف السفن التابعة للکيان الإسرائيلي، وأكد هذا المسؤول اليمني أن البحر الأحمر آمن تماماً للسفن الأخرى.
كما قيّم طالب الحسني، الخبير في الشؤون السياسية اليمنية، البيان الأخير للقوات المسلحة اليمنية بأنه مهم، وقال إن تحذير صنعاء من أنه إذا لم تصل المساعدات الغذائية والأدوية إلى غزة فإنها ستمنع حركة السفن باتجاه الأراضي المحتلة، يعني لأول مرة أنه سيتم تطويق الکيان الصهيوني من جهة البحر الأحمر، وإذا هاجمت السفن الأمريكية والبريطانية الجيش اليمني، فسيكون ذلك مكلفاً للغاية بالنسبة لواشنطن ولندن، ويبدو من غير المرجح أن تدخلا في مثل هذه المغامرة في الوضع الحالي.
إن الهيمنة العسكرية للجيش اليمني على مضيق باب المندب تطور مهم، تمر عبر هذا المضيق 21 ألف سفينة، باعتباره أحد أهم الطرق لنقل الطاقة والبضائع، كما تنقل الناقلات أكثر من 6 ملايين برميل من النفط يومياً.
وقال رياز دومازيتي، خبير السياسات الدولية في مركز الدراسات التركية، إن انعدام الأمن في البحر الأحمر يزيد تكلفة النقل البحري بنسبة 43%.
وأضاف هذا الخبير في القضايا الدولية، إن تحذير الجيش اليمني للسفن التي تتجه نحو الأراضي المحتلة، يزيد من قدرة صنعاء على المساومة مع القوى الغربية، وبما أن السعودية دعت الغربيين إلى ممارسة ضبط النفس من أجل التعامل مع أنصار الله، فمن المرجح أن تدخل واشنطن في مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع الحكومة اليمنية، وستقبل صنعاء كلاعب مهم وقوة بحرية.
وقال روعي کايس، الخبير في القضايا السياسية الصهيونية، في حديث مع القناة 12 التابعة للنظام الصهيوني: حاولت السفينة الأمريكية كارني منع هجوم القوات التابعة للحوثيين(أنصار الله) على السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، لكنها فشلت، وهذا حدث خطير للغاية، يظهر أن الحوثيين(أنصار الله) لا يخافون من القوى البحرية، وكانت أول نتائج هذا التطور الخطير، هو قرار شركة الشحن الإسرائيلية اتسيم بوقف حركة سفنها في البحر الأحمر.
ويرى بعض الخبراء اليمنيين أن تل أبيب تحاول إحباط هجمات الجيش اليمني على المصالح الاقتصادية للکيان الصهيوني، ومن المحتمل أن تستخدم تل أبيب قواتها الاستخباراتية العسكرية المتمركزة في الجزر اليمنية بإذن من الإمارات العربية المتحدة، لتحييد الهجمات الصاروخية والطائرات دون طيار اليمنية.
وفي هذا الصدد، يقول الخبير السياسي اليمني محمد الوجيه، إن جنوداً صهاينة يتواجدون في جزيرتي سقطري وميون اليمنيتين بالزي الرسمي وأعلام الإمارات، وسيحاولون تحييد تصرفات القوات اليمنية ضد المصالح الاقتصادية والعسكرية للكيان الصهيوني، لكن الجيش اليمني سيراقب بالتأكيد تحركات الصهاينة في الجزر اليمنية، وسيتحرك في الوقت المناسب.