الوقت - أخيراً وبعد العديد من التصريحات المتناقضة حول تسليم أو عدم بيع مقاتلات روسية من طراز سوخوي 35، نُشرت في الأيام الأخيرة تقارير رسمية، وضعت حداً للشائعات التي أحاطت بهذا العقد العسكري بين إيران وروسيا.
وفي هذا الصدد، قال السيد مهدي فرحي، نائب وزير الدفاع والإسناد في القوات المسلحة الإيرانية، عن عملية شراء مقاتلات جديدة من روسيا: لقد تم التأكد من شراء مقاتلات "سوخوي 35" ومروحية "ميل 28" الهجومية وطائرات التدريب "ياك 130" من روسيا.
وأكد فرحي: "يتم استكمال عملية شراء هذه الطائرات العسكرية المتطورة لضمان دمجها في الترسانة الدفاعية الإيرانية، ومن المتوقع أن تؤدي هذه الإضافة الاستراتيجية إلى تعزيز جاهزية البلاد القتالية الجوية بشكل كبير".
أثير الحديث عن شراء طائرات سوخوي 35 من روسيا لأول مرة في منتصف سبتمبر/أيلول 2022؛ وآنذاك، أعلن العميد حميد وحيدي، قائد القوات الجوية الإيرانية، أن شراء مقاتلات سوخوي 35 من روسيا مدرج على أجندة القوات الجوية.
في الوقت نفسه، تفاعلت وسائل الإعلام الغربية والإقليمية مع هذا الخبر، وتناولت مجلة "فوربس" هذا الموضوع، وكتبت: "إن الحصول علی المقاتلة الجديدة، سيكون تطوراً كبيراً للقوات المسلحة الإيرانية، وفي الواقع، إذا تحققت هذه المسألة، فستكون أكبر عملية شراء لطائرات مقاتلة من قبل إيران منذ أكثر من 30 عامًا".
وفي نوفمبر من العام الماضي أيضًا، تمت مناقشة مسألة شراء سوخوي 35 من روسيا مرةً أخرى، واستمرت هذه المناقشات حتى أكد مندوب إيران لدی الأمم المتحدة في مارس من العام الماضي: "قامت إيران أخيرًا بتنسيق عقد شراء طائرات سوخوي 35 من روسيا، تعتبر مقاتلات سوخوي-35 مقبولةً من الناحية الفنية لإيران، لذلك بعد أكتوبر 2020 وانتهاء القيود التي فرضت علی إيران بشأن شراء الأسلحة التقليدية، وضعت إيران اللمسات الأخيرة على عقد شرائها"، لكن ممثلية إيران في الأمم المتحدة لم تذكر عدد المقاتلات، مشيرةً إلى أن تفاصيل هذا الاتفاق سرية.
وحسب تقارير إعلامية، كان من المقرر في السابق تسليم هذه المقاتلات إلى القوات الجوية المصرية، بموجب عقد تم توقيعه بين روسيا ومصر في عام 2019 بقيمة 2 مليار دولار، لكن التهديدات الأمريكية جعلت مصر تخشى عواقب العقوبات الغربية المحتملة، وترفض استلام مقاتلات سوخوي 35 بالكامل.
وبعد ذلك تم الإعلان عن تسليم هذه المقاتلات إلى الإيرانيين، ويخضع الطيارون الإيرانيون لدورات تدريبية على استخدام مقاتلات سوخوي.
ولم يحدد المسؤولون العسكريون الإيرانيون عدد الطائرات التي تم شراؤها من روسيا، لكن حسب رويترز، من المحتمل أن تدخل 24 مقاتلة من طراز سوخوي 35 إلى إيران خلال هذه الفترة.
ورغم أن تفاصيل هذا العقد ظلت سريةً من قبل سلطات البلدين، إلا أن بعض المصادر غير الرسمية أعلنت أن قيمة هذا العقد تبلغ نحو 2 مليار دولار، وهو المبلغ نفسه الذي كان من المفترض أن تدفعه مصر لروسيا.
وتجدر الإشارة إلى أنه في السنوات الأخيرة، تم ذكر شراء إيران لطائرات مقاتلة روسية الصنع من طراز سوخوي 35 عدة مرات، وأعلنت سلطات هذا البلد أنه تم الانتهاء من شراء وتسليم هذه المقاتلة، ومع ذلك فإن تسليم هذه المقاتلة إلى إيران كان يتأخر دائمًا.
هذا في حين أن الأمم المتحدة ألغت جميع عمليات حظر الأسلحة المفروضة على إيران في أكتوبر من هذا العام، ويمكن لإيران شراء الأسلحة من الخارج دون أي قيود، وربما كان سبب تأخر روسيا في تسليم هذه المقاتلات هو هذه العقوبات، وكانوا ينتظرون رفع هذه القيود عن إيران.
يحاول الغربيون، الذين يشعرون بقلق بالغ إزاء تطور التعاون العسكري بين روسيا وإيران، إثارة الجدل من خلال إظهار أن هذه الأعمال تشكل تهديداً للمجتمع الدولي.
قد ادعى مركز راند للأبحاث في تحليل حول هذا الأمر: "وفقًا للتقارير، تبادلت روسيا أكثر من 60 طائرة مقاتلة من طراز سوخوي-35 مقابل عدة آلاف من الطائرات دون طيار من إيران، وتُستخدم هذه الطائرات دون طيار الآن في الحرب في أوكرانيا لتدمير البنية التحتية الحيوية في أوكرانيا".
ويأتي هذا الادعاء على الرغم من أن التعاون بين البلدين لا يرتبط بالفترة التي تلت الحرب في أوكرانيا، وفي العقد الماضي وقعت طهران وموسكو عقوداً في هذا المجال، وتمت مناقشة شراء طائرات سوخوي-35 قبل الحرب في أوكرانيا.
قدرات سوخوي-35
سوخوي-35 هي مقاتلة متعددة الأغراض ذات طيار واحد فائقة السرعة مصنوعة في روسيا وتتمتع بقدرة عالية على المناورة، ومصممة لتكون مقاتلة تفوق جوي.
کما تتمتع سوخوي-35 بالقدرة على أداء مجموعة من المناورات الأكثر صعوبةً، بما في ذلك مناورة الكوبرا، ومناورة كولبيت، ومناورة الجرس، ومناورة انزلاق الذيل، ومناورة الهوك بأعلى جودة.
ويعدّ إجراء مناورة هيربست أمرًا بسيطًا للغاية بالنسبة لطائرة سوخوي-35، ويمكنها أيضًا التباطؤ إلى الصفر وتغيير الاتجاه تمامًا في أقل من خمس ثوانٍ، وتستخدم طائرة سوخوي-35 رادار N035 Airbus E القوي جدًا، والمعروف باسم نمر الثلج.
يتمتع هذا الرادار بالقدرة على كشف الأهداف الجوية على مسافة 400 كم، ويمكنه اعتراض 30 هدفًا جويًا على مسافة 300 كم، والاشتباك مع 8 منها في الوقت نفسه.
کما تتمتع هذه المقاتلة أيضًا بقدرات تشمل أجهزة استشعار متكاملة متقدمة، وتوفير المسح الإلكتروني النشط، والقدرة على الطيران فائقة المراقبة، والقدرة على المناورة الفائقة، والقدرة على استخدامها كمقاتلات متعددة الأغراض وتقليل المقطع العرضي للرادار، ولذلك، فإن دخول مثل هذه المقاتلات إلى مجال الدفاع في أي بلد، يمكن أن يساعد بشكل كبير في تعزيز القوات المسلحة.
وحسب بعض الخبراء، فإن "شراء الطائرات المقاتلة من طراز سوخوي-35، سيسهل تجديد بعض قدرات القوات الجوية الإيرانية، وربما سيكون الأساس لمزيد من التعاون في مجال الإنتاج الدفاعي بين روسيا وإيران".
تطوير التعاون العسكري بين طهران وموسكو
لقد وقعت إيران وروسيا من قبل عقودًا لتوريد معدات عسكرية مختلفة، بما في ذلك بيع أنظمة صواريخ الدفاع الجوي إس-300 و سوخوي 30 للجمهورية الإسلامية، ومع تسليم مقاتلات سوخوي-35 المتقدمة، سيتم تعزيز مستوى التعاون العسكري بين البلدين.
في السنوات الأخيرة، طورت موسكو وطهران تعاونهما في بعض القضايا الإقليمية والدولية الرئيسية، بما في ذلك الدعم السياسي والعسكري المتبادل للحكومة السورية، كما أدى فرض العقوبات الغربية من قبل واشنطن وحلفائها على البلدين، إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والعلاقات المالية بينهما، وتتزايد هذه التفاعلات يوماً بعد يوم.
ويتزامن شراء سوخوي-35 مع التغيرات الجيوسياسية العالمية، وتعميق العلاقات بين موسكو وطهران، مع بدء الحرب في أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، تم تعزيز مستوى التعاون العسكري بين طهران وموسكو، لتحدي سياسات أمريكا الداعية إلى الحرب في المنطقة.
ولذلك، فإن صفقة الأسلحة هذه تأتي في سياق مواجهة أوسع مع الغرب، وإصرار الصين وروسيا وإيران ودول أخرى على تحدي هيمنة الدولار من خلال التجارة بالعملات الوطنية.
في العامين الماضيين، حاولت أمريكا جاهدةً منع التقارب بين البلدين، من خلال التعبير عن قلقها من تقارب روسيا وإيران من بعضهما البعض، لكنها كلما تحاول كلما تحصل على النتيجة المعاكسة.
وهو ما أكده مؤخراً سيرغي ريابكوف، نائب وزير الخارجية الروسي، حيث قال: إن موسكو ستعمل على تطوير التعاون العسكري التقني مع إيران على أساس المصالح المشتركة، وتعتزم روسيا استغلال رفع القيود التي فرضها مجلس الأمن الدولي على برنامج الصواريخ الإيراني لتطوير التعاون.
تعزيز القوة الدفاعية
قبل الثورة الإسلامية، لم تكن إيران مجهزةً إلا بعدد من مقاتلات الجيل الأول من طراز إف-4، ومع انتصار الثورة توقف شراء الأسلحة من واشنطن، وخلال الحرب العراقية الإيرانية، استخدمت القوات المسلحة الإيرانية هذه المقاتلات.
وفي العقدين الماضيين، وبسبب العقوبات الواسعة التي فرضها الغرب، والتي حظرت شراء أي معدات عسكرية من الخارج، بدأ العلماء العسكريون الإيرانيون العمل على تعزيز القاعدة الدفاعية للبلاد. وفي عام 2018، قاموا بإنتاج وتسليم عدد من المقاتلات المحلية من نوع "کوثر" إلى أسطول القوات الجوية.
في السنوات الأخيرة، إلى جانب تطوير قوة الصواريخ والطائرات دون طيار، تمت مناقشة شراء مقاتلات من روسيا على الطاولة لتعويض أوجه القصور في هذا المجال، ولذلك، مع تسليم طائرات سوخوي 35 إلى جانب إنتاج المقاتلات المحلية والصواريخ والطائرات دون طيار التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، ستزداد قوة الردع للجمهورية الإسلامية في المنطقة.
وقال الخبير العسكري الإيراني محمد حسن سنک تراش في مقابلة مع سبوتنيك: "ستكون هذه الطائرة فعالةً بشكل خاص إذا تمكنت إيران من تركيب أسلحة كبيرة عليها، يمكن لطائرة سوخوي-35 أن تلعب دور نظام أواكس القتالي المصغر (نظام الإنذار والتحكم المحمول جواً)، وإذا تم توصيلها بشبكة الرادار الإيرانية، فإنها ستكتسب قدرةً دفاعيةً فريدةً من نوعها".
وأضاف: "إذا اشترت إيران التقنيات الروسية وبدأت في الإنتاج الضخم المشترك لطائرات سوخوي-35، فيمكنها الحصول على ميزة خاصة على المقاتلات والسفن الحربية لجيرانها".
بالنظر إلى أن التوترات بين الکيان الصهيوني وإيران تصاعدت في الأشهر الأخيرة، فإن دخول مثل هذه المقاتلات إلى الأسطول الجوي، سيعزز قوة إيران أمام الکيان، وسيشعر هذا الکيان بمزيد من الضعف أمام جبهة المقاومة.
وكانت شبكة "كان" التابعة للكيان الصهيوني قد قالت في وقت سابق عن ذلك: "يمكن لمقاتلات سوخوي-35 أن تحسن بشكل كبير قوة سلاح الجو الإيراني، وإذا تمت هذه الصفقة، فهي بالتأكيد تطور مهم في قدرات إيران؛ وخاصةً في الأيام التي تخطط فيها "إسرائيل" لوقف قدرات إيران النووية"، كما قال خبير في الشؤون العسكرية الأميركية في هذا الصدد، إن "سوخوي 35 يمكن أن تغير المعادلة حقاً".