الوقت- تحظى العديد من العواصم العالمية وأجهزة الاستخبارات ومراكز البحث والاستطلاع والمؤسسات الحكومية والمدنية في مناطق مختلفة بالتركيز على استكشاف إجابة لتساؤل برز بشكل واضح بعد إعلان وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وهو، هل تقرر حركة حماس التخلي عن زيها العسكري والمضي قدمًا في مشروع سياسي؟ يظهر هذا السؤال طبيعياً في سياق الأحداث، ويستند إلى الافتراض الذي يعتقد أن النزاع العسكري المستمر منذ 7 أكتوبر يجب أن ينتهي بتشكيل مشروع سياسي، وما يمكن تأكيده هو أن القيادات العسكرية لحركة حماس على الأرض، بالإضافة إلى الأفراد داخل قطاع غزة، تظهر رفضًا مبدئيًا وشكليًا وتوقيتيًا لطرح هذا السؤال أو الاستماع إليه.
التحركات الدبلوماسية مرهونة بالميدان
على الرغم من كل كما يجري الحديث عنه، فإن قادة المكتب السياسي الواقعين في الخارج والتفاوضين على هامش وقف إطلاق النار، كما في القاهرة والدوحة، وحتى في بعض العواصم مثل عمان وأبوظبي، قد طرحوا هذه التساؤلات وسعوا للمشاركة في النقاش حول المسارات السياسية المحتملة، يبدو أن العديد من الأطراف تفاجأت بالفعل، وأظهرت اهتمامًا متزايدًا بالتواصل السياسي المبكر، من خلال سلسلة من المبادرات والمقترحات والتحركات الدبلوماسية.
وفي هذا الشأن، أقر أحد القادة في المكتب السياسي بأن عاصفة من المبادرات المكتوبة والمسموعة، وسيلاً من الاقتراحات قد هطلت كالمطر خلال الأيام القليلة الماضية على قيادة المكتب السياسي، وخاصةً في الدوحة، كما أشار إلى أن بعض العواصم تظهر اهتمامًا كبيرًا بالإجابة عن تلك المبادرات، حيث تتم تجربة عدة أطراف من بينها أطراف أوروبية وأمريكية تحت عنوان التصوُّر السياسي لدى حركة حماس في مرحلة ما بعد انتهاء الصراع العسكري، ويظهر بوضوح أن طرح سؤال المشروع السياسي هو نتيجة حتمية لصمود المقاومة في قطاع غزة وفشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق أي من أهدافه المعلنة، سواءً بشكل شامل أو جزئي.
ولكن، يبدو أن تلك الأطراف مستعجلة لبدء تفاهمات وترتيبات سياسية مع حركة حماس تحت عنوان تجنب ترك المجتمع الدولي والدول الكبرى تحدد مستقبل قطاع غزة، ويصر الجانبان المصري والأردني، على سبيل المثال، على أن يكون مستقبل قطاع غزة مرتبطًا بمستقبل الضفة الغربية ومشروع حل الدولتين وتسوية شاملة، هذا ما أكده وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي لعدد من المتصلين الذين بحثوا عن سياقات حركة الدبلوماسية الأردنية.
ويظل العديد من الفاعلين، الذين يسعون للانخراط في المشهد السياسي بعد إعلان وقف إطلاق النار في قطاع غزة، مستبعدين من أروقة السلطة الفلسطينية، ويعتبرون مطرودين من جنّة فتح ومنبوذين في بعض الفصائل الأخرى التي تشهد أقل نشاطًا في المواجهات مع الإسرائيليين، وخاصة في الضفة الغربية، ويتكون هؤلاء من رجال إعلام وفكر وثقافة، ونشطاء سياسيين، بالإضافة إلى أفراد في أجهزة المخابرات، الذين يسعون جاهدين لإيجاد صيغة لفهم التفكير السياسي لحركة حماس بشأن مستقبلها.
وتكررت هذه التساؤلات والمناقشات مع قادة حماس في الدوحة عدة مرات، وتم طرحها بشكل مباشر خلال لقاءات مع المنظومة الأمنية المصرية قبل أكثر من أسبوع، بينما يرفض قادة حركة حماس داخل قطاع غزة، سواء في الحقل العسكري أو السياسي، التفاوض حول الخروج من المجال العسكري باتفاق سياسي في الوقت الحالي، يتمثل في الرد الرسمي الوحيد والذي يلقى التأكيد من قبل رئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية، في مبادرته السياسية التي قدمها في بداية العدوان الإسرائيلي، والتي تتألف من أربع نقاط رئيسية.
منهج واضح لحماس
حتى الآن، يتفق القادة السياسيون في حركة حماس على أن أي شخص يسأل عن التصوّر السياسي للحركة وليس الجانب العسكري، يمكن أن يُحيل فورًا إلى مبادرة إسماعيل هنية باعتبارها الوثيقة المعتمدة حتى اللحظة، وقادة حماس على الساحة السياسية في غزة وخارجها قد اتفقوا مؤخرًا على عدم السماح بتسارع النقاش حول هذا الموضوع، وخاصة مع أطراف فلسطينية وعربية، داخل وخارج حركة فتح، بهدف تجنب تسليط الضوء على أفكار مستعجلة أو مسبقة، يقومون بذلك بناءً على الاعتقاد بأن الأولوية المطلقة في هذه المرحلة هي وقف العدوان الإسرائيلي، ودعم أهل غزة، وفتح المعابر لتقديم المساعدات لهم، وتم نقل هذه التفاصيل لعدة شخصيات داخل فتح وشخصيات أمنية عربية، حيث أجريت حوارات متنوعة مع عدة أطراف في هذا السياق.
وإن جرائم الكيان ضد الغزاويين أثرت بشكل كبير على الرأي العام العالمي، حيث طلبت "إسرائيل" من السكان مغادرة منازلهم في قطاع فلسطيني مكتظ بالسكان قبل هجوم على عدة أماكن في غزة ومن ثم قتلت منهم، ما أسفر عن مقتل نحو 13 ألف شخص، ما أعاد للأذهان ذكريات التهجير والإكراه عن الأرض التي بدأت في 1948، عندما أُجبر الفلسطينيون على ترك منازلهم، هذه التجارب المؤلمة تأتي في سياق إنشاء دولة "إسرائيل"، ما زاد من معاناة الفلسطينيين، واليوم لن يجد الفلسطينيون بديلا لشيء إلا بالتوازي مع المقاومة لأنها الخيار الوحيد.
والمقاومة التي تعلم أن "إسرائيل" قصفت منازل السكان في شمال قطاع غزة ومستشفياته بشكل خطير، ثم ادّعت فيما بعد أنها ستضمن سلامة الفلسطينيين لا يمكن أن تثق بها أبدا، وشاهد العالم كيف تجمعت القوات الإسرائيلية حول قطاع غزة وقصفت المنازل بشكل عنيف، ما ألحق أذىً بالمدنيين والممتلكات، وهذه الأحداث أثرت بشدة على السكان وزادت من معاناتهم في ظل النزاع الدائر، الفلسطينيون يدركون أن الولايات المتحدة – ومن معها- مسؤولة عن هذا الوضع، وأيضًا الدول التي تطبع علاقاتها مع "إسرائيل".
ويجد السكان في غزة يرون أن هناك محاولة من "إسرائيل" لإبادة أهالي غزة وتدميرها، ويشددون على أنهم يقاومون الاحتلال الإسرائيلي بكل وسائل المقاومة الممكنة، داعين الشعب الفلسطيني الآخر الذي يعاني من الاحتلال إلى مواصلة مقاومته بأي وسيلة ممكنة ضد الاحتلال، مهما كان الثمن، يعكس هذا عزمهم وإصرارهم على الصمود في وجه التحديات.
النتيجة، أصبح العالم على دراية بالمجازر الإسرائيلية، ولقد أثرت محاولات إبادة الفلسطينيين بشكل كبير على الرأي العام العالمي، وهذا أثار توجهًا شديدًا من شعوب العالم لدعم فلسطين والمطالبة بعدم الصمت إزاء إبادة الفلسطينيين وبلادهم، ويشير ذلك إلى وجود حركة دولية قوية تدعم القضية الفلسطينية وتدين الانتهاكات الإسرائيلية الشديدة لحقوق الإنسان، ما يعني أن تلتفت بعض الدول إلى آلاف الشهداء من أهل غزة والمقاتلون في وسط الميدان وطالما الكيان الصهيوني مستمر في هجماته فإن مقاتلي حماس متواجدون في الميدان للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني.