الوقت - تخضع كل أشكال العلاقات لقوانين ناظمة لها تحكمها وتحدد منهجيتها وسلوكها، وحتى الحروب تخضع لقوانين ومبادئ تبيح شيئاً وتحظر أشياء، إلا حرب الكيان الصهيوني الهمجية على قطاع غزة، فقد تحللت من كل المبادئ والأعراف الدولية التي تتبع عادة في الحروب والنزاعات، وضربت عرض الحائط بالقوانين الإنسانية، وبالإنسان.
تنص المادة 27 من اتفاقية جنيف الرابعة على حماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب، وتحظر مهاجمة المدنيين وجرحى الحرب والمرضى والعاملين في المجال الطبي، وتنص المادة 18 منها على حماية المستشفيات المدنية في النزاعات المسلحة، وتحظر تعريضها للهجوم أو تدميرها، كما أن المادة 8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، تعتبر استهداف المدنيين والعاملين في المجالين الإنساني والطبي، جريمة حرب.
فاستهداف المدنيين المتعمد محظور بموجب المبادئ الأساسية للقانون الإنساني الدولي، كما ورد في اتفاقيات جنيف لعام 1949، وفي البروتوكولين الإضافيين لعام 1977، إذ تحظر المادة 3 من اتفاقية جنيف الثالثة، الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب، ضد الأشخاص الذي لا يشاركون مباشرة في الأعمال العدائية، ونصت المادة 51 من البروتوكولين الإضافيين على أن المدنيين لا يجوز أن يكونوا هدفاً للهجوم، وأن أعمال العنف أو التهديد بها التي يكون غرضها الأساسي نشر الرعب بين السكان المدنيين، محظورة.
استهداف القطاع الصحي
ما زال الاحتلال الإسرائيلي يقصف المستشفيات، ويقطع عنها الوقود والأدوية، والمستلزمات الطبية، والكهرباء، والماء لتكون النتيجة الموت المحقق للمرضى، إما عطشاً، أو حرقاً، أو نقصاً للدواء، أو قصفاً بالأسلحة الفتاكة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وفق ما ذكرت وزيرة الصحة الفلسطينية مي الكيلة في مؤتمر صحفي لها اليوم، مشيرة إلى أن استهداف المستشفيات والطواقم الطبية والإسعافية قطاع غزة، في ظل العدوان الإسرائيلي المتواصل لليوم الـ36 على التوالي، جريمة حرب، وإبادة جماعية، وموضحة أن مستشفيات قطاع غزة وصلت إلى وضع غير مسبوق بتاريخ البشرية، باستهداف المستشفيات، والطواقم الطبية، ومركبات الإسعاف.
ولفتت الكيلة إلى أن الجرحى يرتقون بسبب نفاد الوقود والمستلزمات الطبية، والعمليات الجراحية تجري دون تخدير، ودون كهرباء، على أضواء الهواتف النقالة.
وأكدت منظمة الصحة العالمية أن 20 مستشفى في غزة متوقفة عن العمل، فيما تعمل أخرى بشكل جزئي.
فقد شنت طائرات الاحتلال سلسلة غارات على مستشفى القدس، خلال الأيام الماضية استهدفت محيطه، واستشهد عدد من الفلسطينيين إثر استهدافه من قبل قناصة إسرائيليين.
وقالت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني إن كل الخدمات في المستشفى ستتوقف عن العمل خلال ثلاث ساعات جراء نفاد الوقود، وإن 500 مريض وجريح هناك سيحرمون من الرعاية الصحية، كما أن المرضى في غرفة العناية المركزة، والأطفال في الحاضنات سيفقدون حياتهم بسبب عدم توافر الوقود اللازم لعمل المولدات في المستشفى.
وأشارت الوزيرة الكيلة، إلى أنه تم قصف واستهداف مستشفى الشفاء، وقطع التيار الكهربائي عن أجزاء وأقسام كبيرة منه، حيث قصف الطابق الرابع من مستشفى النسائية والتوليد والعيادات الخارجية، وانقطع التيار الكهربائي عن العناية الحثيثة للأطفال، والتي فيها 39 طفلا مهددون بالاستشهاد.
وتعرض مبنى العيادات الخارجية في المجمع للقصف، ما أسفر عن وقوع عدد من الشهداء والجرحى، حيث عشرات الجثامين ملقاة في ساحة المجمع وفي محيطه، ولم تتمكن طواقم الإسعاف من الوصول إليها لإخلائها، بسبب كثافة النيران والاستهداف المباشر من قبل آليات الاحتلال.
ويوجد الآلاف من الجرحى والنازحين داخل مشفى الشفاء، دون كهرباء، ولا طعام، ولا ماء، ولا وقود، فيما تتكدس عشرات الجثامين في ساحاته، لعدم تمكن المواطنين من دفنها، كما أن هناك صعوبة لإخلائه لوجود أكثر من 60 مريضاً بالعناية المكثفة، وأكثر من 40 رضيعاً في قسم الخدج والحضانة، وأكثر من 500 مريض في أقسام غسيل الكلى وفق اللجنة الدولية للصليب الأحمر، حيث يحاصر الاحتلال المجمع وقد قصف معظم البنايات المجاورة له وعددا من المباني داخله.
ولم يسلم مستشفى العودة من الجنون الإسرائيلي فقد قصف الاحتلال المشفى ودمر أجزاء منه، ودمر عدداً من مركبات الإسعاف، وساحات المستشفى، وتم إبلاغ الطواقم الطبية في المستشفى بضرورة إخلائه فورا، تاركين المرضى دون أدنى عناية طبية، إلا أن الكادر الطبي بقي بإصرار في المستشفى.
وكذلك مستشفى المعمداني الأهلي العربي، الذي بقي يعمل فيه قسم العظام والجراحة بعد قصفه، بالإمكانيات المتاحة.
كما قصف الاحتلال غرفة العمليات، والألواح الخاصة بالطاقة الشمسية في مستشفى العيون التخصصي، ما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي عنه، وخروجه عن الخدمة، إضافة إلى قصف مستشفى الطب النفسي، وتدمير 50% من مبناه.
وجدد الاحتلال قصفه المستشفى الإندونيسي، ومحاصرته بالدبابات، ما ألحق أضراراً بالعديد من الأقسام، ويعمل فيه قسم العناية المكثفة فقط، وذلك على مولد كهربائي صغير.
وخلال الساعات الماضية انقطع التيار الكهربائي عن أقسام المستشفى بشكل كامل، وتوقفت كل العمليات الجراحية فيه مع استمرار القصف بمحيطه.
واستهدف الاحتلال الإسرائيلي المستشفى التركي الوحيد المخصص لعلاج الأورام، وأصبح خارج الخدمة تاركاً ما يزيد على 10 آلاف مريض، دون تقديم العلاج.
كما يحاصر الاحتلال مستشفى النصر للأطفال منذ 4 أيام، وداخله مرضى من الأطفال، بينهم أطفال في العناية المركزة، إلى جانب عدد من النازحين.
وكذلك مستشفى الرنتيسي للأطفال الذي يحاصره الاحتلال منذ يوم الجمعة، حيث تتمركز الدبابات الإسرائيلية في محيطه، وحذر مديره من قرب حدوث كارثة وعجز المستشفى عن تقديم أي خدمة.
كما أوقف 55% من شركاء القطاع الصحي عملياتهم جراء الأضرار الكبيرة في البنية التحتية، وأدى العدوان المستمر إلى نزوح معظم الكوادر الصحية، ما أجبر المستشفيات على العمل بأقل من ثلث الاحتياج اللازم لعلاج العدد الكبير من الجرحى.
ويناشد الفلسطينيون بالتدخل لوقف المجازر بحق المستشفيات، ومن بداخلها من مرضى، وطواقم طبية ونازحين في غزة، وللوقف الفوري للعدوان على القطاع والضفة، والسماح بشكل عاجل بإدخال الإمدادات الإنسانية والصحية للقطاع، وخاصة الوقود لتشغيل مولدات الكهرباء، ودخول الفرق الطبية المتطوعة لمساندة الكوادر الصحية في علاج المرضى والجرحى والسماح بخروج الجرحى والمرضى للعلاج في مستشفيات الخارج.
ومنذ بداية العدوان في السابع من تشرين الأول الماضي، استشهد 198 من الكوادر الصحية، و36 من الدفاع المدني، وجرح أكثر من 130، بينما تضررت 60 مركبة إسعاف بينها 53 تعطلت عن العمل بشكل كامل، و51 من أصل 72 مركز رعاية صحية أولية بسبب الأضرار الناجمة عن القصف أو نقص الوقود، وتم الطلب من 24 مستشفى بالإخلاء في شمال قطاع غزة.
وقد أسفر عدوان الاحتلال الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، عن ارتقاء 11078 شهيداً، بينهم 4506 أطفال و3027 امرأة، إضافة إلى إصابة 27490 مواطناً، غالبيتهم من النساء والأطفال، في حصيلة غير نهائية.
أرقام الضحايا مهولة، ومجازر الكيان الإسرائيلي، واستهدافه كل ما تصل إليه صواريخه، من منازل ومشافٍ وغيرها أمر لم تعرفه البشرية من قبل، وهو ما أدى إلى حالة عامة وواسعة من الاستنكار في كل دول العالم، وأثار حالة من الهلع على مصير الفلسطينيين وسط حالة الجنون الإجرامي الإسرائيلي، فاستنهض ذلك الدول والمجتمعات والمنظمات والجمعيات والأفراد، وكل أشكال الدفاع عن حقوق الإنسان في أنحاء العالم، لإدانة الأعمال الوحشية الإسرائيلية، وبذل كل الطاقات والجهود لردع الكيان الإسرائيلي وإيقاف إجرامه. فهل ستثمر هذه الجهود في إنهاءحرب إبادة الفلسطينيين؟