الوقت - بعد بدء عملية "طوفان الأقصى" من قبل حركة حماس، والتي أدت إلى مقتل وجرح الآلاف من الصهاينة، يواصل الکيان الصهيوني قصف غزة بهجمات عمياء انتقاماً لقتلاه.
وبما أن الجيش الصهيوني لا يملك معلومات دقيقة عن المراكز العسكرية التابعة لحماس، فقد أفادت بعض المصادر في الأيام الأخيرة بأن تل أبيب تواصلت مع مصر للتفاوض مع حماس من أجل إطلاق سراح الأسرى الصهاينة، أو الحصول على معلومات من مقر الأسرى.
تخطط حكومة رئيس الوزراء الصهيوني المتشددة بنيامين نتنياهو لشن هجوم بري على غزة، لكنه يشعر بالقلق من قيام حماس بإعدام السجناء الصهاينة رداً على هذا الإجراء، أو استهداف الأسرى الإسرائيليين في غزة دون قصد، لذلك، في هذه الأثناء، أصبح دور مصر، باعتبارها الدولة الوحيدة التي لها حدود برية مع غزة، محسوسًا أكثر من أي وقت مضى.
إن توقف حركة المرور وتدهور الأوضاع الإنسانية في غزة، في ظل الظروف السياسية والاقتصادية الحرجة والحساسة، يطرح أسئلةً ملحةً ومعقدةً أمام صناع القرار المصريين حول دورها وتداعيات تدهور الأوضاع في غزة، وتواجه السلطات في القاهرة الآن طريقتين صعبتين يمكنها من خلالهما مساعدة سكان غزة، الذين يتعرضون لهجوم الجيش الصهيوني، من خلال إعادة فتح معبر رفح، أو أن يغمضوا أعينهم عن التطورات في فلسطين ويسيروا في اتجاه مصالح تل أبيب.
رغم أنه كان من المتوقع أن تفتح الحكومة المصرية حدودها أمام سكان غزة في هذا الوضع الكارثي الذي تعيشه غزة، حيث استشهد وجرح الآلاف من الناس وشرد مئات الآلاف الآخرين، إلا أن وزارة الداخلية في غزة أعلنت يوم الثلاثاء الماضي أن الجانب المصري بعث برسالة إلى سلطات غزة، مفادها بأنه بسبب التهديد الأمني بالقصف، يجب عليها إغلاق معبر رفح على الفور.
وقال مصدر حكومي مصري لـ"مدى مصر"، إن "إسرائيل" هددت مصر باستهداف المساعدات، ورفضت طلبات القاهرة المتكررة للمساعدة لتخفيف الأزمة الإنسانية في غزة، ولهذا السبب، اضطرت الحكومة المصرية إلى إعادة شاحنات المساعدات التي كانت من قبل بالقرب من الحدود متجهةً نحو غزة.
إن إغلاق معبر رفح وترك أهل غزة وشأنهم يصب في مصلحة الکيان الصهيوني الذي يسعى إلى إلحاق خسائر فادحة بأهل غزة، وعبر الحصار الاقتصادي الشديد وقطع المساعدات الإنسانية وحتى الماء والكهرباء، فهو يحاول إجبار حماس على التراجع وإطلاق سراح السجناء الصهاينة.
وقد طرح بعض المحللين افتراضات حول دور مصر في هذه الفترة الحالية، بما في ذلك قدرة مصر على احتواء الوضع من خلال مبادرات الوساطة، الأمر الذي يرتبط بالقلق من تهميش الدور الإقليمي والتاريخي لهذا البلد فيما يتعلق بقضية فلسطين، والذي كان له فيها تأثير كبير حتى وقت قريب، لكن مصر الآن تواجه تهديداً كبيراً، وفي هذه الحالة عليها أن تدعم الجانب الفلسطيني.
ومن ناحية أخرى، وبسبب التحديات الداخلية التي تواجهها مصر، والخوف من استغلال الأزمة الحالية في الأراضي المحتلة، تسعى مصر إلى تهدئة الأوضاع من أجل الحصول على تنازلات من تل أبيب، ولعل إغلاق معبر رفح ومنع تدفق عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين يعيشون في غزة نحو مصر، قد تمّ في هذا الاتجاه.
وقالت بعض المصادر المصرية لـ"سكاي نيوز"، إنه إذا اشتد الحصار والقصف على غزة، فقد يتسلق آلاف الأشخاص أسوار معبر رفح كما حدث عام 2007، ويهرعون داخل مصر للحصول على الغذاء الذي يحتاجونه، لكن هذه المرة، لن تسمح القاهرة بتكرار السيناريو الذي حدث قبل 15 عاماً.
ولذلك، فإن تصرفات مصر، في الوقت نفسه الذي تتزايد فيه هجمات الجيش الصهيوني، ستضع سكان غزة في وضع سيء، ويمكن أن تزيد من الخسائر البشرية.
دور الصراع الفلسطيني في الانتخابات المصرية
لقد حدث الصراع بين المقاومة الفلسطينية وتل أبيب في ظل وضع سياسي واقتصادي حساس في مصر.
في أقل من شهرين، ستجري مصر انتخابات رئاسية يخوضها الرئيس عبد الفتاح السيسي وسط غضب واسع النطاق بسبب التضخم القياسي وأزمة ديون لم تشهدها مصر من قبل، ولأن قضية فلسطين تكتسي أهميةً كبيرةً بالنسبة للعالم الإسلامي هذه الأيام، فإن قضية فلسطين ستكون إحدى القضايا الأساسية التي سيحدد مرشحو الرئاسة المصرية مواقفهم من هذه القضية.
إن الرأي العام المصري يدعم بشكل كامل قضية فلسطين وانتصار المقاومة ضد الاحتلال، کما أن الاحتجاجات الشعبية واسعة النطاق دعماً للشعب الفلسطيني في السنوات الأخيرة، ومقتل ثلاثة جنود صهاينة على يد جنود مصريين في يونيو حزيران، فضلاً عن مقتل سائحين صهيونيين في مصر بعد بدء طوفان الأقصى، يظهر أن المصريين، على عكس حكامهم، لا يقومون بأي استرضاء للاحتلال، وهم مع إخوانهم العرب في فلسطين كما كان من قبل.
لكن السيسي، المتلهف للبقاء في السلطة، لا يريد زعزعة أسس السلطة من خلال التدخل أكثر من اللازم في صراع غزة، ولهذا السبب أكد يوم الثلاثاء أن الأمن القومي المصري هو مسؤوليته الأولى.
وقال السيسي: "يجب ألا يكون هناك أي شعور بالتهاون والإهمال في الأمن القومي المصري تحت أي ظرف من الظروف، ويجب على الشعب المصري أن يعي تعقيدات الوضع وأن يدرك حجم التهديد".
ولذلك، ونظراً للظروف الحساسة التي تشهدها الأراضي المحتلة، فإن الانتخابات المقبلة في مصر ستكون اختباراً صعباً لسياسي هذا البلد، القادرين على جذب الرأي العام عبر القضية الفلسطينية.
دور مصر التاريخي في التطورات الفلسطينية
قبل اتفاقية "كامب ديفيد" في أيلول 1978، كانت مصر أكبر داعم للشعب الفلسطيني، وقادت القتال ضد المحتلين في أربعة حروب عربية مع الکيان الصهيوني.
وفي عهد جمال عبد الناصر، زعيم مصر الراحل الذي كان يبشر بفكر "القومية العربية"، حاول توحيد العرب جميعا ضد الاحتلال، وخلال تلك الفترة لم تتراجع هذه الدولة أبدًا عن دعمها السياسي والعسكري لشعب فلسطين المظلوم.
وبهذا السجل اللامع، عادةً ما يكون لمصر ثقل كبير في حال الوساطة الإسرائيلية والمقاومة الفلسطينية بسبب نجاحها السابق في احتواء التوترات بين الجانبين، ويمكنها الضغط على تل أبيب ومختلف الأطراف الدولية لمنع تدهور الوضع في قطاع غزة.
وفي العقود الأربعة الماضية، بعد التسوية مع الکيان الإسرائيلي، لعبت القاهرة دائمًا دورًا كوسيط بين الفلسطينيين والکيان الصهيوني، لكن في السنوات الأخيرة، وخاصةً بعد اتفاقيات "أبراهام"، التي كانت الدول العربية الخليجية تنوي تولي إدارة القضية الفلسطينية فيها، توترت العلاقات بين القاهرة وتل أبيب، ويحاول زعماء القاهرة استعادة دورهم التاريخي الذي تم تهميشه هذه الأيام.
ولا يريد قادة مصر أن يكونوا تحت راية دول مثل الإمارات العربية المتحدة والسعودية، ويحاولون الاستمرار في لعب دور مركزي في التطورات الفلسطينية، ويشكل الصراع الأخير بين جماعات المقاومة في غزة والكيان الصهيوني أفضل فرصة للقاهرة لتجرب حظها في استعادة قوتها السابقة، وجذب انتباه الرأي العام العربي في المنطقة.
ضغوط الدول الغربية على مصر
على عكس إيران، التي تدعم الجماعات الفلسطينية المسلحة علنًا وسرًا ولا تخجل من هذا الدعم، تواجه مصر وضعًا أكثر تعقيدًا، حيث يؤدي دعم جماعات المقاومة إلى عواقب سياسية وأمنية مكلفة.
وباعتبار أن أمريكا والدول الأوروبية هي الداعم الرئيسي للاحتلال، وقد أعلنت دعمها لجرائم هذا الکيان في غزة، فإن أي دولة تقف إلى جانب حماس ستعتبر بلا شك دولةً داعمةً للإرهاب في نظر قادة البيت الأبيض، ووجهت سلطات واشنطن هذه التحذيرات مراراً وتكراراً إلى الدول الداعمة لفلسطين في الأيام الماضية.
وقالت بعض المصادر لصحيفة "العربي الجديد" إن مصر تتعرض لضغوط شديدة من الحكومة الإسرائيلية وحلفائها في أمريكا وأوروبا، الذين يتهمون القاهرة بعدم استخدام نفوذها لمنع تصعيد حماس.
قد يكون قيام الولايات المتحدة بإلغاء العقود العسكرية مع مصر، أحد تداعيات الدعم المصري لحماس، وهو الأمر الذي سعى إليه بعض أعضاء مجلس الشيوخ الموالين لتل أبيب في الأشهر الأخيرة.
كما أعلن "بين كاردين"، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، في بيان له الأسبوع الماضي، أن بيع الأسلحة العسكرية والمساعدات المالية لمصر يعتمد على "تحسن وضع حقوق الإنسان" في هذا البلد.
ومن ناحية أخرى، فإن دعم مصر لحماس وفتح معبر رفح لمساعدة شعب غزة أمر غير مرغوب فيه بالنسبة لشيوخ الدول الخليجية، بما في ذلك الإمارات والسعودية.
وتعدّ الإمارات من الدول العربية القليلة التي تقف إلى جانب الکيان الصهيوني، ولم تكتف بإدانة جرائم هذا الکيان في غزة، بل حذرت أيضًا الحكومة السورية من ضرورة عدم التدخل في الصراع الفلسطيني، لأن هذا الإجراء حسب رأي حكام أبو ظبي يصبّ في مصلحة المقاومة، وسيوقع الصهاينة في ورطة.
لقد أصبحت حرب غزة الآن بمثابة اختبار جدي لسياسات مصر الداعمة للقضية الفلسطينية، ويتعرض قادة القاهرة لضغوط خوفاً من المنافسة الإقليمية التي تحرم مصر من الدور الوظيفي في الصراع الفلسطيني، فضلاً عن المخاوف بشأن محاولة الکيان الإسرائيلي نقل سكان غزة إلى سيناء.
وينبغي أن نرى ما إذا كانت مصر ستلعب في المستقبل دورها المركزي تجاه فلسطين من أجل زيادة ثقلها السياسي، أم إنها ستقع في قبضة المخاوف التي ستفقدها هذا الدور الرئيسي.