الوقت- شهد مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في لبنان منذ مطلع الأسبوع الجاري أحداثًا دامية في ظل أوضاع مزرية يعيشها الأهالي، وفشل التوصل إلى وقف إطلاق نار.
وبدأت الأحداث مساء السبت الماضي بعد إقدام مسلحين يُعتقد أنهم محسوبون على حركة "فتح" بإطلاق النار على مسلحين من جماعة متشددة ما أدى لمقتل الشاب عبد فرهود وإصابة محمود خليل الملقب بـ"أبو قتادة".
وظهر الأحد الماضي، وقع قائد الأمن الوطني الفلسطيني والقيادي في حركة "فتح" أبو أشرف العرموشي في كمين للمسلحين ما أدى إلى مقتله مع أربعة من مرافقيه، واتهمت حركة فتح تنظيم "جند الشام" (تنظيم متشدد) بالمسؤولية عن اغتيال العرموشي.
وبلغ إجمالي ضحايا الأحداث 11 قتيلا وعشرات الإصابات مع أضرار كبيرة لحقت بمنازل ومرافق المخيم وحالة نزوح من الأهالي إلى خارجه.
أسباب الصراع
الصحفي المتابع لأوضاع مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان "ياسر علي" أوضح أن المعركة تدور بين حركة فتح وجماعات متشددة غير محسوبة على أي تنظيم فلسطيني "إنما هم بقايا وفلول من المجموعات التي خاضت سابقا معارك مع حركة فتح".
وقال الأستاذ "ياسر": إن "خلفية الأحداث في مخيم عين الحلوة تعود إلى اشتباكات جرت في مارس/ آذار الماضي بين حركة فتح ومجموعات مسلحة أسفرت عن مقتل محمود زبيدات وهو عنصر بالأمن الوطني الفلسطيني.
وأشار إلى أن الأحداث تجددت بعدما حاول أقرباء القتيل (زبيدات) المحسوب على حركة فتح، يوم السبت الماضي اغتيال القيادي في "عصبة الأنصار" أبو قتادة ما أدى إلى إصابته ومقتل عبد فرهود، قبل أن تتطور الأحداث ثم قتل العرموشي مع عدد من مرافقيه.
وتشير تقارير إلى أن العرموشي مقرب من رئيس الفرع المالي في "فتح" منذر حمزة والسفير الفلسطيني أشرف دبور المحسوبيْن بدورهما على رئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج.
ولفت الأستاذ "ياسر"، إلى أن العرموشي لديه سوابق في المخيم مع مجموعة بلال بدر (مجموعة متشددة) ومع عصبة الأنصار، كما أنه كان رأس حربة في معركة حي الطيرة بمخيم عين الحلوة.
وبيّن أن "بعض الأنباء تقول إن بعض من لديهم سوابق مع العرموشي نصبوا له الكمين ما أدى إلى مقتله".
ونوه الأستاذ ياسر إلى أن المكان الذي اغتيل فيه العرموشي لا يمر منه عادة وهو بحوزة حركة فتح، لذلك بعض الشكوك ذهبت إلى أن من اغتالته أطراف محسوبة على "فتح".
وأضاف: إن اغتيال العرموشي أعقبته حالة تجييش من حركة فتح ضد الإسلاميين وقصف مسجد المخيم.
وتابع الصحفي الفلسطيني: إن كل المعارك التي جرت في مخيمات اللاجئين في لبنان منذ 20 عاما وحتى الآن فتح طرف فيها، لأن الأخيرة تكرّس منظومة الأمن الوطني الذي يمسك بزمام الأمور في المخيمات وكل من يقف ضدها تعتبرها جهة إرهابية وتحاربها.
وتطرق إلى زيارة رئيس جهاز المخابرات الفلسطينية ماجد فرج إلى لبنان قبل اندلاع الأحداث بأيام، لافتا إلى أن الأخير قدم عدة طلبات للدولة اللبنانية أبرزها "ضبط السلاح الفلسطيني داخل المخيمات وخارجها".
واستطرد "بعض الأنباء تشير إلى أن هذا طلب إسرائيلي حمله ماجد فرج وخاصة مع وجود قرائن بتهريب سلاح من لبنان إلى الضفة الغربية المحتلة دعما للمقاومة بها".
والطلب الآخر الذي حمله فرج يتعلق بالخلاف بين رئيس لجنة الحوار اللبناني- الفلسطيني باسل الحسن التابع مباشرة لرئيس الوزراء مع السفير الفلسطيني لدى بيروت، وبالتالي حمل رئيس المخابرات شكوى رسمية إلى القيادة اللبنانية ضد الحسن.
وأشار الأستاذ ياسر إلى أن الدولة اللبنانية رفضت طلبات ماجد فرج ما دفع الأخير لتحريك المسلحين المحسوبين عليه من حركة فتح في عين الحلوة.
وحذر الصحفي الفلسطيني من تبعات خطيرة لتلك الأحداث أهمها محاولة إظهار المخيمات على أنها بؤر أمنية، واحتمالية التفكير باقتحامها أو تسليم سلاحها إلى الحكومة اللبنانية.
كما حذر من مساعٍ وأيادٍ خفية تعمل على تدمير مخيم عين الحلوة كما حصل في مخيم نهر البارد.
ثأر متجدد
مسؤول اللجان الأهلية في المخيمات الفلسطينية في لبنان، محمد الشولي قال إن "الأحداث التي يشهدها مخيم عين الحلوة دوافعها ثأر متجدد بين جهات متخاصمة".
وأشار إلى أن الوضع انفجر إثر اغتيال العرموشي؛ وبعد أن اعتبرت حركة فتح أنها مستهدفة، وأوضح الشولي أن هناك مكونين سياسيين أساسيين من القوى الوطنية والإسلامية في مخيمات لبنان: المكون الأول فصائل منظمة التحرير، والثاني "هيئة العمل الوطني الفلسطيني المشترك" التي تضم كل فصائل قوى التحالف الفلسطيني، إضافة بعض التنظيمات الإسلامية من أبرزها "الحركة الإسلامية المجاهدة" و"عصبة الأنصار".
لكنه لفت إلى وجود قوى أخرى خارج إطار هذين المكونين ولها تسميات مختلفة، مسؤولة بشكل رئيسي عن تلك الأحداث.
وأضاف الشولي "هذه القوى هي أمر واقع في مخيم عين الحلوة وتتلقى دعمًا من جهات غير معروفة".
ونوه إلى أنه جرى التوصل أكثر من مرة إلى اتفاق بوقف إطلاق النار في المخيم، لكن تلك الجهود فشلت بسبب بعض الجهات المعنية بهذا الواقع المهين، لافتًا إلى وجود جهات مستفيدة من ذلك الوضع.
وتابع الشولي "من الصعب ضبط الوضع الأمني في عين الحلوة لأن المخيمات مناطق مكتظة جدًا وضيقة والتحكم بالعناصر التي تطلق النار صعب".
واستطرد "قد يكون هناك قرار على مستوى قيادي أو مركزي بوقف القتال، لكن بعض العناصر لا تلتزم ومعنية بتوتير الوضع".
وأكد أن الضحية ووقود هذه الحرب هم الأهالي والنساء والأطفال وكبار السن الذين غادروا المخيم نحو مناطق محيطة في مدينة صيدا واتخذت من المدارس والمساجد مأوى لها.
بعد هدنة استمرت نحو 24 ساعة... الاشتباكات تتجدد
تجددت الاشتباكات مساء أمس الأربعاء في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين جنوب لبنان، وذلك بعد مرور 24 ساعة من التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
وأفادت بعض المصادر الإخبارية بإصابة 4 أشخاص جراء تجدد الاشتباكات، وكان قد أفادت قبل ذلك بسماع إطلاق النار بالأسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية في المخيم.
وخلال ساعات النهار، شهد مخيم عين الحلوة هدوءاً حذرا بالتزامن مع بدء سريان الهدنة التي أعلنتها "هيئة العمل الفلسطيني المشترك"، بعد اجتماع ضم ممثلين عن جميع الفصائل الفلسطينية في مقر سفارة فلسطين ببيروت والتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
من جهته، قال فتحي أبو العردات -أمين سر حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) في لبنان- إن الاتفاق يقوم على سحب المسلحين، وتكليف لجنة تحقيق لكشف المتورطين في مقتل قائد الأمن الوطني الفلسطيني في صيدا وأسفرت الاشتباكات، التي اندلعت السبت الماضي بين مقاتلين من حركة فتح ومجموعات إسلامية، عن مقتل 10 أشخاص وإصابة أكثر من 60 آخرين.
ويعد عين الحلوة، الذي تأسس عام 1948، أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في لبنان من حيث عدد السكان، إذ يضم نحو 50 ألف لاجئ مسجل حسب الأمم المتحدة، بينما تقدر إحصاءات غير رسمية سكان المخيم بما يزيد على 70 ألف نسمة في مساحة محدودة.
صراعات فتح.. من يخلف عباس؟
بالتوازي فإن الصراعات الداخلية في حركة فتح انتقلت للبنان، حيث شهدت الحركة صراعاً طاحناً بين جناح الرئيس الفلسطيني محمود عباس وجناح القيادي المفصول من فتح محمد دحلان.
هذا الصراع امتد لبنانياً بانفصال مسؤول قوات فتح في مخيم عين الحلوة جنوب لبنان، اللواء محمد عبد الحميد عيسى الملقب بـ"اللينو"، كما أن لدحلان حضوراً في مخيمات نهر البارد في شمال لبنان، حيث ينشط تياره "الإصلاح الديمقراطي" على عدة مستويات اجتماعية وسياسية وأمنية.
بالمقابل، بدأ جناح آخر بالظهور داخل فتح يقوده رئيس المخابرات ماجد فرج، الذي يمسك بقوات الأمن الوطني في مخيمات لبنان. هذا الجناح يتنازع مباشرة مع تيار دحلان في المشهد الفلسطيني.
وفرج يروج لنفسه عربياً وإقليمياً أنه يصلح كبديل لرئاسة السلطة بعد وفاة عباس، بدلاً من محمد دحلان، وأنه يمكنه السير في القضايا السياسية المتعلّقة بالقضية الفلسطينية بشكل أفضل من دحلان، في ظلّ سيطرته الأمنية على مراكز السلطة في الضفة الغربية المحتلّة، بينما لا يستطيع دحلان فعل ذلك.
كما يروّج لكونه الطرف الفلسطيني الأقوى الذي يحظى بالدعم الأمريكي لخلافة عباس، فيما لا يجد اعتراضاً عليه من قِبَل "إسرائيل" نظراً لمواقفه السياسية المتعلّقة بالتنسيق الأمني ومواجهة حماس.
وقوات الأمن الوطني التي يقودها فرج هي التي تم اتهامها منذ أيام بإطلاق النار على جنازة القيادي في حماس حمزة شاهين، الذي قضى نتيجة انفجار في مخيم البرج الشمالي، حيث راح ضحية إطلاق النار 4 ضحايا ينتمون لحماس.