الوقت - لم تعد الأسلحة الفرنسية تلاقي الإقبال نفسه الذي كانت عليه في السابق، وذلك ما يؤكده تقرير سنوي فرنسي حول صفقات الأسلحة الفرنسية التي باعتها فرنسا إلى العالم، فللعام الثاني على التوالي، غاب المغرب عن هذا التقرير، وذلك في وقت تشهد فيه العلاقات بين البلدين أزمة صامتة عميقة.
وجاء هذا الارتفاع في مبيعات الأسلحة الفرنسية مدفوعا بالطلب المتزايد على الأسلحة الفرنسية في منطقة الشرق الأوسط والأدنى التي استقطبت غالبية مبيعات الأسلحة الفرنسية العام الماضي (64 في المئة من إجمالي الصادرات)، بينما ذهبت 23 في المئة إلى أوروبا و8 في المئة إلى دول آسيا.
كما حققت فرنسا مبيعات قوية من الأسلحة إلى دول أخرى، مثل الهند وبولندا وكندا، ويأتي هذا الارتفاع في مبيعات الأسلحة الفرنسية في وقت تواجه فيه فرنسا منافسة شديدة من الدول الأخرى، مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين.
وتعتبر فرنسا من أكبر الدول المصدرة للأسلحة في العالم، حيث تحتل المرتبة الثالثة بعد الولايات المتحدة وروسيا، وتعتبر مقاتلات رافال من أكثر الأسلحة الفرنسية شهرة، حيث تم تصديرها إلى أكثر من 10 دول حول العالم.
ويأتي هذا الارتفاع في مبيعات الأسلحة الفرنسية في وقت يشهد فيه العالم توترات أمنية، حيث تسعى الدول إلى تعزيز قدراتها العسكرية، وتعتبر فرنسا من الدول التي تسعى إلى لعب دور فاعل في مجال الأمن العالمي، حيث تشارك في العديد من العمليات العسكرية في العالم.
وظل المغرب يتصدر قائمة أهم زبائن السلاح الفرنسي لعقود، حيث احتل عام 2020، ثالث أكبر مستورد للأسلحة الفرنسية، إذ بلغت قيمة مشتريات المملكة أكثر من 425 مليون يورو، ما مثل نسبة 8 بالمئة من مجموع المبيعات الفرنسية عالميا و50 بالمئة من هذه المبيعات على صعيد القارة الإفريقية.
ومع ذلك، غابت المملكة المغربية عن قائمة الدول الأكثر شراء للعتاد الفرنسي في عامي 2021 و2022، ما يشير إلى أن العتاد الحربي فرنسي الصنع لم يعد يستهوي الرباط.
وكشف التقرير، أن مبيعات الأسلحة الفرنسية في عام 2022 بلغت رقماً قياسياً بلغ 27 مليار يورو، مدفوعة بمبيعات مقاتلات رافال. اشترت الإمارات العربية المتحدة لوحدها 80 مقاتلة رافال بقيمة أكثر من 16 مليار يورو.
يُعزى هذا الارتفاع في مبيعات الأسلحة الفرنسية إلى عدة عوامل، منها الطلب المتزايد على الأسلحة الفرنسية في منطقة الشرق الأوسط والأدنى، حيث زادت مبيعات الأسلحة الفرنسية بنسبة 70% في عام 2022.
ووقعت فرنسا والإمارات عقد شراء مقاتلات رافال في كانون الأول/ديسمبر 2021، ودخل حيّز التنفيذ في 2022، وتقدّر قيمته بأكثر من 16 مليار يورو.
ويضاف إليه طلب كلّ من إندونيسيا واليونان شراء ست من هذه الطائرات ما يعكس النجاح الذي تحققه هذه المقاتلات بعد توقيع عقود مع أثينا والقاهرة وزغرب في 2021، حسب التقرير.
وفق صحيفة “هيسبريس” نقلا عن خبير عسكري، غياب المملكة المغربية عن قائمة الدول الأكثر شراء للعتاد الفرنسي في عامي 2021 و2022، يعود إلى مجموعة من العوامل، منها:
استراتيجية المغرب الجديدة في تنويع مصادر أسلحته، حيث يسعى المغرب إلى الاعتماد على مصادر أسلحة مختلفة من دول مختلفة، بدلاً من الاعتماد على فرنسا فقط.
- حاجة المغرب إلى نوع محدد من العتاد الذي لا تصنعه الصناعة العسكرية الفرنسية، مثل الطائرات المسيرة والطائرات دون طيار.
- موقف فرنسا من قضية الصحراء، حيث لم تخرج فرنسا بموقف واضح من القضية، ما أدى إلى استياء المغرب.
- استمرار محور الجزائر-باريس في “معاكسة” مصالح المغرب، حيث تدعم الجزائر جبهة البوليساريو، التي تطالب باستقلال الصحراء.
كل هذه العوامل أدت إلى توجيه المغرب بوصلته العسكرية صوب شركاء آخرين، مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا.
ويشار إلى أن القوات الجوية المغربية، حسب مصادر متعددة، تعتزم الحصول على طائرات مقاتلة من الجيل الخامس من طراز F-35 الشبحية من الولايات المتحدة الأمريكية.
يتوقع الخبراء أن يتم تنفيذ صفقة بيع طائرات F-16 Block 70 إلى المغرب مع تنامي العلاقات الأمنية والعسكرية بين الرباط وواشنطن.
ووصلت هذه العلاقات إلى مرحلة جديدة في عام 2020، عندما وقعت الدولتان اتفاقية عسكرية مدتها 10 سنوات، وضعت المغرب كحليف رئيسٍ من خارج الناتو.
وتشهد علاقات الحليفين التاريخين منذ عدة أشهر جفاء يكرسه فراغ منصب سفير المغرب في باريس، رغم نفي مسؤولين فرنسيين وجود أزمة مع الرباط، ولا تقدم الأخيرة أي تفسيرات رسمية حول الأزمة.
ويعود أصل التوتر الحاد إلى قرار السلطات الفرنسية عام 2021 خفض عدد تأشيرات الدخول للمغاربة على خلفية رفض المملكة إعادة مهاجرين غير مرغوب فيهم، وقد تراجعت باريس عن قرارها في كانون الأول/ديسمبر الماضي.
وسرعان ما تعمق الجفاء في كانون الثاني/يناير عندما تبنى النواب الأوروبيون قرارا ينتقد تدهور حرية الصحافة في المغرب، اعتبرته الرباط مؤامرة "دبرها" نواب حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في البرلمان الأوروبي.
قبل ذلك، اتُهم المغرب في تحقيق نشرته وسائل إعلام دولية صيف 2021 باستعمال برمجية "بيغاسوس" الإسرائيلية للتجسس على هواتف سياسيين فرنسيين بينهم الرئيس ماكرون، وهو اتهام نفته الرباط.
كما أن من أسباب التوتر محاولات باريس، غير المجدية حتى الآن، المصالحة مع الجزائر الخصم الرئيسي للمغرب.
لكن الرباط تلوم فرنسا وخصوصاً على عدم حذوها حذو كل من الولايات المتحدة و"إسرائيل" اللتين اعترفتا "بمغربية" الصحراء الغربية، والتي تعد "قضية وطنية" في المملكة.
وفي هذا الصدد، يرى أستاذ العلوم السياسية عبد المغيث بنمسعود تريدانو أن "العلاقات مع القوى الدولية ينظر إليها في المغرب من زاوية الموقف من الصحراء".
يسيطر المغرب على 80% من الإقليم الصحراوي ويقترح منحه حكماً ذاتياً تحت سيادته، فيما تدعو الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب "بوليساريو"، المدعومة من الجزائر، إلى إجراء استفتاء لتقرير المصير نصّ عليه اتفاق وقف إطلاق النار المبرم عام 1991 لكنه بقي حبرا على ورق.
وقد أعاد قرار "إسرائيل" مؤخرا الاعتراف بسيادة المغرب على الإقليم ترتيب الأوراق في المنطقة.
جاء الاعتراف الإسرائيلي في إطار اتفاق ثلاثي رعته الولايات المتحدة أواخر العام 2020 تضمن تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والدولة العبرية.
وكتب محرر موقع "بانورابوست" المغربي عزيز بوستة مقالاً تساءل فيه "على من الدور الآن؟" للاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.
وأضاف "موقف فرنسا مهم لأن الموقف الأوروبي يرتهن به ... يمكن إذن أن نتوقع ضغطا أشد من طرف الرباط على باريس".
بيد أن باريس تعتبر أن موقفها من هذا النزاع "واضح وثابت" ويقوم على إيجاد "حل سياسي عادل ودائم ويحظى بقبول متبادل، تماشيا مع قرارات مجلس الأمن الدولي".
في الوقت نفسه، تعتبر باريس مقترح الحكم الذاتي المغربي "جادا وذا مصداقية"، منذ إعلانه عام 2007.
وقد أكد السفير الفرنسي في المغرب كريستوف لوكوتوريي في حوار أجراه مؤخرا مع صحيفة "ليكونوميست" المحلية، أنه "منذ البداية كان موقفنا مؤيدا بوضوح للمغرب"، لكن المملكة تنتظر تأييدا أكثر وضوحاَ.
وتساءلت مجلة "فينانس نيوز إيبدو" المحلية "هل ستستمر فرنسا في دفن رأسها في الرمال؟"، معتبرة أنها "في نوع من الازدواجية تستعمل ملف الصحراء للحفاظ على مصالحها الاقتصادية في الجزائر".
بينما تدين وسائل إعلام مغربية أخرى "ميولا جزائرية" لدى إيمانويل ماكرون، في خضم الأزمة بين الجزائر والرباط، وفي ظل حملات إعلامية شبه دائمة مناهضة لفرنسا.
ويوضح أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس بالرباط حسن أوريد أن "بعض الصحف في المغرب تنتقد برودة الموقف الفرنسي من قضية الصحراء، والذي تعتبر الرباط أنه بات متجاوزا".
في العام الماضي، أعلنت إسبانيا القوة المستعمرة سابقاً للإقليم، تغيراً في موقفها من النزاع معتبرة المقترح المغربي للحكم الذاتي "القاعدة الأكثر جدية، واقعية ومصداقية لحل هذا النزاع".
وأضاف أوريد الذي سبق له تولي منصب ناطق باسم القصر الملكي، "السياق الدولي والإقليمي تغير، ويفترض أن تأخذ المقاربة الفرنسية هذه التغيرات بعين الاعتبار".
في فرنسا نفسها، تطالب المعارضة اليمينية بالاعتراف "بمغربية" الصحراء الغربية.
وفي هذا السياق، تساءل الدبلوماسي الفرنسي السابق جيرار أرو على تويتر "فرنسا التي كانت دائما الداعم الأكثر ثباتاً للمغرب بخصوص هذه المسألة تجد نفسها اليوم متجاوزة من على يمينها بسلسلة من الاعترافات بمغربية الصحراء الغربية، فما العمل؟ هل نتبع ونخرق قرارات مجلس الأمن؟ أم نقاوم الضغوط؟".
رغم الجدل، تبقى فرنسا شريكاً لا محيد عنه للمغرب، وقد كانت العام الماضي أول مستثمر أجنبي فيه، كما قدم منها حوالى مليون سائح إلى المملكة خلال الفصل الأول من هذا العام، فيما يمثل الطلبة المغاربة، وعددهم نحو 45 ألفا، أكبر جالية طلابية في فرنسا.
ويشدد تريدانو على أن "القضايا الدبلوماسية يجب أن تحل بلطف، وبدل الاندفاع والأنانيات يجب أن تتخذ مصالح البلدين بعين الاعتبار".
من جهته، يدعو أوريد "إلى ترك المسألة للوقت... أحيانا يكون عدم التحرك أو عدم رد الفعل، فعلا في حد ذاته"، معربا عن أمله في "العودة إلى وضع طبيعي".