الوقت- في خضم الدبلوماسية الخارجية النشطة للحكومة الإيرانية الحالية، شهدت سماء إيران في الأشهر الأخيرة حركة مرور للوفود السياسية من جميع أنحاء العالم.
وبينما عاد الوفد الإيراني لتوه من رحلة دورية إلى القارة الأفريقية، تستضيف طهران اليوم مسؤولاً آخر من دول المنطقة لإجراء مفاوضات ثنائية، من أجل توطيد العلاقات الإقليمية وتعزيزها. وفي هذا الصدد، سيزور وزير الخارجية العماني بدر بن حمد البوسعيدي اليوم طهران، للحديث مع نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان.
ورغم عدم الإعلان عن تفاصيل هدف هذه الرحلة، قال ناصر كنعاني، المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، في لقاء أسبوعي مع الصحفيين: "عمان هي بلد شريك لنا في القضايا الثنائية والإقليمية ومستعدة للعب دور بناء في القضايا الدولية، وهذه فرصة لإجراء محادثات تشاورية".
يشار إلى أن وزير الخارجية الإيراني بحث العلاقات الثنائية والتطورات الإقليمية والدولية مع نظيره العماني في مسقط في أواخر شهر يونيو الجاري، في إطار زيارته لدول المنطقة. من جهة أخرى، التقى هيثم بن طارق سلطان عمان المسؤولين الإيرانيين وتحدث معهم خلال رحلته إلى طهران مطلع حزيران/يونيو.
تتم الزيارات المتكررة للمسؤولين العمانيين إلى إيران من أجل تعزيز العلاقات الثنائية وزيادة التآزر بين طهران والدول الخليجية، حتى يتمكنوا من سوق المنطقة، التي تعاني من عدم الاستقرار وانعدام الأمن لأكثر من عقد، نحو الاستقرار والأمن.
لقد أعادت عُمان، المعروفة بسياستها الحيادية والاستقرار في المنطقة، تنشيط الدبلوماسية لتعزيز التقارب بين الدول الإسلامية، من خلال خلق الانفتاح السياسي في الأشهر الأخيرة.
كان دور عمان المؤثر في العديد من الأحداث في المنطقة مهمًا، وكان هذا واضحًا في خلق التقارب بين إيران والدول الخليجية، مثلما بدأت مفاوضات تطبيع العلاقات بين إيران والسعودية في عمان، واختتمت أخيرًا بعدة جولات من المفاوضات في بكين.
لطالما اتبعت عُمان نهجًا مستقلًا ومختلفًا مقارنةً بالمشيخات الأخرى في الخليج الفارسي، وحتى في الحرب في اليمن، بدلاً من إثارة التوتر سعت إلى السلام في هذا البلد، وقامت بالعديد من الوساطات بين قيادات أنصار الله وممثلي التحالف السعودي، حتى يتمكنوا من الوصول إلى حل أساسي لإنهاء الخلافات. ويبدو أنه خلال زيارة وزير الخارجية العماني لطهران، سيكون موضوع اليمن أحد مواضيع النقاش.
الأمن والاقتصاد على رأس الشؤون
إن أهم قضية أثيرت دومًا في اللقاءات بين المسؤولين الإيرانيين والعمانيين، هي تطوير العلاقات الثنائية التي تسارعت منذ بداية عمل الحكومة الإيرانية الحالية، ويحاول بدر بن حمد البوسعيدي التأكيد على تنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها في أقرب وقت ممكن، في لقائه مع نظيره أمير عبد اللهيان.
وفي هذا الصدد، قال حسن هاني زاده، الخبير في شؤون غرب آسيا، في حديث مع "الوقت"، إن عدة أهداف مدرجة علی جدول أعمال زيارة وزير خارجية عمان إلى طهران، وأضاف: "موضوع الاقتصاد يلعب دورًا مهمًا في العلاقات الثنائية، وقدرة السوق العماني على قبول البضائع الإيرانية عالية جدًا، وهذه الدولة تحاول رفع سقف المبادلات التجارية مع طهران إلى مستوى مقبول".
يشار إلى أنه خلال زيارة سلطان عمان الأخيرة لطهران، وقع مسؤولو البلدين أربع وثائق في مجال التعاون الاقتصادي والاستثمار، والتعاون في المناطق الحرة، والتعاون في مجال الطاقة.
ووفقًا للاتفاقيات التي تم التوصل إليها، من المفترض أن يرتفع حجم العلاقات التجارية الثنائية إلى مستوى مقبول في السنوات المقبلة. كما ذكر مسؤولو البلدين أنه سيتم التوقيع على وثيقة البرنامج الشامل للتعاون الاستراتيجي في المستقبل القريب، والتي من شأنها تعزيز التفاعلات الثنائية.
وحسب إحصاءات الجمارك الإيرانية، فإن صادرات إيران إلى عُمان عام 2022 كانت تساوي 1.087 مليار دولار، وكان هذا الرقم يساوي 716 مليون دولار عام 2021. من ناحية أخرى، يُظهر حجم واردات إيران من عُمان في عام 2022 أيضًا نموًا بنسبة 29٪ مقارنةً بعام 2021.
وبلغت واردات إيران من عمان عام 2022 ما يعادل 800 مليون دولار، وقدّر حجم واردات إيران من عمان عام 2021 بما يعادل 619 مليون دولار. وحسب التقارير، فإن أكثر من ألفي شركة إيرانية تعمل في مختلف القطاعات الاقتصادية العمانية، وتظهر هذه الإحصائيات أن العلاقات بين البلدين قد ازدادت في الحكومة الإيرانية الحالية، وكان التعاون الأهم في مجال الطاقة، حيث من المفترض أن توفر إيران جزءًا من احتياجات الجانب العماني.
وأوضح هاني زاده أن مسألة زيادة التعاون الأمني بين إيران وسلطنة عمان، هي إحدى القضايا الرئيسية بين البلدين، وقال: "إن تشكيل قوة بحرية مشتركة بين إيران والدول الخليجية لتوطين أمن الخليج الفارسي، هو أحد الخطط الرئيسية لسلطنة عمان، وتسعى دول المنطقة إلى متابعته بجدية، للحد من مشاركة القوى عبر الإقليمية في المنطقة".
في السنوات الأخيرة، تبنت الدول الأعضاء في مجلس التعاون سياسة تقليل الاعتماد العسكري والأمني على أمريكا، وتعزيز العلاقات مع القوى الشرقية مثل الصين وروسيا، وفي هذا الوضع، ومع استئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية، فإن رغبة طهران الدائمة في تشكيل تعاون عسكري وأمني بين دول المنطقة لديها الآن مجال أكبر للتحقيق.
وفي هذا الصدد، فتحت عُمان مؤخرًا فصلاً جديدًا من التعاون العسكري مع طهران، وهو أمر مهم للغاية ويمكن أن يكون نقطة انطلاق للعلاقات بين جانبي الخليج الفارسي.
في مايو الماضي، سافر عدد من كبار المسؤولين العسكريين الإيرانيين برئاسة اللواء علي باقري رئيس هيئة أركان القوات المسلحة إلى مسقط، وتحدثوا مع المسؤولين العسكريين العمانيين.
في هذه الاجتماعات، أعلن الجانبان عن استعدادهما لزيادة التعاون العسكري وإرساء الأمن في الخليج الفارسي، وشددا على أن السلام يجب أن يقوم به الجيران أنفسهم وليس من قبل القوى الأجنبية. ولذلك، يمكن أن يكون التعاون العسكري بين إيران وسلطنة عمان مقدمةً للتعاون مع الدول العربية الأخرى، لإحداث نوع من التقارب في المجال العسكري.
في الأسابيع الأخيرة، تحدثت بعض وسائل الإعلام العربية عن اتفاقات بين إيران والسعودية لتشكيل تحالف بحري، ويبدو أن هناك اتفاقيات من وراء الكواليس في هذا الصدد، وإذا رغب العرب في ذلك فهذا ليس مستبعدًا، وكل هذه التحركات ستتم بوساطة عمان.
الوساطة بين طهران والقاهرة
بما أن عمان تعتبر التقارب بين إيران والدول العربية بمثابة الخطوة الرئيسية لإرساء الاستقرار في المنطقة، فقد وضعت على جدول أعمالها إنشاء جسور الحوار والمفاوضات بين طهران والدول العربية. وفي هذا السياق، يعتبر دور مسقط في تشكيل محادثات خفض التصعيد بين إيران ومصر، من أهم القضايا التي ينفذها العمانيون.
وفي هذا السياق، أشار هاني زاده إلى موضوع الوساطة العمانية بين إيران ومصر، كأحد الأهداف الرئيسية لزيارة وزير الخارجية العماني، وقال: "على الرغم من وجود محادثات بين ممثلي إيران ومصر في عمان والعراق، إلا أن العمانيين يحاولون تقريب وجهات نظر البلدين من بعضهما البعض، وقيادتهما إلى طريق تطبيع العلاقات".
هذا في حين أنه بعد الاتفاق بين إيران والسعودية، أعلن المصريون أيضًا عن استعدادهم لاستئناف العلاقات مع إيران، وأجريت مفاوضات بين ممثلي الجانبين. حتى أن الحكومة المصرية، كدليل على حسن النية، ألغت بعض القيود المفروضة على دخول السياح الإيرانيين إلى هذا البلد.
وذكرت شبكة العربية، نقلاً عن مصادرها، في نهاية يونيو الماضي، أن مصر وإيران توصلتا إلى اتفاق مبدئي على تشكيل لجنة مشتركة ستحاول تجديد العلاقات والتنسيق الأمني بين الجانبين. وبالنظر إلى التقارب الأكبر بين إيران والعرب في الأشهر الأخيرة، تم تمهيد الطريق لاستئناف العلاقات بين طهران والقاهرة.
"الاتفاق النووي" موضوع ثابت في زيارات المسؤولين العمانيين
إضافة إلى القضايا الثنائية والإقليمية، كانت القضية النووية دائمًا جزءًا ثابتًا من المناقشات خلال زيارة المسؤولين العمانيين إلى طهران، وزيارة وزير الخارجية العماني اليوم ليست استثناءً.
وتأتي زيارة البوسعيدي إلى طهران بعد أسابيع قليلة فقط من زيارة أمير عبد اللهيان إلى مسقط، حيث سلطت وسائل الإعلام المحلية الإيرانية الضوء على موضوع المحادثات حول رفع العقوبات، باعتباره محور المحادثات بين وزير الخارجية الإيراني والمسؤولين العمانيين.
كانت عُمان قناة اتصال بين إيران والولايات المتحدة على مدار العقد الماضي، ولعبت دورًا مؤثرًا في التوصل إلى اتفاقيات خطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2015. وفي الوقت الحاضر أيضًا، عندما يكون هناك همسات حول اتفاق محتمل بين طهران وواشنطن، لا تزال عمان تلعب دور الوسيط.
وفي جزء آخر من حديثه مع "الوقت"، أشار هاني زاده إلى قضية خطة العمل المشتركة الشاملة والوساطة بين إيران والولايات المتحدة كأحد أهداف هذه الرحلة، وقال: "عمان لديها علاقات مستقرة مع الغرب، وهي بلد موثوق به بين إيران وأمريكا. كما أن الجدل الذي أثير بعد إقالة روبرت مالي، المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون إيران في الأسابيع الأخيرة، قد قرّب الآن وجهات نظر طهران وواشنطن، وعُمان تحاول استئناف المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة".
هذا بينما كانت المفاوضات غير المباشرة بين ممثلين إيرانيين وأمريكيين جاريةً في عمان الشهر الماضي، لكن فور ورود أنباء إقالة روبرت مالي، مدير مكتب إيران والمسؤول عن المفاوضات النووية غير المباشرة مع طهران في وزارة الخارجية الأمريكية، توقفت المفاوضات بين البلدين.
ورغم إعلان بعض وسائل الإعلام الغربية أن تنحية روبرت مالي جعل عملية التوصل إلى اتفاق في المفاوضات النووية أكثر تعقيدًا وصعوبةً، إلا أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، قال عن تنحية روبرت مالي: "ليس لدينا تقييم سلبي أو إيجابي محدد في هذا الصدد، ونحن نولي اهتمامًا بسلوك الحكومة الأمريكية، وليس لدينا تقييم خاص بشأن تغيير الأشخاص، ولن نرد في هذا الصدد".
في الأيام الأخيرة، قال أبرام بالي، خليفة روبرت مالي، إن مكتب الممثل الأمريكي الخاص لإيران وجميع أعضاء المجموعة في وزارة الخارجية ما زالوا ينخرطون في تنفيذ سياسة هذا البلد تجاه إيران. وقال مسؤولو البيت الأبيض إن المصالح الوطنية مهمة بالنسبة لهم، ولن يؤدي تغيير الناس إلى اضطراب في هذا الصدد.