الوقت - لأكثر من ألفي عام، رأى الملوك الذين حكموا الصين أن بلادهم واحدة من اللاعبين المهيمنين في العالم.
إن مفهوم zhongguo - بمعنى "الوسط" أو "المركز"، كما يشير الصينيون إلى أنفسهم - ليس مجرد مفهوم جغرافي، ويوضح هذا المفهوم أن الصين هي المركز الثقافي والسياسي والاقتصادي للعالم، ومن نواح كثيرة، شكلت هذه النظرة العالمية المتمحورة حول الصين نظرة الصين إلى الإمبريالية العالمية، والتي تبني القوانين والمعايير والمؤسسات الدولية في جميع أنحاء هذا البلد.
ومع ذلك، أدى تراجع الإمبراطورية الصينية وانهيارها في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين إلى تقليص تأثير الصين على المسرح العالمي لأكثر من قرن. ولكن الآن، في عصر شي جين بينغ، تفكر بكين مرة أخرى في إحياء أيديولوجيتها العالمية المتمركزة حول الصين.
ولكن بينما تعد الصين نفسها بشكل متزايد للعب دور في الديناميكيات الجيوسياسية للنظام الدولي الجديد، فإن غرب آسيا، كمحور للعديد من الأزمات والصراعات العالمية خلال العقود الماضية، والتي كانت مكانًا لمنافسة القوى العظمى، لديها مكانة بارزة في العصر الجديد لصعود التنين الشرقي، ولديه القدرة على تأسيس حوكمة عالمية، ولهذا السبب وبعد وساطة ناجحة في قضية الخلافات بين إيران والمملكة العربية السعودية، وجدت بكين رغبات واضحة في توسيع نطاقها من خلال النفوذ السياسي والعمل في القضايا الإقليمية المهمة.
ولقد وصل الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، إلى العاصمة الصينية بكين، في زيارة تستغرق أربعة أيام، التقى خلالها الرئيس الصيني شي جين بينغ، وأهم ملفات الزيارة هي مبادرة الرئيس الصيني لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ورعاية الصين للمصالحة الفلسطينية.
مبادرة الرئيس الصيني لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي
قدم الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادرته لحل الصراع الفلسطيني الصهيوني والتي تتكون من ثلاثة مرتكزات، على النحو التالي: المرتكز الأول للحل يكمن في إقامة دولة فلسطين المستقلة التي تتمتع بسيادة كاملة على أساس حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، والمرتكز الثاني للحل، يتعين تلبية الحاجات الاقتصادية والمعيشية لفلسطين، ويحتاج المجتمع الدولي إلى تكثيف المساعدات الإنمائية والإنسانية لفلسطين. أما المرتكز الثالث والأخير، حسب حديث الرئيس الصيني، ينطلق من الحفاظ على الاتجاه الصحيح لمحادثات السلام، عبر احترام الوضع التاريخي الراهن للأماكن المقدسة في القدس، ويتعين تجنب الأقوال والأفعال المفرطة والاستفزازية، ويتعين عقد مؤتمر سلام دولي واسع النطاق وأكثر موثوقية وتأثيرا من أجل تهيئة الظروف لاستئناف محادثات السلام والإسهام بجهود ملموسة لمساعدة فلسطين وإسرائيل على العيش بسلام. المبادرة الصينية يجب قراءتها من ثلاث زوايا على النحو التالي:
1. قراءتها من زاوية الصراع الدولي المحتدم ودور الصين كمنافس قوي للدور الأميركي وهو ما يعزز من فرص كسر احتكار الهيمنة الأميركية المنحازة لدولة الاحتلال الصهيوني على القضية الفلسطينية.
2. قراءتها من زاوية تركيبة الحكومة اليمينية الفاشية بزعامة بنيامين نتانياهو والتي من المؤكد أنها لن تقبل بالمبادرة، وعليه فإن التعاطي الإيجابي مع الطرح الصيني من شأنه وضع المسمار الأول في نعش تطور العلاقات الصينية الإسرائيلية وهو ما يخدم المصالح الفلسطينية العليا.
3. قراءتها من زاوية تحليل البيئة الاستراتيجية الفلسطينية والعربية، والتي للأسف تعاني من انقسامات حادة، وتراجع للقضية الفلسطينية ودوران قطار التطبيع الذي انقلب على مبدأ الأرض مقابل السلام، إلى مبدأ السلام مقابل السلام، وعليه المبادرة الصينية التي ترتكز على مبدأ الأرض مقابل السلام، والتي تناولت ملف المصالحة الفلسطينية وسنفرد له محوراً بالمقال، هي أكثر تقدماً على مواقف بعض الدول العربية التي ذهبت نحو التطبيع في انقلاب واضح على مبادرة السلام العربية التي تنص على أن لا تطبيع مع دولة الاحتلال قبل إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي.
لا شك أننا كفلسطينيين نؤمن بالتحرير الكامل للتراب الفلسطيني، وأن أهم عناصر الاستقرار في المنطقة يبدأ من عند زوال دولة الاحتلال، وأن فرص زوالها تقترب يوماً بعد يوم، ولكن في الوقت نفسه من الممكن للمناورة والتكتيك السياسي عبر حشد الدعم الدولي والإقليمي أن يُخدم تحقيق الهدف الاستراتيجي، والمتمثل في التحرير الكامل والشامل لفلسطين من بحرها إلى نهرها، وفقا لما سبق فإن قبول المبادرة الصينية والثناء عليها والعمل على تنفيذها مسألة بالغة الأهمية بالنسبة للمؤسسة الرسمية الفلسطينية.
رعاية الصين للمصالحة الفلسطينية
تطرق وزير الخارجية الصيني خلال لقائه بالدكتور رياض المالكي، وزير الخارجية الفلسطيني، عن وجود طلب من حركة حماس بأن يكون للصين جهد لإنجاز المصالحة الداخلية الفلسطينية واستفسر عن طبيعة ردود الفعل، وأن الرئيس الصيني سيعرض على نظيره الفلسطيني هذا الطلب، وكان رد المالكي على ذلك: الموقف الفلسطيني ما زال على ذات الموقف والمتمثل بالتزام حركة حماس بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، والقبول بقرارات الشرعية الدولية. وأضاف المالكي حسب مصادر موثوقة: نحن كقيادة فلسطينية سنتعامل بشكل إيجابي مع أي رد يأتي من حماس مكتوبا في هذا الإطار، الآن الرئيس عباس يقول لا داعي للقدوم إلى بكين من أجل التوقيع على مثل هذه الوثيقة وحركة حماس تستطيع أن ترسلها إلى رام الله أو في غزة أو القاهرة أو الدوحة أو عمان وبالتالي هذا مهم وفي حال أن حماس أعلنت قبولها بهذه المطالب الدولية عند ذلك يمكن لحركتي حماس وفتح الحضور إلى بكين لتتويج هذا التوافق.
درس من الحكمة الصينية للعرب
خلال زيارة محمود عباس الأخيرة لبكين، تحدث وزير الخارجية الصيني تشين جانج عن استخدام "الحكمة الصينية" في قضية السلام الفلسطينية لحل الأزمة. لا شك أن استخدام كلمة الحكمة الصينية هو في الواقع نهج الصين المتوازن تجاه القضايا المتنازع عليها دوليًا مثل الأزمة الأوكرانية، والتي يُعزى إليها ثمار الوساطة الناجحة في حالة الخلافات بين إيران والمملكة العربية السعودية.
ولكن كما قيل، فإن مشاركة الصين في قضية أزمة فلسطين رمزية بشكل أساسي، كما أن تكرار مبادئ المبادرات على أرض أوسلو وخطة السلام العربية (2002) يؤكد هذا الادعاء، لذلك من المهم أن الصينيون ادركوا انهم صانعو القوة والمؤثرون في المشاركة في القضية الفلسطينية. وفي الوقت نفسه، فإن الدول العربية مثل المملكة العربية السعودية، التي كانت من المبادرين إلى بعض خطط السلام في الماضي وكان لها تأثير أيضًا بين جزء من المجتمع الفلسطيني ومنظمة السلطة الفلسطينية، تتبع عمليًا نفس المسار الذي اتبعته الولايات المتحدة من خلال التحرك تجاه تطبيع العلاقات، وفقدان موقفهم السابق وثقلهم الإقليمي.