الوقت- شهدت الحدود السودانية البرية والبحرية والجوية، خروج عشرات الآلاف من الأشخاص جرّاء الاشتباكات المسلحة الدائرة في البلاد منذ عدة أسابيع، يأتي هذا وسط وقفٍ هشّ لإطلاق النار ساعد على تهدئة القتال، في حين خاطر الكثير من الأشخاص خلال محاولتهم الخروج من البلاد، في ظل القصف وتبادل إطلاق النار. وقام العديد من البلدان بعمليات معقدة وصعبة من أجل مساعدة الرعايا الأجانب على الفرار من البلاد، كما عبر عشرات الآلاف من السودانيين الحدود إلى البلدان المجاورة منذ اندلاع القتال في 15 أبريل/نيسان، وقطعوا مسافات طويلة وقاموا برحلات برية وجوية وبحرية خطيرة للهرب. وإليكم توضيح حول الطرق التي سلكها الفارّون من القتال في السودان.
الرحلات الجوية
أجلت العديد من دول العالم رعاياها من السودان باستخدام الرحلات الجوية، حيث غادرت الطائرات مطارات السودان لنقل المسافرين إلى أوطانهم عبر الجو. وأنهت بعض الدول عمليات الإجلاء بحلول مساء يوم الثلاثاء، ومن بينها ألمانيا، في حين لا يزال مئات البريطانيين يغادرون البلاد، ويستقلون رحلات إجلاء تابعة لسلاح الجو الملكي الذي سيّر رحلاته ذهاباً وإيابًا بين قبرص وقاعدة جوية بالقرب من العاصمة السودانية في الخرطوم وسيّرت العديد من الدول طائرات إلى السودان ذهاباً وإياباً من أجل إجلاء رعاياها وقالت وزيرة الداخلية البريطانية سويلا برافرمان إن الحكومة اضطرت للتعامل ” مع مجموعة كبيرة من الرعايا البريطانيين في السودان مقارنة بالعديد من الدول الأخرى”.
السفر عبر البحر
أرسلت دول من بينها الهند وفرنسا والمملكة العربية السعودية سفناً بحرية إلى مدينة بورتسودان الساحلية، حيث تم إجلاء الأشخاص عبر البحر الأحمر إلى مدينة جدة السعودية. وقالت وزارة الخارجية السعودية إن سفينة تقل 1687 شخصاً من أكثر من 50 دولة وصلت إلى جدة في وقت سابق من يوم الأربعاء الماضي، في أكبر عملية إجلاء تقوم بها المملكة لغاية الآن وبالنسبة للكثيرين، كان الوصول إلى الميناء يعني السفر في الحافلة لمئات الأميال في الصحراء، كما اضطروا لاجتياز نقاط تفتيش تابعة للجيش، ولتجنب مقاتلي قوات الدعم السريع، وهي قوة شبه عسكرية تشكّل أحد أطراف الصراع في البلاد
السفر براً
تحاول أعداد كبيرة من المواطنين السودانيين والرعايا الأجانب الوصول إلى برّ الأمان في البلدان المجاورة مثل تشاد ومصر وإثيوبيا وجنوب السودان عبر الطرق البرية. وحذرت الأمم المتحدة من أن ربع مليون سوداني قد يكونون في طريقهم للهرب براً إلى الدول المجاورة، في حين أختار مواطنون آخرون البقاء في العاصمة الخرطوم، على الرغم من استمرار الاشتباكات المسلحة، وسط إعلان وقف إطلاق النار. وقال العديد من السودانيين الذين تحدثوا إلى بي بي سي إنهم يسمعون أصوات الاشتباكات بالقرب من مناطق سكنهم، لكنهم يفضلون البقاء في منازلهم بسبب أعمال السرقة والنهب والعنف التي تحدث في شوارع المدينة. فيما قال آخرون إنهم يرغبون في المغادرة لكنهم لا يستطيعون تحمل تكلفة تذاكر السفر.
وتمثل مصر أحد أبرز طرق الفرار عبر الحدود البرية من الحرب المشتعلة في الخرطوم، فضلًا عن إثيوبيا وتشاد وجنوب السودان. هذا إلى جانب النزوح الداخلي الذي يعد الأكثر بروزًا في السودان، ويجري الانتقال به إلى مناطق قريبة من الخرطوم مثل: شمال كردفان والجزيرة والشمالية والبحر الأحمر. المتحدثة الرسمية باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، نسمة نوار، قدرت عدد النازحين بنحو 100 ألف نازح سوداني توجهوا للدول المجاورة مثل مصر وتشاد وإثيوبيا وجنوب السودان وإفريقيا الوسطى.
وقالت كريستين بشاي، مسؤولة التواصل في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إنه حتى الآن هناك 64 ألفاً من الواصلين عبر المعابر الحدودية المصرية من غير المصريين، منهم 60 ألفًا و222 سودانيًا، والآخرين من جنسيات أخرى.
ووصف نازحون بالمعابر الحركة على الحدود المصرية بالاعتيادية بالنسبة للمصريين وحاملي التأشيرات والمعفيين من التأشيرات، مشيرين إلى أن التكدس والإجراءات الأمنية تتسبب في طول مدة العبور، وخاصة في ضوء ما وصفته المصادر بالتشدد الأمني من الجانب المصري، والذي انعكس على تأخر وجود منظمات الإغاثة الدولية في المنطقة الحدودية. وقال مصدر يعمل في معبر أرقين، بعدما طلب عدم ذكر اسمه، إنه بخلاف المصريين والسودانيين ومزدوجي الجنسية، هناك بعض مواطني دول إثيوبيا وتشاد والنيجر ضمن الواصلين، فيما أكدت طبيبة تعمل في الجانب السوداني من الحدود، أن هناك سوريين أيضًا من العابرين إلى مصر. وأوضحت بشاي في ذلك السياق، أن غير المعفيين من تأشيرة الدخول، يجري التواصل مع سفاراتهم.
وأفاد ضابط جوازات سوداني بمعبر أرقين، بأن إجراءات الدخول إلى مصر كما هي ولم تتغير، موضحًا: "الرجال بين 16 و50عامًا يجب أن يكون لديهم تأشيرة دخول، ومن ليس لديه التأشيرة يتم ارجاعه. ومن كانت جوازاتهم منتهية منذ شهور قليلة، يحصلون على تجديد في المنفذ السوداني من خلال ختم وتوقيع". وتؤكد بشاي أن إجراء تجديد الجوازات المنتهية ينطبق على المصريين عند المعبر.
وكانت اتفاقية الحريات الأربع التي وقعت في 2004 بين الحكومة السودانية والمصرية تمنح المواطنين المصريين والسودانيين حق الاقامة والعمل وتملك العقارات في البلد الآخر، ولكنها لم تدخل حيز التنفيذ، بشكل أساسي من قبل المصريين. وأوضح مسؤول في غرفة الباصات السفرية في مدينة حلفا السودانية، أنه الضغط على معبري أرقين وقسطل ارتفع، موضحًا أن معبر أرقين مجهز للأفراد، وقسطل مختص بنقل البضائع. وأشار بالوقت نفسه إلى أن الرحلات التي تصل للمعابر، لم تعد تأتي فقط من الخرطوم بصورة مباشرة، ولكن من مدن أخرى في ولايتي الشمالية ونهر النيل عبر وسائل نقل مختلفة.
وحسب مصدر حكومي مصري، عند الوصول للجانب السوداني من الحدود، هناك حافلات كثيرة تنتظر مرورها، بعضها يحمل مصابين وكبار السن ونساء حوامل، فيما ينقص هذه القوافل الإمدادات الطبية الأساسية. وتستغرق عملية المرور وقتًا طويلًا، وفق المصدر الحكومي، الذي أشار إلى أن الأولوية لمرور المصريين والنساء والمصابين والأسر المصاحبة لأطفال. وقال مصدر من النازحين المصريين من السودان، إن التفتيش استمر ست ساعات في الجانب المصري، مضيفًا "في الجانب المصري، سلمنا الجوازات الساعة 6 مساءً، واستلمناها 5 صباحًا بسبب الزحام. اكتشفنا أن طالبين اثنين احتجزهما الأمن الوطني للاستعلام والتحري الأمني".
وحول الوضع السيء للنازحين، قالت مواطنة سودانية وصلت القاهرة، إنها خرجت من منزلها بحي بري شرق الخرطوم، حتى موقف غندهار، وشاهدت في طريقها جثث ملقاة في العراء بشارع الغابة، غرب الخرطوم. وأوضحت أنها عندما وصلت إلى الموقف، كان يتخبطها شعور سيء، وخاصة أنها تابعت ما حدث بين مشجعي الأهلي المصري والهلال السوداني بعد مباراة دوري المجموعات بدوري أبطال إفريقيا، مشيرة إلى أنه تملكها بعض القلق بخصوص التعامل، الذي ربما يكون سيئا مع السودانيين. ولكنها تفاجأت بطريقة القبول عند المعبر، وذلك رغم تعثر الإجراءات بسبب الزحام. وعبرت المواطنة السودانية، لكن أخيها لم يستطع لأنه يحتاج إلى تأشيرة دخول، ما سيتطلب أياما، حسب ما قاله لها ضباط الجوازات في الجانب السوداني.
وحسب شهود عيان من العابرين من معبر أرقين، يعد الهلال الأحمر المصري هو الجهة الوحيدة الموجودة من بداية اندلاع المواجهات، كمصدر للإمدادات الإنسانية بشكل أساسي. وأوضحت بشاي من ناحيتها، أن المفوضية كمنسق عام لعمل المنظمات الأممية الأخرى في المنطقة الحدودية تقدم مساعداتها عبر الهلال الأحمر المصري، وتتمثل تلك المساعدات في الطعام والمياه وبعض الخدمات الصحية. من جانبها، أكدت نوار أن مساعدات اللجنة الدولية للصليب الأحمر تتم عن طريق الهلال الأحمر المصري عند المعابر، وتتمثل في المساعدات البشرية واللوجستية لتسهيل أعمال الإغاثة عند الحدود، وتواصل المواطنين الواصلين للمعبر مع ذويهم عن طريق المكالمات التليفونية.
وحول تأخر المنظمات الأممية في الوصول للمعابر، أكد مصدر حكومي مصري آخر، أنه لا تقع على الجانب المصري مسؤولية تسهيل وجود منظمات أممية في المنطقة الحدودية. فيما أوضح أن الحكومة المصرية في تواصل مستمر مع الأمم المتحدة حول عبور الواصلين من السودان وقال "ندير المنطقة الحدودية محليًا، وبالتأكيد هناك تشديد أمني حول من يمكنه العبور، وخاصة أن الأجهزة الأمنية لديها تخوفات من عبور عناصر من الدعم السريع". وطالبت مجموعة من المنظمات الحقوقية في بيان مشترك نشر في 5 مايو الجاري، الحكومات والهيئات الدولية والأممية التدخل لتسهيل الإغاثة، واختصت دول الجوار بأهمية تسهيل عبور اللاجئين وعدم الإعادة القسرية، وتيسير وجود الخدمات الطبية في المناطق الحدودية/ والتعاون من المنظمات الدولية والمجتمع الدولي في تنسيق الجهود الإنسانية.