الوقت- خلال الايام الماضية، تصاعدت وبشكل لافت، نبرة تهديدات زعماء الكيان الاسرائيلي لايران، حتى ان القناة "12" في التلفزيون الإسرائيلي استعرضت سيناريو الهجوم المحتمل الذي يمكن أن يشنه الكيان، مع او دون أمريكا، على المنشآت النووية في إيران، وتناول السيناريو ادق تفاصيل الهجوم، وكذلك الموعد المفضل لتنفيذه.
هذه التهديدات ليست بالجديدة، فقبل ما يقارب العامين، وصلت التهديدات الاسرائيلية الى اقصى مدياتها ضد ايران ايضا، وذلك عندما هدد رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت، ان كيانه سيواجه إيران وحلفاءها في المنطقة، بغض النظر عما يحدث بين طهران والقوى العالمية فيما يخص ملف إيران النووي. وفي الوقت ذاته ايضا، هدد وزير الحرب في الكيان الاسرائيلي حينها بيني غانتس، ايران قائلا ان "الجيش الاسرائيلي يقوم بتحديث خططه لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، وإن إسرائيل مستعدة للعمل".
التهديدات الجديدة، التي تطلقها حكومة نتنياهو هذه الايام ، تزامنت ايضا مع تطورات ومتغيرات، جاءت على النقيض من اهدف سياسة الكيان الاسرائيلي في المنطقة، ومنها الاتفاق السعودي الإيراني، وما يقال عن وجود مفاوضات تجري بين ممثلين من ايران ومصر لاعادة العلاقات بينهما، وعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، والعملية الفدائية في مجيدو، وتآكل قوة الردع الاسرائيلية بعد معركة "ثأر الاحرار"، والمناورات التي قام بها مقاتلو حزب الله في ذكرى الانتصار وتحرير الجنوب، وظهور مقاومة افزعت الكيان الاسرائيلي في الضفة الغربية، وكابوس وحدة الساحات، وآخرها رفض الرئيس الامريكي جو بايدن دعوة نتنياهو لزيارة واشنطن، واعلن بايدن عن ذلك صراحة.
"هل إسرائيل مستعدة للحرب؟"، هو عنوان تقرير صحيفة "ماكور ريشون" الإسرائيلية، جاء في جانب منه :" اصبحت ايران قوة إقليمية عظمى معترف بها، وتحالفاتها مع الصين وروسيا تثير قلقا، وعلاقاتها الجديدة مع بعض الدول العربية مزعج .. ان إسرائيل غير مستعدة لخطط حرب إيران، وهي منهمكة في أخبار الصحافة الصفراء". اللافت ان السيناريو الذي استعرضته الصحافة الاسرائيلية حول الهجوم على ايران، اشار الى كل تفاصيل الهجوم، إلا انه لم يذكر ماذا سيكون رد فعل ايران على الهجوم؟، وهل ستعود الطائرات الاسرائيلية المهاجمة سالمة؟، وإن عادت بعضها سالمة، فهل ستجد مطارات تهبط فيها؟، بل هل ستبقى هناك مدن مثل تل ابيب وحيفا اصلا؟.
اذا كان حقا ان زعماء الكيان الاسرائيلي يخططون للهجوم على ايران، فلماذا يجهرون بذلك؟، ولماذا يكشفون عن مخططاتهم وبالتفصيل؟، من الواضح ان كل هذه التهديدات تستبطن خوفا قاتلا، وهو الخوف من كسر قواعد الاشتباك السائدة الان، من قبل محور المقاومة، الذي انتقل من الدفاع الى الهجوم، فيما انكفأ الكيان الاسرائيلي، الى الدفاع من الهجوم، ومن اجل التغطية على حالة العجز هذه، فلم يجد زعماء الكيان من وسيلة الا الصراخ بأعلى اصواتهم.
ايران ردت بطريقتها الخاصة على صراخ "اسرائيل" الهستيري، وذلك عبر كشفها النقاب عن صاروخها الباليستي من طراز "خيبر"، ويبلغ مداه ألفي كيلومتر، ورأسه الحربي يزن طنا ونصف طن من المتفجرات، وله ميزات تكتيكية عدة منها توافر نظام توجيه وتحكم في المرحلة الوسطى من مسيره والقدرة على التحكم في حالة الرأس الحربي وتصحيح مساره خارج الغلاف الجوي للأرض.وتم تزويده بتقنية متطورة تجعل أنظمة دفاع العدو غير قادرة على كشفه او اعتراضه، وبذلك اوصلت ايران رسالة قوية ردت فيها عمليا على تهديدات "اسرائيل" ولكن دون صراخ.
ماذا قال الإسرائيليون؟
قال وزير الأمن الإسرائيلي، يوآف غالانت، إن الهدف الرئيس، الذي تستعدّ له "إسرائيل" في المرحلة الراهنة، "هو أكثر تعقيداً وصعوبة وأهمية، ويجب على سلاح الجو أن يكون مستعداً في كل لحظة". وهدّد بأن كل الخيارات يجب أن تكون على الطاولة، من أجل منع إيران من حيازة سلاح نووي، محذّراً طهران من تبعات زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 90%.. بنيامين نتنياهو قال، في رسالة إلى إيران: "ليعلم كل أعدائنا، نحن متقدمون عليكم بفارق كبير". رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، قال إن نتنياهو سيحصل على دعم لضرب منشآت إيران النووية إذا استُنفدت كل الوسائل. وأضاف إن تخصيب إيران لليورانيوم بنسبة 90% يُعَدّ خطاً أحمر لكل العالم، وأشار إلى أن "إسرائيل" لم تضيّع الوقت، ونجحت في تأخير المشروع النووي الإيراني.
رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هليفي، قال: "نحن ننظر إلى إيران عَبْر بُعدين: النووي والتهديد الإقليمي". وأضاف إن الأمين العام لحزب الله السيد "نصر الله يعتقد أنه يعرف كيف نفكر. إنه يتحدانا عبر وسائل يعتقد أنها لن تؤدي إلى حرب شاملة"، مشيراً إلى "تطورات سلبية محتملة في الأفق يمكن أن تدفع إلى عملية"، محذّراً الرئيس السوري، بشار الأسد، من مغبة التقارب مع إيران. بدوره، رأى رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية أهارون حاليفا، أن الأمين العام لحزب الله "يقترب جداً من ارتكاب خطيئة قد تؤدي إلى حرب كبرى في المنطقة، ويقرّب هذه الخطيئة من لبنان ومن سوريا"، على حد قوله. حاليفا أشار إلى أن "تصرف نصر الله، إلى جانب ثقة الرئيس السوري بشار الأسد العالية بالنفس، قد تخلقان إمكاناً عالياً للتصعيد في المنطقة"، محذّراً من أن "تفعيل القوة من الجبهة الشمالية نحو إسرائيل، سواء من سوريا أو من لبنان، قد يؤدي إلى تصعيد واصطدام كبيرين بين إسرائيل وحزب الله في لبنان".
ما بين السطور
يشي مضمون التهديدات بأن "إسرائيل" في موقع الدفاع لا الهجوم، وأن الكلام عالي النبرة يستبطن انكفاءً، ومحاولة ردع الطرف الآخر عن عدم المساس بقواعد الاشتباك السائدة، وخصوصاً لجهة إيران وحزب الله. تبجّح رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بعيد زيارته قاعدة للاستخبارات العسكرية، وما تبعها من تصريحات من قادة عسكريين وأمنيين هو، على الأرجح، مجرد تهويل منظّم ومكتوب ومُعَدّ مسبقاً، يقع جزء منه في إطار الحرب النفسية. هذه الفرضية تنتظم بين مجموعة فرضيات تفسّر السلوك الإسرائيلي. منها أنه يمُهد لعمل أمني ما، ويستبق أي رد فعل من الطرف المقابل، أو يهدف إلى رفع الصوت لإثارة انتباه حلفائه في الولايات المتحدة وأوروبا، وربما هو خوف من إقدام أطراف في محور المقاومة على الارتقاء في قواعد الاشتباك.
أغلبية التهديدات جاءت في إطار شَرطي: "إذا" سمح الأسد للمحور؛ "إذا" تخطى حزب الله قواعد الاشتباك؛ "إذا" تمادى الحزب وارتكب "خطيئة"؛ "إذا" اقتربت إيران من نسبة تخصيب 90 في المئة. وهذا، في حد ذاته، مؤشر على الطرف الذي يمتلك المبادرة، وعلى منحنى ميزان الردع. تسعى "إسرائيل" لأن تحقق بالكلام ما عجزت عنه عبر قوتها العسكرية بعد العملية التي سمَّتها ـ"درع وسهم"، حينما اختارت الهجوم على فصيل متواضع في التجهيز والعديد، مقارنة بغيرة من الفصائل والمحاور، لإعادة ترميم الردع. يوحي سياق التهديدات ومضمونها بعقدة نقص يحاول الإسرائيلي تعويضها بكلام عالي النبرة، وهو كلام لا يخصّ المستوى السياسي فقط، وقراءته النابعة من مصلحة شخصية، وإنما يتجاوز ذلك أيضاً إلى الأجهزة العميقة، والتي اتفقت بالإجماع على ضرورة المبادرة إلى الاعتداء على حركة الجهاد الإسلامي، من أجل إحداث تغيير ما.
تريد "إسرائيل" أن تقول لأعدائها إن الطفح الجلدي الظاهر للعيان الذي تعاني منه، ليس نتيجة مرض عُضال وفق ما يشخّص أعداؤها. لكن أزمتها تنبع من أنها عاجزة عن إقناعهم وعن تطويع وعيهم في هذا الإطار، سواء صحّت ادعاءاتها، أو لم تصح. في الآونة الأخيرة، حدثت مجموعة متغيّرات ذات دلالة استراتيجية، منها الاتفاق السعودي الإيراني برعاية الصين، وعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وزيارة رئيسي لدمشق، وما تخلّلها من اتفاقات معلنة أو غير معلنة. هذا التحولات معطوفة على تحوّلات دولية لم تتمكن "إسرائيل" من إخفاء قلقها منها وبسببها. وبالتالي تتخوّف "إسرائيل"، حسب ما يطفو على السطح، من اقتراب أعدائها في محور المقاومة وتموضعهم في إطار هجوم استراتيجي بعد أن كانوا، طوال العقد الماضي، في إطار الدفاع الاستراتيجي. يُستشف هذا القلق من التحذير الذي وجَّهه رئيس الأركان الإسرائيلي ورئيس "أمان" إلى سوريا والرئيس الأسد، بصورة خاصة.