الوقت - إن الشعب الفلسطيني الذي يعيش في أسوأ الظروف الاقتصادية والمعيشية بسبب احتلال النظام الصهيوني منذ 75 عاما، في أمس الحاجة إلى المساعدة الدولية. وفي اليوم الذي استهدف فيه النظام الصهيوني مناطق في غزة بغارات جوية واستشهد عدد من الفلسطينيين، أعلن سامر عبد الجابر، رئيس برنامج الغذاء العالمي في فلسطين، أن هذه المنظمة قدمت مساعدات غذائية لأكثر من 200 ألف فلسطيني ولكنها الان ستوقف المساعدات الحالية لهم اعتبارًا من يونيو بسبب النقص الحاد في الموارد المالية.
وقال سامر عبد الجابر إنه إذا لم يتم تمويل المؤسسة، فسيتعين عليها وقف التبرعات الغذائية والنقدية بشكل كامل حتى أغسطس القادم. وأكد عبد الجابر أن "برنامج الغذاء العالمي يدرك تبعات هذا القرار الصعب الذي لا مفر منه على مئات الآلاف من الأشخاص الذين يعتمدون على المساعدات الغذائية لتلبية احتياجاتهم الأساسية".
وقالت المنظمة الدولية إنه بسبب النقص الحاد في الموارد المالية اضطر برنامج الغذاء العالمي إلى اختيار خيارات مؤلمة للحفاظ على موارده المحدودة. وعلى الرغم من ذلك، قال برنامج الغذاء العالمي إنه سيواصل مساعدة 140 ألف شخص في غزة والضفة الغربية. وشدد برنامج الغذاء العالمي على تعليق مساعداته للفلسطينيين لإنقاذ الآخرين المعرضين للخطر الأكبر.
ويقدم برنامج الغذاء العالمي حزماً غذائية شهرية للفلسطينيين المحتاجين بسعر 10.30 دولارات للفرد، والتي ستتأثر بتعليق التمويل. وعقب الإعلان عن هذا القرار، تجمع عشرات الفلسطينيين أمام مقر برنامج الغذاء العالمي في مدينة غزة وهتفوا "لا للجوع" اعتراضًا على هذا الإجراء. وسيؤثر قرار برنامج الأغذية العالمي بشكل أكبر على الأسر التي تعيش في غزة والضفة الغربية، حيث تعاني من أعلى معدلات انعدام الأمن الغذائي والفقر.
وفي يناير 2019 ، أوقفت هذه المنظمة غير الحكومية المساعدات الإنسانية لـ 27000 فلسطيني يعيشون في غزة والضفة الغربية بسبب نقص التمويل. لذلك، إذا استمرت عملية تقليص المساعدات المالية للفلسطينيين، ستصبح ظروفهم أكثر صعوبة من ذي قبل، كما سيزداد مستوى البطالة والفقر. وتجدر الإشارة إلى أنه في عام 2018، قدم برنامج الغذاء العالمي مساعدات غذائية لـ 250.000 شخص في غزة و 110.000 شخص في الضفة الغربية.
وعلى الرغم من عدم توافر إحصاءات دقيقة عن حجم المساعدات التي قدمها برنامج الغذاء العالمي للفلسطينيين، ولكن يمكن القول إنه تم تقديم حوالي 6 ملايين دولار شهريًا لسكان غزة والضفة الغربية، وهو مبلغ صغير جدًا مقارنة بسيل المشاكل. وبدأ برنامج الغذاء العالمي نشاطه في عام 1961 لمساعدة شعوب الدول التي تواجه الجوع والفقر والبطالة، كما يتم توفير ميزانيته من خلال المساهمات الطوعية، وخاصة من الحكومات وخاصة الغربية.
الوضع البائس والفقر والبطالة في غزة والضفة الغربية
وحسب إحصائيات المنظمات الفلسطينية والأمم المتحدة، يعيش في غزة 2.3 مليون نسمة ، 45٪ منهم عاطلون عن العمل، و 80٪ منهم بحاجة إلى مساعدات دولية. ولقد تم وقف المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، بينما يحاصر النظام الصهيوني غزة بالكامل منذ عام 2006 ولا يسمح بتدفق المساعدات الدولية إلى هذه المنطقة. وبلغت نسبة البطالة في غزة 23.6٪ عام 2005، عندما انسحبت القوات الصهيونية من هذه المنطقة، فيما وصلت هذه النسبة الآن إلى 69٪ ، وهي من أعلى معدلات البطالة في العالم. ولقد دمر النظام الصهيوني العديد من البنى التحتية في غزة وآلاف المنازل بهجمات متواصلة في السنوات الأخيرة، وهناك حاجة لعشرات الملايين من الدولارات لإعادة بناء هذه التدمير. وفي مثل هذه الحالة، لن يؤدي قطع المساعدات الدولية إلى تفاقم الفقر والبطالة فحسب، بل سيجعل عملية إعادة الإعمار في غزة صعبة أيضًا.
وحسب الإحصائيات المعلنة، يعاني ثلثا سكان غزة من انعدام الأمن الغذائي. وبسبب الحصار الاقتصادي الشديد، تعاني غزة بشكل كبير من نقص مرافق الرعاية الصحية، ودُمرت العديد من مستشفياتها في الغارات الصهيونية، كما تم إغلاق الطريق أمام المساعدات من الخارج. وسكان غزة محرومون حتى من المياه الصالحة للشرب بسبب الإجراءات المعادية للإنسان التي يقوم بها الصهاينة، ووفق تقارير حقوق الإنسان، فإن 12٪ من وفيات الأطفال في غزة ناتجة عن استخدام المياه الملوثة، وهذه المآسي يتم تنفيذها في صمت من قبل المجتمع الدولي.
إن الوضع هو نفسه في الضفة الغربية ونصف سكان هذه المنطقة المتوترة لا يتمتعون بالأمن الغذائي وعدد هؤلاء الناس يتزايد يوما بعد يوم. ويزيد النظام الصهيوني من حجم جرائمه في غزة والضفة الغربية يومًا بعد يوم، ونتيجة لذلك، أصبحت الظروف المعيشية لآلاف الفلسطينيين أكثر كارثية. وكما أعلن النظام المحتل قبل أشهر بهدف الضغط على السلطة الفلسطينية، فإنه سيوقف 39 مليون دولار من المساعدات المالية لهذا التنظيم.
إن تعليق مساعدات برنامج الغذاء العالمي لفلسطين، جاءت بينما أعلنت هذه المنظمة مرارًا أن الجوع والفقر بسبب سياسات النظام الصهيوني يهددان حياة آلاف الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، لكن رغم ذلك، كان هناك مئات الآلاف من الفلسطينيين تم حرمانهم من تلقي هذه المنح الصغيرة. ورغم أن برنامج الغذاء العالمي يرفض أي تأثير للقوى العالمية على هذه المنظمة الحقوقية، إلا أن الإجراء الأخير لهذه المنظمة هو عن قصد أو عن غير قصد يصب في اتجاه تحقيق خطط النظام الصهيوني الذي يحاول الضغط على المجتمع الدولي لتقليل الدعم للفلسطينيين.
من الممكن أن يكون اللوبي الصهيوني قد استخدم نفوذه هذه المرة، وتخفيض ميزانية برنامج الغذاء العالمي هو أيضا ذريعة لتبرير هذا العمل اللاإنساني، لأنه تم تخفيض المساعدات الإنسانية، وهناك مناطق أخرى في العالم في وضع أفضل نسبيًا مقارنة بالفلسطينيين. ومنذ سنوات وشعب فلسطين المظلوم يطالب المجتمع الدولي بالضغط على النظام الصهيوني لرفع الحصار وإنهاء الاحتلال من أجل تخفيف بعض آلام الفلسطينيين، بل على العكس من ذلك، قامت المنظمات بالتوقف عن مساعدة الفلسطينيين واتخذت خطوات في الاتجاه الذي يريده الصهاينة.
تعامل مزدوج في حقوق الإنسان
إن منظمات حقوق الإنسان، التي تخضع بشكل أساسي لتأثير أمريكا والدول الغربية، أظهرت دائمًا أنها تطبق معيارًا مزدوجًا في إرسال المساعدات الإنسانية بين الحلفاء الغربيين وأعدائهم. وتعليق مساعدات برنامج الغذاء العالمي للفلسطينيين، الذين يحتاجون هذه المساعدات أكثر من أي شعب آخر، بحجة الضائقة المالية، بينما أرسل الغرب أكثر من 150 مليار دولار كمساعدات مالية وأسلحة لأوكرانيا في الخمسة عشر شهرًا الماضية، وقالوا إنه طالما استمر الصراع مع روسيا، فسيواصلون تقديم المساعدة.
لقد أثبت الغربيون دائمًا أن العيون الزرقاء في أوروبا هي الأولوية القصوى للمساعدات العالمية. وعلى الرغم من تعليق مساعدات برنامج الغذاء العالمي لفلسطين، أعلنت المنظمة نفسها في مارس 2022، في بداية الحرب في أوكرانيا، أنها مستعدة لمساعدة 5 ملايين نازح في هذا البلد.وعلى الرغم من المساعدات المكثفة من الغرب، لا تحتاج أوكرانيا إلى الكثير من المساعدات من برنامج الغذاء العالمي، والأولوية هي للفقراء في فلسطين والدول الضعيفة الأخرى التي تكافح الجوع والفقر منذ عقود.
لقد جاءت مطالبة برنامج الغذاء العالمي بتخفيض الميزانية المالية في ظل الظروف التي قالها ديفيد بيزلي، المدير التنفيذي لهذه المنظمة، في خطاب ألقاه الشهر الماضي، إنه في عام 2022، ارتفع حجم المساعدات الأمريكية من 3.5 مليارات دولار إلى 7.4 مليارات دولار، والمساعدات الألمانية التي كانت في وقت سابق 330 مليون دولار، وصلت إلى 1.7 مليار دولار.
وعلى الرغم من أن بيسلي قال إنه في الأشهر المقبلة إذا لم تقدم الدول المزيد من المساعدات، فإن الوضع سيزداد سوءًا، ولكن مع مضاعفة المساعدات المالية من الولايات المتحدة وألمانيا، تحسنت الظروف المالية لهذه المنظمة العالمية مقارنة بالماضي، وقطع المساعدات السنوية عن عشرات الملايين من الفلسطينيين مبرر للهروب من الضغوط الخارجية.