الوقت - عندما أعلن الإمام الخميني (رحمه الله) الجمعة الأخيرة من شهر رمضان "يوم القدس" ويوم الدعم الدولي للشعب الفلسطيني المظلوم في أغسطس 1980، قلما اعتقد أحد أنه في العقد الرابع، سيكون هذا اليوم مهمًا جدًا للمسلمين والدول الأخرى لدرجة أنهم سينتظرون لحظة وصوله.
رغم أن السلطات الصهيونية تحاول تهميش يوم القدس العالمي وتعزيز أمن الحدود المحتلة، إلا أن الظروف الداخلية والدولية ليست في مصلحة الصهاينة. وستقام الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك، بينما تشتعل الأراضي المحتلة بشدة بسبب أعمال المتطرفين الصهاينة.
المعارضة العالمية للجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال في المسجد الأقصى، وتساقط صواريخ المقاومة من جبهات لبنان وغزة وسوريا على الصهاينة، كلها دليل على أن يوم القدس العالمي مختلف هذا العام.
من أجل تسليط الضوء علی التطورات في فلسطين وآثار يوم القدس العالمي في الأراضي المحتلة، تحدث "الوقت" مع السيد جعفر قنادباشي، الخبير في شؤون غرب آسيا.
الوقت: يقام يوم القدس العالمي غداً الجمعة، ونظراً لتصاعد جرائم الکيان الصهيوني في المسجد الأقصى، يبدو أنه سيحتفل به هذا العام بحجم أكبر. ما مدى فاعلية يوم القدس برأيكم في الحفاظ على قضية القدس حيةً؟
السيد جعفر قنادباشي: إعلان يوم ما على أنه يوم القدس، لا علاقة له بجنسية أو عرق أو لغة، وجعل دعم القدس والمسجد الأقصى شعاره، وهو شعار مهم لجميع المسلمين، وهذا من أسباب توسع فكرة دعم القدس واستمرارها. في السابق، كان مكان يوم القدس فارغًا في القضية الفلسطينية، وكان المسلمون يريدون أن يكون هناك يوم يمكنهم فيه إعلان دعمهم المشترك لحرية القدس ومحاربة الاستعمار.
لقد مهّد الإعلان العالمي للإمام الخميني بيوم القدس، الطريق أمام المسلمين لمواصلة دعم فلسطين على نطاق واسع، وهذه الخطة هي برنامج شعبي. من ناحية أخرى، ذهب تفسير الإمام الخميني ليوم القدس إلى أبعد من دعم فلسطين، وقال إن "يوم القدس هو يوم الإسلام" وهذا المعنى والمفهوم كان لهما أثر كبير في العالم، وكل عام يزداد حضور الناس في يوم القدس في جميع أنحاء العالم ويظهر ديمومة قضية القدس.
وفي مجال العمل، حقّق يوم القدس نجاحات كثيرة للمسلمين. كان للکيان الصهيوني، في بداية تأسيسه المزيف، نفوذ كبير في المنطقة، ولهذا استمر في احتلال فلسطين والدول العربية، لكن بعد انتصار الثورة الإسلامية توقف الاحتلال وتراجع عن سياساته في فلسطين والمنطقة.
يعلم الجميع أنه لولا وجود الجمهورية الإسلامية، لما وافق الکيان الصهيوني على تسليم صحراء سيناء للحكومة المصرية. لأن الصهاينة اعتقدوا أن شعب مصر قد يقوم بثورة على الحكومة في بلادهم بتأثير الثورة الإسلامية، فاضطروا لتسليم صحراء سيناء. کذلك، انسحب الکيان الصهيوني من جنوب لبنان عام 2000 ومن غزة عام 2005.
انبثقت الثورة الشعبية الأولى في فلسطين، والتي سميت بالانتفاضة، من ثورة الشعب الإيراني، وفي الخطوة الأولى استطاعت تحرير غزة من أيدي المحتلين، وكل هذه النجاحات كانت بسبب استمرار الاحتجاجات في يوم القدس، والتي وفرت الأرضية للفلسطينيين لفهم الدعم العالمي لأنفسهم بشكل أفضل.
عندما رأى الفلسطينيون أن الدول الأخرى تدعمهم، تشجعوا على مواصلة القتال ضد المحتلين بثقة أكبر. وآثار يوم القدس العالمي واضحة بين الصهاينة، وهم قلقون من حقيقة أن يوم القدس قد تمكن من توحيد جميع المسلمين لدعم فلسطين، وزيادة الثقة بالنفس لدى الفلسطينيين والمسلمين.
الوقت: ما هو تأثير صعود المتطرفين في الکيان الصهيوني، الذين كثفوا في الأشهر الأخيرة التوتر مع فصائل المقاومة بتدنيس المسجد الأقصى، في الاحتفال الكبير بيوم القدس هذا العام؟
السيد جعفر قنادباشي: إن التحركات الأمنية للمتطرفين الصهاينة في الضفة الغربية، هي لأنهم يعتقدون أن الکيان الصهيوني قد فشل ضد الفلسطينيين في العقدين الماضيين، ولهذا يريدون أن يسيطروا على الشؤون الأمنية والجيش ليغيروا الميزان لمصلحتهم ضد الفلسطينيين، ويعتقدون أنه يمكنهم تحقيق النجاح بهذه الإجراءات المسببة للتوتر.
لذلك، يهاجم المتطرفون المسجد الأقصى وهذه الأعمال المسببة للتوتر تجرح مشاعر المسلمين. كما في الأسابيع الأخيرة، أعرب العديد من المسلمين حول العالم عن معارضتهم للهجوم على المسجد الأقصى، وستکون هذه الاحتجاجات مقدمةً للاحتفال بيوم القدس الذي سيتم بشكل رائع هذا العام.
الجريمة التي ارتكبها الکيان الصهيوني مؤخرًا في هذا المكان المقدس، حيث جرح أكثر من 200 فلسطيني واعتقل مئات الأشخاص، كانت غير مسبوقة من نوعها، الأمر الذي أثار غضب العالم. وكلما ازدادت هذه الأعمال المعادية للإنسان من قبل المتطرفين، زاد دعم المسلمين للشعب الفلسطيني المضطهد، وفي الأسابيع الأخيرة رأينا هذا الأمر جيدًا، وبالتالي فإن يوم القدس يمكن أن يقوي الشعور بالقتال ضد الغزاة.
الوقت: كيف يختلف يوم القدس هذا العام عن الأعوام السابقة؟ العام الماضي، في هذه الأيام، كان مشروع التطبيع مستمراً، ولكن الآن حلت المعارضة محله؟
السيد جعفر قنادباشي: يختلف يوم القدس هذا العام عن الأعوام السابقة من ناحيتين. أولاً، أنه في السنوات الماضية اعتقد البعض أن الکيان الصهيوني أصبح قوياً، وبإکمال مشروع تطبيع العلاقات مع الدول العربية، فإن أي عمل احتجاجي ضد هذا الکيان سيكون عديم الجدوى.
عندما كانت عملية التطبيع جاريةً، قام الصهاينة ودونالد ترامب، الرئيس السابق للولايات المتحدة، بدعاية واسعة النطاق بشأنها، وتمنى أن يقودوا العديد من الدول إلى هذا الطريق. لكن الآن انقلب هذا الاتجاه، وتتخذ السعودية والإمارات موقفاً قوياً من جرائم الکيان الإسرائيلي في المسجد الأقصى، وهو موقف يختلف عن الماضي ويظهر أن إعلان يوم القدس کان الطريق الصحيح.
إن الاعتراف واسع النطاق من جانب السلطات الصهيونية بالهزيمة ضد الفلسطينيين، يشير إلى أن الجمهورية الإسلامية اختارت بشكل صحيح يوم القدس.
ثانياً، الأوضاع الداخلية للأراضي المحتلة في حالة أسوأ، والصهاينة يعتبرون أنفسهم خاسرين، وفشل هذا الکيان في البعد العسكري والسياسي أدى إلى عزل الصهاينة في العالم.
لذلك، تلاشت فكرة أن الكيان الصهيوني يتقوى، وأدرك الجميع ضعفه. وبالتالي، فإن العديد من المفكرين والذين اعتقدوا أنه لا يمكن تدمير الکيان الصهيوني، ولكن هذا العام، بعد رؤية أوضاع الأراضي المحتلة وضعف الكيان الإسرائيلي على الساحة العالمية، أصبحوا يأملون انهياره، وسيشاركون في مسيرة يوم القدس.
الوقت: ما هو تأثير الاحتفال الكبير بيوم القدس العالمي على التطورات الداخلية في فلسطين؟
السيد جعفر قنادباشي: أظهرت التجربة أن الاحتجاجات الشعبية الحاشدة دفعت دائمًا الکيان الصهيوني إلى التراجع عن تنفيذ سياساته. حاليًا، بالإضافة إلى مجموعات المقاومة التي تمكنت من خلق ردع ضد الکيان الصهيوني، كانت الاحتجاجات الشعبية أيضًا فعالةً في هذا الصدد.
في مايو 2021، خلال معركة "سيف القدس"، التي دارت بين مقاومة غزة والجيش الصهيوني، اندلعت احتجاجات واسعة النطاق ضد الصهاينة في العالم، وحتى في أمريكا والدول الغربية الأخرى، نزل آلاف الأشخاص إلى الشوارع للتنديد بهذه الجريمة، إلى الحد الذي أعلنت فيه سلطات واشنطن لتل أبيب أنها إذا واصلت هجماتها في غزة فلن تكون قادرةً على دعم هذا الکيان على الساحة الدولية.
لذلك، فإن الاحتجاجات الدولية وخاصةً يوم القدس ستخلق رادعاً ضد المحتلين، ولا يمكن للصهاينة ارتكاب أي جريمة في فلسطين. بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، في الأيام الأولى لتشكيل حكومته، سمح للمتطرفين بتنفيذ إجراءاتهم الأمنية في الضفة الغربية. إلا أنه مع مرور الوقت واشتداد الاحتجاجات الدولية ضد تحركات الصهاينة في المسجد الأقصى والقدس، أصدر أمرًا بمنع دخول المستوطنين للمسجد الأقصى، لأنه خائف من موجة ردود الفعل العالمية.
والدعم لفلسطين ليس سياسياً فقط، بل هو دعم مالي أيضاً للفلسطينيين في جميع أنحاء العالم، وبعض الناس يكتبون مقالات تدعم الشعب الفلسطيني في الصحافة، وكل هذا فعال في الضغط على السلطات الصهيونية.
حتى بعض ضباط الجيش في الدول الإسلامية، عندما يرون جرائم الكيان الصهيوني في فلسطين، يفكرون في مهاجمة الأراضي المحتلة بشكل عفوي. ونظراً للأجواء التي نشأت في العالم الإسلامي ضد الكيان الصهيوني، تشعر دول التطبيع في المنطقة بالقلق من أنه إذا تصاعدت جرائم الکيان الإسرائيلي في فلسطين، فإن قوات الجيش في هذه الدول ستخالف أوامر الحكومة وتنفذ هجمات على الأراضي المحتلة.
لذلك، عندما يتم تنظيم احتجاجات عالمية في يوم القدس، فإن ذلك يخلق إحساسًا كبيرًا بعدم الأمان لدى الصهاينة. ولا تقتصر الاحتجاجات على مستوى الشارع فحسب، بل إنها تثير مشاعر المسلمين لاتخاذ إجراءات عملية ضد هذا الکيان.
ولتأكيد هذه المسألة، يمكننا أن نشير إلى الإجراءات التي اتخذها ثلاثة يابانيين كانوا أعضاء في "الجيش الأحمر الياباني" في مايو 1972. ورداً على جرائم الکيان الصهيوني بحق الفلسطينيين، دخلوا مطار اللد في الکيان وقتلوا 26 صهيونيًا وجرحوا 71 آخرين بالرشاشات، ومثل هذا العمل قد تقوم به قوات دول أخرى في المستقبل، وهذا تهديد كبير للکيان الإسرائيلي.
الوقت: حاول الصهاينة إخراج يوم القدس إلى الأبد من عقول شعوب المنطقة من خلال تطبيع العلاقات مع العرب، لكنهم فشلوا في هذه الخطة. ما هو سبب تهميش تطبيع العلاقات؟
السيد جعفر قنادباشي: يعود جزء من فشل هذه الخطة إلى نوع تطبيع العلاقات، فالتطبيع السري الذي يتم فقط مع الحكومات الصغيرة لن ينجح، والصهاينة أنفسهم يعترفون به.
إن تطبيع العلاقات بين الکيان الصهيوني وحكومة البحرين، وهي أصغر دولة في المنطقة، وكثير من معارضيها قد قُمعوا وقادتها السياسيون والدينيون في السجن، لن يحقق أي شيء.
الإمارات العربية المتحدة هي أيضًا دولة أكثر من 70٪ من سكانها من الأجانب، وليس لديهم جنسية إماراتية. وفي المغرب، عارض الشعب التطبيع وقمعت الحكومة معارضي التطبيع.
بسبب موجة معارضة الرأي العام في العالم الإسلامي لتطبيع العلاقات، أدركت الحكومات التي كانت مهتمةً بالتطبيع أن الاستمرار في هذا المسار سيضعف أسس الدول الإسلامية، ولهذا توقف قطار التطبيع في البحرين والإمارات والمغرب.
من ناحية أخرى، فإن تطبيع العلاقات يعني الاعتراف بالکيان المحتل، وخيانة فلسطين وقضية القدس، وتأييد قمع المسلمين، ولهذا السبب تخشى حكومات التسوية من تزايد المعارضة الداخلية.
حظرت بعض الدول، مثل العراق وعمان، أي تطبيع للعلاقات مع الکيان الصهيوني، ما أوقف عملية التطبيع جزئيًا. والسعودية التي حاولت إعلان علاقاتها مع الکيان الصهيوني في الوقت المناسب، لكن موجة المعارضة العالمية لجرائم الصهاينة، دفعت السعوديين إلى التراجع عن مواقعهم، لأن أي تطبيع للعلاقات مع الکيان الإسرائيلي في الوضع الراهن، سيزيد الهوة بين الشعوب والحكومات.
